موسوعة الفرق

تَمهيدٌ: تَعريفُ الطَّريقةِ الصُّوفيَّةِ


كان التَّصَوُّفُ في بداياتِه قائِمًا على اجتِهاداتٍ فرديَّةٍ لبَعضِ مَنِ انتَحى جانِبَ الزُّهدِ في الدُّنيا والإقبالَ على الاستِعدادِ والتَّزَوُّدِ للآخِرةِ. لكِنَّه تَطَوَّرَ بَعدَ ذلك ليَتَّخِذَ مَنحًى جَماعيًّا تَعَدَّدَت فِرَقُه وتَشَعَّبَت طُرُقُه، بحَيثُ صار لكُلِّ طَريقةٍ آدابُها ورُسومُها وطُقوسُها وشُيوخُها ومُريديها وكُتُبُها. ثُمَّ انتَشَرَت هذه الطُّرُقُ في كافَّةِ أرجاءِ العالَمِ الإسلاميِّ وغَيرِه.
وقَبلَ الخَوضِ في بَعضِ الجَوانِبِ العامَّةِ المُتَعَلِّقةِ بنَشأةِ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ وعَوامِلِ قيامِها، لا بُدَّ أوَّلًا مِنَ التَّعريفِ بها لُغةً واصطِلاحًا [375] يُنظر: ((الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها)) للسهلي (ص: 9)، ((الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة)) لعبد الخالق (ص: 350). .
فالطَّريقةُ في اللُّغةِ تُطلَقُ على السِّيرةِ، والمَذهَبِ، والحالِ [376] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (10/221). .
ويُعَرِّفُها الصُّوفيَّةُ بأنَّها: (السِّيرةُ المُختَصَّةُ بالسَّالِكينَ إلى اللهِ تعالى مِن قَطعِ المَنازِلِ والتَّرَقِّي في المَقاماتِ) [377] ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 141). .
وفي هذا التَّعريفِ نَظَرٌ مِن جِهةِ تَطَوُّرِ الطُّرُقِ، ومِن جِهةِ وصفِ الطُّرقِ ذاتِها، فهي أقرَبُ ما تَكونُ جُملةَ مَراسيمَ وتَنظيماتٍ لجَماعاتٍ صوفيَّةٍ [378] يُنظر: ((دائرة المعارف الإسلامية "البريطانية")) لمجموعة من المستشرقين (15/172). .
والطَّريقةُ الصُّوفيَّةُ تَعني أوَّلًا النِّسبةَ إلى شَيخٍ يَزعُمُ لنَفسِه التَّرَقِّيَ في مَيادينِ التَّصَوُّفِ والوُصولَ إلى رُتبةِ الشَّيخِ المُرَبِّي، ويَدَّعي لنَفسِه بالطَّبعِ رُتبةً صوفيَّةً مِن مَراتِبِ الأولياءِ عِندَ الصُّوفيَّةِ، كالقُطبِ والغَوثِ والوَتَدِ والبَدَلِ.. إلَخ.
ولا بُدَّ أن يَكونَ مِن أهلِ الكَراماتِ والمُكاشَفاتِ، ويَكونَ له بالطَّبعِ ذِكرٌ خاصٌّ به، يَزعُمُ كُلُّ واحِدٍ منهم أنَّه تَلَقَّاه مِنَ الغَيبِ، إمَّا مِنَ اللهِ رَأسًا، أو نَزَلَ منه سُبحانَه مَكتوبًا، أو مِنَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في اليَقَظةِ أو في المَنامِ، أو مِنَ الخَضِرِ عليه السَّلامُ. فلا بُدَّ أن يَكونَ له ذِكرٌ خاصٌّ يَنفَرِدُ به عن سائِرِ الطُّرُقِ، ولا بُدَّ أن يَكونَ لهذا الذِّكرِ فضلٌ خاصٌّ مُتَمَيِّزٌ عَمَّا عِندَ الطُّرُقِ الأخرى، ثُمَّ لا بُدَّ أن يَكونَ لكُلِّ طَريقٍ شَعائِرُ خاصَّةٌ؛ فلَونُ العَلَمِ والخِرقةِ لونٌ مُمَيَّزٌ، وطَريقةُ الذِّكرِ الصُّوفيِّ مُمَيَّزةٌ، ونِظامُ الخَلوةِ مُمَيَّزٌ، وهكذا، وكَثيرًا ما يَتَوارَثُ زَعامةَ هذه الطُّرُقِ الأبناءُ عَنِ الآباءِ. وعَدَدٌ مِنَ الذينَ يُؤَسِّسونَ الطُّرُقَ يَصِلونَ نَسَبَهم بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيَجعَلونَ أنفُسَهم مِن آلِ بَيتِه الشَّريفِ!

انظر أيضا: