موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: غُلُوُّهم في النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم


إنَّ مِن أهَمِّ العَوامِلِ التي أدَّت إلى انحِرافِ المُتَصَوِّفةِ عَنِ الطَّريقِ المُستَقيمِ: الغُلُوَّ في النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والأولياءِ.
لقد حَذَّرَ الإسلامُ مِنَ الغُلُوِّ بجَميعِ صورِه، وعابَ على أهلِ الكِتابِ غُلُوَّهم في دينِهم، فقال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [المائدة: 77] .
وأوَّلُ شِركٍ وقَعَ للنَّاسِ كان سَبَبُه الغُلُوَّ في رِجالٍ صالحينَ ذَكَرَهمُ اللهُ سُبحانَه في كِتابِه فقال تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [نوح: 23- 24] . وقد رَوى ابنُ جَريرٍ في مَعنى هذه الآيةِ: (كانوا قَومًا صالحينَ بَينَ آدَمَ ونوحٍ، وكان لَهم أتباعٌ يَقتَدونَ بهم، فلمَّا ماتوا قال أصحابُهمُ الذينَ كانوا يَقتَدونَ بهم: لو صَوَّرْناهم كانوا أشوَقَ لنا إلى العِبادةِ إذا ذَكَرْناهم، فصَوَّروهم، فلَمَّا ماتوا وجاءَ آخَرونَ دَبَّ إلَيهم إبليسُ، فقال: إنَّما كانوا يَعبُدونَهم، وبهم يُسقَونَ المَطَرَ؛ فعَبَدوهم) [363] ((جامع البيان)) (29/ 62). .
والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حَذَّر أمَّتَه مِنَ الغُلُوِّ، فقال: ((وإيَّاكُم والغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّما هَلَكَ مَن كان قَبلَكُم بالغُلُوِّ في الدِّينِ)) [364] أخرجه النسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1851) واللفظ له من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه ابنُ خزيمة في ((الصحيح)) (2867)، وابن حبان في ((صحيحه)) (3871)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1711)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/428)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3057). .
ونهى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَن إطرائِه خَشيةَ أن يُقالَ فيه ما قالته النَّصارى في عيسى عليه السَّلامُ؛ فقد رَوى البُخاريُّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه سَمِعَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه يَقولُ على المِنبَرِ: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَقولُ: ((لا تُطْروني كما أطرَتِ النَّصارى ابنَ مَريَمَ؛ فإنَّما أنا عَبدُه، فقولوا: عَبدُ اللَّهِ ورَسولُه)) [365] أخرجه البخاري (3445). .
وعَن أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا قال: يا مُحَمَّدُ، يا سَيِّدَنا وابنَ سَيِّدِنا، وخَيرَنا وابنَ خَيرِنا، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا أيُّها النَّاسُ عليكُم بتَقواكُم، لا يَستَهوينَّكُمُ الشَّيطانُ، أنا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ عَبدُ اللَّهِ ورَسولُه، واللَّهِ ما أُحِبُّ أن تَرفَعوني فوقَ مَنزِلَتي التي أنزَلَني اللهُ)) [366] أخرجه أحمد (12551) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10077)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن الكبرى)) (536) من حديثِ أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الألباني في ((غاية المرام)) (127)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (132)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12551)، وصحَّح إسنادَه محمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (459) وقال: على شرط مسلم، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/611). .
ولَكِنَّ كَثيرًا مِنَ الصُّوفيَّةِ أتَوا بنَقيضِ ذلك، فغَلَوا في النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتَوجَّهوا إليه بطَلَبِ المَنفعةِ ودَفعِ المَضَرَّةِ، والأخذِ باليَدِ يَومَ الحَشرِ، وشَكَوا إليه نَوائِبَ الدَّهرِ، ونَسُوا اللَّهَ الذي بيَدِه مَقاليدُ كُلِّ شَيءٍ!

انظر أيضا: