موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: اتِّخاذُ الشَّيخِ


أوَّلُ ما يَجِبُ على مُريدِ الطَّريقِ الصُّوفيِّ أن يَتَّخِذَ شيخًا له ليَدُلَّه على الطَّريقِ.
قال القُشَيريُّ: (يَجِبُ على المُريدِ أن يَتَأدَّبَ بشَيخٍ، فإن لم يَكُنْ له أُستاذٌ لا يُفلِحُ أبدًا... فإمامُه الشَّيطانُ) [249] ((الرسالة القشيرية)) (ص: 181). .
وهذا النَّصُّ قد كَتَبَه سَنةَ 387ه، وهوَ يَدُلُّ على أنَّ مَسألةَ وُجوبِ اتِّخاذِ الشَّيخِ قَديمةٌ.
واتِّخاذُ الشَّيخِ قد يُفَسَّرُ بأنَّ له سندًا مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ في أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَّمَ أصحابَه، والأصحابُ عَلَّموا التَّابِعينَ، وهكذا، ولَكِنَّ هذا استِدلالُ مَن لا يَعلَمُ ماذا يَعني الشَّيخُ في الطَّريقِ الصُّوفيِّ! إنَّ الشَّيخَ يَعني شيئًا آخَر تمامًا، كما يَتَبَيَّنُ عَبرَ الِاطِّلاعِ على مواصَفاتِ الشَّيخِ والشُّروطِ والآدابِ التي يَجِبُ مُراعاتُها مَعَه.
والمُهِمُّ هُنا العِلمُ بأنَّ مَقولةَ مَن لم يَتَّخِذْ شيخًا لا يُفلِحُ أبدًا، قَولٌ غَيرُ صَحيحٍ؛ فمِنَ المُمكِنِ أن يَهتَديَ المُسلِمُ بسَماعِه للقُرآنِ وقِراءَتِه للحَديثِ مِن شَيخٍ أو طالِبِ عِلمٍ، أو كِتابٍ، ولا يُشتَرَطُ في الهِدايةِ الِالتِزامُ بشَيخٍ مُعَيَّنٍ له رُسومٌ مُعَيَّنةٌ وأورادٌ خاصَّةٌ.
قال القُشَيريُّ بَعدَ أن قَرَّرَ في زَعمِه أنَّ طائِفةَ التَّصَوُّفِ هم أهلُ الحَقِّ، وأنَّ عُلومَهم أشرَفُ العُلومِ: (فإذا كان أُصولُ هذه الطَّائِفةِ أصَحَّ الأُصولِ، ومَشايِخُهم أكبَرَ النَّاسِ، وعُلَماؤُهم أعلَمَ النَّاسِ، فالمُريدُ الذي له إيمانٌ بهم إن كان مِن أهلِ السُّلوكِ والتَّدَرُّجِ إلى مَقصَدِهم فهوَ يساهِمُهم فيما خُصُّوا به مِن مُكاشَفاتِ الغَيبِ، فلا يَحتاجُ إلى التَّطَفُّلِ على مَن هو خارِجٌ عن هذه الطَّائِفةِ) [250] ((الرسالة القشيرية)) (ص: 181). .
وقال القُشَيريُّ أيضًا: (ويَقبُحُ بالمُريدِ أن يَنتَسِبَ إلى مَذهَبٍ مِن مَذاهِبِ مَن ليس مِن هذه الطَّريقةِ، وليس انتِسابُ الصُّوفيِّ إلى مَذهَبٍ مِن مَذاهِبِ المُختَلِفينَ -سِوى طَريقةِ الصُّوفيَّةِ- إلَّا نَتيجةَ جَهلِهم بمَذاهِبِ أهلِ هذه الطَّريقةِ؛ فإنَّ هؤلاء حُجَجُهم في مَسائِلِهم أظهَرُ مِن حُجَجِ كُلِّ أحَدٍ، وقَواعِدُ مَذاهِبِهم أقوى مِن قَواعِدِ كُلِّ مَذهَبِ، والنَّاسُ إمَّا أصحابُ النَّقلِ والأثَرِ، وإمَّا أربابُ العَقلِ والفِكَرِ، وشُيوخُ هذه الطَّائِفة ارتَقَوا عن هذه الجُملةِ؛ فالذي للنَّاسِ غَيبٌ فهوَ لهم ظُهورٌ، والذي للخَلقِ مِنَ المَعارِفِ مَقصودٌ فلهم مِنَ الحَقِّ سُبحانَه مَوجودٌ؛ فهم مِن أهلِ الوِصالِ، والنَّاسُ أهلُ الِاستِدلالِ، وهم كما قال القائِلُ:
ليلي بوَجهِك مَشرِقٌ
وظَلامُه في النَّاسِ ساري
فالنَّاسُ في صدَفِ الظَّلامِ
ونَحنُ في ضَوءِ النَّهارِ) [251] ((الرسالة القشيرية)) (ص: 180). .

انظر أيضا: