موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّادِسُ: وُجوبُ مَعرِفةِ الإمامِ


ممَّا يَعتَقِدُه الشِّيعةُ أنَّه يَجِبُ على النَّاسِ مَعرِفةُ الإمامِ الحُجَّةِ الذي لا تَخلو الأرضُ منه، ومَن ماتَ ولم يَعرِفِ الإمامَ فقد ماتَ مِيتةً جاهليَّةً، أو مِيتةَ كُفرٍ وضَلالٍ.
قال المُرتَضى الشِّيعيُّ: (إنَّ المَعرِفةَ بهم يَعني بالأئِمَّةِ كالمَعرِفةِ به تعالى؛ فإنَّها إيمانٌ وإسلامٌ، وإنَّ الجَهلَ والشَّكَّ فيهم كالجَهلِ والشَّكِّ فيه؛ فإنَّه كُفرٌ، وخُروجٌ منَ الإيمانِ، وهذه المَنزِلةُ ليست لأحَدٍ منَ البَشَرِ إلَّا لنَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، والأئِمَّةِ من بَعدِه عليٍّ وأولادِه الطَّاهرينَ) [162] ((الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة)) - نقلًا عن مقدمة ((البرهان)) (ص: 20). .
وقال الطُّوسيُّ المُلقَّبُ بشَيخ الطَّائِفةِ: (دَفعُ الإمامةِ كُفرٌ، كما أنَّ دَفعَ النُّبوَّةِ كُفرٌ؛ لأنَّ الجَهلَ بهما على حدٍّ واحِدٍ، وقد رويَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم أنَّه قال: "مَن ماتَ وهو لا يَعرِفُ إمامَ زَمانِه ماتَ مِيتةً جاهليَّةً" [163] قال ابنُ تيميَّةَ في ((منهاج السنة)) (1/110): هذا الحَديثُ بهذا اللَّفظِ لا يَعرِفُ، وقال الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الضَّعيفة)) (350): لا أصلَ له بهذا اللَّفظِ. ورُوِيَ بلفظ: ((مَن ماتَ وليس له إمامٌ ماتَ مِيتةً جاهليَّةً)). أخرجه أحمد (16876)، وابن حبان (4573) واللفظ له، والطبراني (19/388) (910) من حَديثِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4573)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1117)، وجوَّد إسنادَه الألباني في تخريج ((كتاب السنة)) (1057) وأصلُه في صحيح مسلم (1851) بلفظ: ((... ومَن ماتَ وليس في عُنُقِه بَيعةٌ ماتَ مِيتةً جاهليَّةً)) من حَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، ومِيتةُ الجاهليَّةِ لا تَكونُ إلَّا على كُفرٍ) [164] ((تلخيص الشافي)) (4/ 131، 132). .
وقد أورَدَ مُحدِّثو الشِّيعةِ رِواياتٍ كَثيرةً في هذا المَعنى في أبوابٍ مُستَقِلَّةٍ بَوَّبوها في مُصَنَّفاتِهم، مِثلُ الكُلينيِّ في كافيه، وابنِ بابَوَيهِ القُمِّيِّ في كُتُبِه، والطُّوسيِّ في شافيه، والبَرقيِّ في مَحاسِنِه، والنُّعمانيِّ في غَيبَتِه، والحُرِّ العامِليِّ في فُصولِه، والمَجلِسيِّ في بحارِه، والبَحرانيِّ في بُرهانِه، وغَيرِهم، حتَّى قال مُحَدِّثهمُ العامِليُّ: (الآياتُ والرِّواياتُ من طَريقِ العامَّةِ والخاصَّةِ، والأدِلَّةُ في ذلك أكثَرُ من أن تُحصى) [165] يُنظر: ((الفصول المهمة في معرفة الأئمة)) للعاملي (ص: 141). .
فهذا المُعتَقَدُ منَ المَبادِئِ الشِّيعيَّةِ الأساسيَّةِ، والمَقصودُ منه أنَّه يَجِبُ على كُلِّ شَخصٍ أن يَعتَقِدَ عَدَمَ خُلوِّ الأرضِ من إمامٍ، ثمَّ يوجِبُ على نَفسِه أن يَعرِفَه، ويَجعَلَه قُدوةً له، وهاديًا ومُرشِدًا ومُطاعًا، فيَأخُذَ منه مَعالمَ الدِّينِ، ويهتَديَ بهَديِه، ويَسلُكَ مَسلَكَه، ويَنهَجَ مَنهَجَه، وبدونِ إرشادِه وتَوجيهِه يَضِلُّ الطَّريقَ، ويهوي في المَزالِقِ والمَهالِكِ.
هذا ما يَعتَقِدُه الشِّيعةُ، وآمَنَ بهذا المَبدَأِ عَدَدٌ من مشايخِ الصُّوفيَّةِ، فقالوا: مَن لم يَكُنْ له أستاذٌ فإمامُه الشَّيطانُ [166] يُنظر: ((الرسالة)) للقشيري (2/735)، ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص: 96)، ((جامع الأصول في الأولياء)) للكمشخانوي (ص: 120)، ((الفتوحات الإلهية)) لابن عجيبة (ص: 88)، ((قلادة الجواهر)) للرفاعي (ص: 143). .
قال ابنُ عَرَبيٍّ: (اعلَمْ أنَّ مَقامَ الدَّعوةِ إلى اللهِ، وهو مَقامُ النُّبوَّةِ والوِراثةِ الكامِلةِ، والحاصِلُ فيه يُقالُ له النَّبيُّ في زَمانِ النُّبوَّةِ، ويُقالُ له الشَّيخُ الوارِثُ والأستاذُ في حَقِّ العُلماءِ باللهِ من غَيرِ أن يَكونوا أنبياءَ، وهو الذي قالت فيه السَّادةُ مِن أهلِ طَريقِ اللهِ: مَن لم يَكُنْ له أستاذٌ فإنَّ الشَّيطانَ أستاذُه) [167] ((الأمر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط)) (ص: 265، 266). .
وقال الشَّعرانيُّ: (اعلَمْ يا أخي أنَّ أحَدًا منَ السَّالكينَ لم يَصِلْ إلى حالةٍ شَريفةٍ في الطَّريقِ أبَدًا إلَّا بمُلاقاةِ الأشياخِ ومُعانَقةِ الأدَبِ مَعَهم، والإكثارِ مَن خِدمَتِهم، ومَنِ ادَّعى الطَّريقَ بلا شَيخٍ كان شَيخُه إبليسَ) [168] ((الأنوار القدسية)) (ص: 173، 174). .

انظر أيضا: