موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّابِعُ: نَماذِجُ من خياناتِ القَرامِطةِ وجَرائِمِهم في حَقِّ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ


مِن خياناتِ القَرامِطةِ وجَرائِمهم ما فعَلوه في سَنةِ 294هـ، من تَعَرُّضِهم للحُجَّاجِ أثناءَ رُجوعِهم من مَكَّةَ بَعدَ أداءِ المَناسِكِ، فلَقوا القافِلةَ الأولى فقاتَلوهم قتالًا شَديدًا، فلَمَّا رَأى القَرامِطةُ شِدَّةَ أهلِ القافِلةِ في القِتالِ، قالوا لهم: هل فيكم نائِبُ السُّلطانِ؟ فقالوا: ما مَعنا أحَدٌ، فقالوا: فلسْنا نُريدُكم، فاطمَأنُّوا وساروا، ثُمَّ غَدَروا بهم، وقَتَلوهم عن آخِرِهم. وتَعقَّبوا قَوافِلَ الحَجيجِ الأُخرى قافِلةً قافِلةً، يُعمِلونَ فيهمُ السَّيفَ، فقَتَلوهم عن آخِرِهم، وجَمَعوا القَتلى كالتَّلِّ، وأرسَلوا خَلفَ الفارِّينَ مِنَ الحَجيجِ مَن يبذُلُ لهمُ الأمانَ، فعِندَما رَجَعوا قَتَلوهم عن آخِرِهم، وكانت نِساءُ القَرامِطةِ يطُفنَ بَينَ القَتلى والجَرحى يعرِضنَ على مَن كان حَيًّا الماءَ، فمَن كلَّمَهنَّ قَتَلنَه، فقيل: إنَّ عَدَدَ القَتلى بلغَ في هذه الحادِثةِ عِشرينَ ألفًا! وكانوا يُغَوِّرونَ الآبارَ التي في طَريقِ قَوافِلِ الحُجَّاجِ، ويُفسِدونَ ماءَها بالجِيَفِ والتُّرابِ والحِجارةِ، وقيل: إنَّه بلغَ ما نَهَبوه مِنَ الحَجيجِ نَحوَ ألفَيْ ألفَيْ دينارٍ [3193] يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (6/ 432، 433). .
وفي سَنةِ 311 هـ قَصَدَ أبو طاهرٍ القِرْمِطيُّ البَصرةَ فوصَلها ليلًا في ألفٍ وسَبعِمِائةِ رَجُلٍ، فوضَعَ السَّيفَ في أهلِ البَصرةِ، وهَرَبَ النَّاسُ، وحارَبَ بَعضُهم القَرامِطةَ عَشَرةَ أيَّامٍ، فظَفِرَ بهمُ القَرامِطةُ، وقَتَلوا خَلقًا كثيرًا، وطَرحَ النَّاسُ أنفُسَهم في الماءِ فغَرِقَ أكثَرُهم، وأقامَ أبو طاهرٍ سَبعةَ عَشَرٍ يومًا يحمِلُ مِنَ البَصرةِ ما يقدِرُ عليه مِنَ المالِ والأمتِعةِ والنِّساءِ والصِّبيانِ، ثُمَّ انصَرَف [3194] يُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (11/147)، ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (7/15). .
وفي سَنةِ 312هـ سارَ أبو طاهِر الشِّيعيُّ القِرْمِطيُّ في عَسكَر عَظيم ليَلقى الحَجيج في رُجوعِهم من مَكَّة، فأوقَعَ بقافِلة تَقدَّمَت مُعظَمَ الحُجَّاج، وكان فيها خَلق كثيرٍ من أهل بَغداد، فنَهَبَهم، واتَّصَلَ الخَبَرُ إلى باقي الحَجيجِ، ولَكِن دونَما فائِدة فقد باغَتَهم القَرامِطةِ أيضًا، فأوقَعوا بهم وأخَذوا دَوابَّهم، وما أرادوا مِنَ الأمتِعة والأموالِ والنِّساءِ والصِّبيانِ، وقَتَلوا مَن قَتَلوا وتَركَ الباقونَ في أماكِنِهم مُنهَكينَ فماتَ أكثَرهم جوعًا وعَطَشًا من حَرِّ الشَّمسِ [3195] يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (7/ 312). .
وفي سَنةِ 312 هـ دَخَل أبو طاهرٍ القِرْمِطيُّ الكوفةَ، فخَرَجَ إليه واليها جَعفرُ بنُ وَرقاءَ الشَّيبانيُّ فقاتَله، واجتَمَعَ له أمدادٌ من هنا وهناك، ولكِنْ ظَفِرَ بهمُ القَرامِطةُ، وتَبعوهم إلى بابِ الكوفةِ، فانهَزَمَ عَسكرُ الخَليفةِ، وأقامَ أبو طاهرٍ سِتَّةَ أيَّامٍ يدخُلُ البلدَ نَهارًا ثُمَّ يخرُجُ فيبيتُ في عَسكرِه، وحَملَ منها ما قدَرَ على حَملِه مِنَ الأموالِ والثِّيابِ وغَيرِ ذلك [3196] يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (7/22، 23). .
وفي سَنةِ 315 هـ خَرَجَ القَرامِطةُ نَحوَ الكوفةِ أيضًا، وسَيَّرَ لهمُ الخَليفةُ العَبَّاسيُّ جَيشًا، ودارَت بَينَهم وقائِعُ في واسِطٍ والأنبارِ، وكانت سِجالًا، وقُتِل فيها من عَسكرِ الخَليفةِ عَدَدٌ كثيرٌ وانهَزَموا، وأصابَ النَّاسَ الذُّعرُ مِنَ القَرامِطةِ، وخَرَجَ ناسٌ بأموالِهم من بَغدادَ لمَّا سَمِعوا بتَوجُّهِ القَرامِطةِ إليها [3197] يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (7/31- 33). .
وفي سَنةِ 316 هـ عاثَ أبو طاهرٍ القِرْمِطيُّ في الأرضِ فسادًا، فدَخَل الرَّحبةَ وقَتَل من أهلِها خَلقًا، وطَلبَ منه أهلُ قَرْقِيسيا الأمانَ، فأمَّنَهم، وبَعَثَ سراياه إلى ما حَولَها مِنَ الأعرابِ، فقَتَل منهم خَلقًا حتَّى صارَ النَّاسُ يَهرُبونَ من سَماعِ اسمِه، وفرضَ على الأعرابِ إتاوةً يحمِلونَها إلى هَجَرَ في البَحرينِ كُلَّ سَنةٍ؛ عن كُلِّ رَأسٍ دينارَينِ، وعاثَ في نواحي الموصِلِ فسادًا، وفي سِنجارَ ونَواحيها، وخَرَّب بَعضَ تلك الدِّيارِ، وقَتَل وسَلَب ونَهَب [3198] يُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (11/157، 158). .
وفي سَنةِ 317 هـ خَرَجَ القَرامِطةُ إلى مَكَّةَ في يومِ التَّرويةِ، فقَتَلوا الحَجيجَ في رِحابِ مَكَّةَ وشِعابِها، وفي المَسجِدِ الحَرامِ وفي جَوفِ الكعبةِ، وجَلسَ أميرُهم أبو طاهرٍ على بابِ الكعبةِ والحُجَّاجُ صَرعى حَولَه والسُّيوفُ تَعمَلُ في النَّاسِ في المَسجِدِ الحَرامِ في الشَّهرِ الحَرامِ في يومِ التَّرويةِ الذي هو من أشرَفِ الأيَّامِ. وكان الحُجَّاجُ يفِرُّونَ منهم فيتَعَلَّقونَ بأستارِ الكعبةِ، فلا يُجدي ذلك عنهم شَيئًا، بل يُقتَلونَ وهم مُتَعَلِّقونَ بها، ولمَّا قَضى القِرْمِطيُّ أبو طاهرٍ أمرَه، أمر بإلقاءِ القَتلى في بئرِ زَمزَمَ، وهَدمَ قُبَّتَها، وأمرَ بقَلعِ بابِ الكعبةِ، ونَزعَ كِسوتَها عنها، وشَقَّقها بَينَ أصحابِه، ثُمَّ أمر رجلًا من رِجالِه بأن يقلعَ الحَجَرَ الأسودَ، فضَرَبَه بمُثقَلٍ كان في يدِه وقال: أينَ الطَّيرُ الأبابيلُ؟ أينَ الحِجارةُ من سِجِّيلٍ؟ ثُمَّ قَلعَ الحَجَرَ الأسودَ، وأخَذوه حينَ راحوا مَعَهم إلى بلادِهم، فمَكثَ عِندَهم ثِنتَينِ وعِشرينَ سَنة، حتَّى رَدُّوه في سَنةِ 339هـ [3199] يُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (11/160، 161)، ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (7/53- 54). .

انظر أيضا: