موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: أهدافُ القَرامِطةِ


تَقومُ حَركةُ القَرامِطةِ على غايةٍ أساسيَّةٍ، وهي القَضاءُ على الإسلامِ بَعدَ تَسَلُّمِ الحُكمِ والانتِهاءِ من دَولَتِه، وهي بهذا لا تَختَلِفُ عن بَقيَّةِ الثَّوراتِ التي قامَت في ذلك العَصرِ، مِثلُ حَركةِ الزِّنجِ والخُرَّمِيَّةِ وغَيرِها، وكانت تَمُدُّ هذه الحَركاتِ جَميعَها المَجوسيَّةُ التي يُظهِرُ بَعضُ أفرادِها اعتِناقَ الإسلامِ وتُمَوِّلُها اليَهوديَّةُ بالأموالِ وتُعَضِّدُها كُلُّ الفِرَقِ والدِّياناتِ المُعاديةِ للإِسلامِ، سَواءٌ المَوجودةُ منها داخِلَ المُجتَمَعِ الإسلاميِّ أم خارِجَه.
وكان أعداءُ الإسلامِ قد عَجَزوا عن مُعارَضَتِه في البِدايةِ بَعدَ انتِصاراتِه الواسِعةِ عليهم؛ إذِ انزَوى اليَهودُ في جُزُرٍ مِنَ الأرضِ صَغيرةٍ، وانفَرَدَ أفرادٌ مِنَ المَجوسِ في الأراضي الشَّاسِعةِ، وبَدَأ الكَيدُ وتَدبيرُ المُخَطَّطاتِ والأساليبُ الماكِرةُ، وكان أوَّلَ هذه المُؤامَراتِ قَتلُ الخَليفةِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه على يَدِ المَجوسِ؛ إذ قَتَلَه أبو لُؤلُؤةَ، ثُمَّ كان قَتلُ الخَليفةِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه بتَدبيرِ اليَهودِ الذين أشعَلوا فِتنةً وسَطَ المُجتَمَعِ الإسلاميِّ على يَدِ عبدِ اللهِ بنِ سَبَأٍ اليَهوديِّ، الذي أظهَرَ الإسلامَ، وبَدَأ يَتَنَقَّلُ في الأمصارِ الإسلاميَّةِ، يُشيعُ الفِتنةَ، ويُحَدِّثُ بأمورٍ لم يَعرِفْها المُسلِمونَ من قَبلُ، ونَشَأ من جَرَّاءِ ذلك فِرقةٌ تُؤَلِّه الخَليفةَ عَليَّ بنَ طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وليس هذا مَحَبَّةً لعَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه ولدينِه بل مَكيدةً وحقدًا ولإيجادِ الشِّقاقِ بَينَ المُسلِمينَ، وخَرقِ الدِّينِ من داخِلِه، وتَوَلَّدَت عن هذه الفِرقةِ حَركاتٌ تَدَّعي الانتِسابَ إليه أو إلى أحفادِه، يَحمِلُها المَجوسُ، ويُغَذِّيها اليَهودُ، فكانتِ السَّبَئيَّةُ نِسبةً إلى عبدِ اللهِ بنِ سَبَأٍ اليَهوديِّ، وكانتِ الكَيسانيَّةُ والحَركاتُ الباطِنيَّةُ الأخرى التي لا تَستَطيعُ إظهارَ ما تَعتَقِدُ لِما فيه من سُخفٍ وضَعفٍ، وعَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه وأبناؤُه وأحفادُه منها بَراءٌ.
ولمَّا كان أكثَرُ المَجوسِ من فارِسَ كانت فارِسُ مَركَزَ هذه الدِّيانةِ، وقامَت حَركاتٌ يَتَزَعَّمُها فُرسٌ وفي رؤوسِهم أفكارُ المَجوسِ وآراؤُهم وعَقيدَتُهم، يُظهِرونَ الإسلامَ ويُبطِنونَ المَجوسيَّةَ ويَحقِدونَ على مَن قَضى على دَولَتِهم، ولَكِنَّهم لا يَستَطيعونَ أن يَعمَلوا إلَّا في الخَفاءِ؛ فكانتِ الخُرَّميَّةُ والقَرامِطةُ والحَشَّاشونَ وغَيرُهم، وكان ادِّعاءُ النَّسَبِ هو المَجالَ الذي يُخفي فيه أولئك أنفُسَهم ليَختَفيَ تَحتَه هَدَفُ الحَركةِ، فادَّعى صاحِبُ الزِّنجِ النَّسَبَ العَلَويَّ وتَسَمَّى باسمِ (عَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ) وانتَسَبَ (الحُسَينُ بنُ زكرَوَيهِ بنِ مهرَوَيه) النَّسَبَ نَفسَه، وأخَذَ اسمَ أحمَدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إسماعيلَ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وكان أخوه (يَحيى) قدِ ادَّعى أنَّه هو مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إسماعيلَ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ، حتَّى إنَّ الذين يُريدونَ أن يَرفَعوا من شَأنِ القَرامِطةِ يَجعَلونَ لقادَتِها نَسَبًا عَرَبيًّا، وما هو كذلك، إن يُريدونَ إلَّا كذِبًا!
قال ابنُ الجَوزيِّ: (وقالوا -أي القَرامِطةُ-: قد ثَبَتَ عِندَنا أنَّ جَميعَ الأنبياءِ كذَبوا وتَخرَّقوا على أمَمِهم، وأعظَمُ كُلِّ بَليَّةٍ عَلَينا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه تَبِعَه مِنَ العَرَبِ الطَّغامُ فخَدَعَهم بناموسِه، فبَذَلوا أموالَهم وأنفُسَهم، ونَصَروه وأخَذوا مَمالِكَنا، وقد طالَت مُدَّتُهم، والآنَ قد تَشاغَلَ أتباعُه، فمنهم مُقبِلٌ على كسبِ الأموالِ، ومنهم على تَشييدِ البُنيانِ، ومنهم على المَلاهي، وعُلَماؤُهم يَتَلاعَبونَ، ويُكَفِّرُ بَعضُهم بَعضًا، وقد ضَعُفَت بَصائِرُهم، فنَحنُ نَطمَعُ في إبطالِ دينِهم، إلَّا أنَّا لا يُمكِنُنا مُحارَبَتُهم لكَثرَتِهم؛ فليس الطَّريقُ إلَّا إنشاءَ دَعوةٍ في الدِّينِ والانتِماءَ إلى فِرقةٍ منهم، وليس فيهم فِرقةٌ أضعَفُ عُقولًا مِنَ الرَّافِضةِ، فنَدخُلُ عليهم، نَذكُرُ ظُلمَ سَلَفِهم الأشرافِ من آلِ نَبيِّهم، ودَفعَهم عن حَقِّهم، وقَتْلَهم، وما جَرى عليهم مِنَ الذُّلِّ؛ لنَستَعينَ بها على إبطالِ دينِهم، فتَناصَروا وتَكاتَفوا وتَوافَقوا وانتَسَبوا إلى إسماعيلَ بنِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ)  [3132] ((المنتظم)) (12/ 288). .

انظر أيضا: