موسوعة الفرق

المطلَبُ الأوَّلُ: حَرَكةُ أمَلٍ


هذا الحِزبُ اللُّبنانيُّ الشِّيعيُّ المُسَمَّى حِزبَ اللهِ، والذي تَأسَّسَ عامَ 1982م، واشتَهَرَ ودَخَل مُعتَرَكَ السِّياسةِ عامَ 1985م، قد وُلِدَ في الأصلِ من رَحِم حَرَكةِ أمَلٍ الشِّيعيَّةِ اللُّبنانيَّةِ؛ فالحَديثُ عن حِزبِ اللهِ يتَطَلَّبُ الرُّجوعَ لحَرَكةِ أمَلٍ وظُروفِ قيامِها ومَعرِفةِ أهدافِها وأنشِطَتِها إلى قيامِ حِزبِ اللهِ كبَديلٍ شيعيٍّ لُبنانيٍّ عنها.
إنَّ مُؤَسِّسَ حَرَكةِ أمَلٍ هو موسى الصَّدرِ، وهو إيرانيٌّ عِراقيٌّ من أُصولٍ لُبنانيَّةٍ تَرجِعُ إلى جَبلِ عامِلٍ في لُبنانَ، فقد هاجَرَ أحَدُ أجدادِه قديمًا إلى إيرانَ وارتَبَطَت بَعضُ فُروعِ الأُسرةِ لاحِقًا بالعِراقِ، وُلدَ في مَدينةِ قُمَّ الإيرانيَّةِ، وتَخَرَّجَ من جامِعةِ طِهرانَ؛ حَيثُ حَصَل منها على شَهادةٍ في الفِقهِ والعُلومِ السِّياسيَّةِ، ورَشَّحه المَرجِعُ الشِّيعيُّ مُحسِن الحَكيمِ وحُسَين البروجرديُّ ليكونَ شَخصيَّةً قياديَّةً شيعيَّةً في مِنطَقةِ صورٍ اللُّبنانيَّةِ؛ ليَخلُفَ بذلك المَرجِعَ الشِّيعيَّ اللُّبنانيَّ عَبدَ الحُسَين شَرَف الدِّينِ العامِليَّ الذي توُفِّي عامَ 1957م. وبالفِعل أقامَ الصَّدرُ في صورٍ عامَ 1959م، وحَصَل على الجِنسيَّةِ اللُّبنانيَّةِ بموجِبِ مَرسومٍ جُمهوريٍّ لُبنانيٍّ خاصٍّ عامَ 1968م مَعَ احتِفاظِه بجِنسيَّتِه الإيرانيَّةِ، وتَربِطُه بالخُمينيِّ أقوى الصِّلاتِ، فأحمَدُ بنُ الخُمينيِّ مُتَزَوِّجٌ من فاطِمةَ الطَّباطَبائيِّ ابنةِ شَقيقةِ موسى الصَّدر، وابنُها مُرتَضى الطَّباطَبائيُّ مُتَزَوِّجٌ من حَفيدةِ الخُمينيِّ. وقد قامَ موسى الصَّدرِ بتَأسيسِ المَجلسِ الإسلاميِّ الشِّيعيِّ في لُبنانَ بَينَ عامَي 1967م و1969م، وتَأسيسِ حَرَكةِ أمَلٍ السِّياسيَّةِ العَلمانيَّةِ في لُبنانَ أيضًا عامَ 1974م.
وفي عامِ 1974م، قَبلَ بدايةِ الحَربِ الأهليَّةِ اللُّبنانيَّةِ بعامٍ تقريبًا، وقَبلَ اندِلاعِ الثَّورةِ الإيرانيَّةِ بسَنَواتٍ قَليلةٍ، وقَف موسى الصَّدرِ أمامَ حَشدٍ كبيرٍ من شيعَتِه ليقولَ: (إنَّنا جَماعةُ الانتِقامِ، أي هؤلاء الذين يتَمَرَّدونَ على كُلِّ استِبدادٍ، حتَّى إذا كان ذلك سيُكلِّفُنا دَمَنا وحَياتَنا، إنَّنا لم نَعُدْ نُريدُ العَواطِفَ، ولكِنْ نُريدُ الأفعالَ، نحن تَعِبونَ مِنَ الكَلِماتِ والخِطاباتِ، لقد خَطَبتُ أكثَرَ من أيِّ إنسانٍ آخَرَ، وأنا الذي دَعا أكثَرَ مِنَ الجَميعِ إلى الهدوءِ، ولقد دَعَوتُ إلى الهدوءِ بالمِقدارِ الذي يكفي، ومُنذُ اليومِ لن أسكُتَ أبدًا، وإذا بَقيتُم خامِلينَ فأنا لستُ كذلك) [2688] ((الإمام المستتر)) لعجمي (ص: 155). .
وقال أيضًا: (لقد اختَرْنا اليومَ فاطِمةَ بنتَ النَّبيِّ، يا أيُّها النَّبيُّ، يا رَبِّ، لقد اجتَزْنا مَرحَلةَ المُراهَقةِ، وبلَغْنا عُمرَ الرُّشدِ، لم نَعُدْ نُريدُ أوصياءَ، ولم نَعُدْ نَخافُ، ولقد تَحَرَّرْنا، على الرَّغمِ من كُلِّ الوسائِلِ التي استَخدَموها لمَنعِ النَّاسِ مِنَ التَّعَلُّمِ، ولقد اجتَمَعنا لكي نُؤَكِّدَ نِهايةَ الوِصايةِ، ذلك أنَّنا نَحذو حَذوَ فاطِمةَ، وسَنَنتَهي كشُهَداءَ) [2689] ((الإسلام الشيعي، عقائد وأيديولوجيات)) لريشار (ص: 199، 200). .
وبهذا الإعلانِ الثَّوريِّ قامَت بدايةٌ جَديدةٌ للحَرَكةِ السِّياسيَّةِ الشِّيعيَّةِ في لُبنانَ، مَعَ القيامِ بتَسليحِها لمُقاومةِ الانتِهاكاتِ والهَجَماتِ الإسرائيليَّةِ على جَنوبِ لُبنانَ بزَعمِهم، وقد كان بَينَها وبَينَ حَرَكةِ فتحٍ الفِلَسطينيَّةِ عَلاقاتٌ وثيقةٌ، ثُمَّ انقَلبَ الأمرُ إلى قيامِ نِزاعاتٍ مُسَلَّحةٍ مَعَ بَعضِ فصائِلِها.
ومُنذُ عامِ 1978م اختَفى الصَّدرُ في زيارةٍ إلى ليبيا، ولا يُعرَفُ حتَّى الآنَ ما إذا كان قد ماتَ أو قُتِل أو لا يزالُ بَعدُ على قَيدِ الحَياةِ. وقد كثُرَتِ الرِّواياتُ حَولَ أسبابِ اختِفاءِ الصَّدرِ، وقد قيل بأنَّ اختِفاءَه كان قَسريًّا من أجلِ تَخَلُّصِ الخُمينيِّ من طُموحِ الصَّدرِ؛ فقد سُئِل علي الجمَّال، وهو أحَدُ المُقَرَّبينَ لموسى الصَّدرِ، ومِن كِبارِ مُمَوِّلي حَرَكتِه بالمالِ والسِّلاحِ، سُئِل عن طُموحِ الصَّدرِ فقال: (أمَّا طُموحُه فكان الوُصولَ إلى الأمانةِ العامَّةِ للطَّائِفةِ الشِّيعيَّةِ في العالمِ) [2690] ((مجلة الشراع اللبنانية)) (العدد: 898). .
وهذا الاختِفاءُ الغامِضُ شَكَّل أهَمِّيَّةً رَمزيَّةً لحَرَكةِ أمَلٍ؛ فقد ارتَفعَ الصَّدرُ إلى مَرتَبةِ الشَّهيدِ القَوميِّ عِندَ العَديدِ مِنَ الشِّيعةِ اللُّبنانيِّينَ، وتَصَدَّرَت صورُه افتِتاحيَّاتِ صُحُفِ أمَلٍ، كما أُعيدَ طَبعُ خُطَبِه وتَعليقاتِه، وأطلقَ أعضاءُ الحَرَكةِ على أنفُسِهم من حينٍ لآخَرَ الصَّدريِّينَ [2691] يُنظر: ((مجلة المجتمع)) (العدد: 957). .

انظر أيضا: