موسوعة الفرق

الفرْعُ الثَّالثُ: أبرَزُ اعتِقاداتِ الحُوثيِّين في القُرآنِ والسُّنَّةِ


أوَّلًا: أبرَزُ اعتِقاداتِ الحُوثيِّين في القُرآنِ:
1- القَولُ بخَلقِ القُرآنِ:
يذهَبُ الحُوثيُّون في عَقيدَتِهم في القُرآنِ مَذهَبَ المُعتَزِلةِ فيقولونَ: (إنَّ كلامَ اللهِ مُحدَثٌ، مَخلوقٌ؛ لأنَّه فِعلُه، وكُلُّ الأفعالِ مُحدَثةٌ ضَرورةً، وإلَّا لزِمَ قِدَمُ العالَمِ؛ لأنَّه كُلَّه أفعالُه، ومَعنى حُدوثِه أنَّه أوجَدَه ولم يكُنْ مَوجودًا، وهذه حَقيقةُ الفِعلِ وحَقيقةُ الحُدوثِ. وقُلنا: إنَّه مَخلوق؛ لأنَّه مَجعولٌ مُقدَّرٌ؛ لأنَّ الخَلقَ إمَّا الإيجادُ، وإمَّا التَّقديرُ، وكِلاهما ثابتانِ فيه، ولدُخولِه في قَولِه: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [2584] ((القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد)) لحسين يحيى الحوثي (ص: 86). .
وانتَقدَ بَدرُ الدِّينِ الحُوثيُّ أحمَدَ بنَ حَنبلٍ عِندَما رَدَّ رِوايةَ مَن يقولُ بخَلقِ القُرآنِ [2585] ((الغارة السريعة)) (ص: 12، 13، 235). .
واعتَبَرَ أحمَد لُطف الدَّيلميُّ الحُوثيُّ القَولَ بخَلقِ القُرآنِ مِنَ الفوارِقِ بَينَ أهلِ السُّنَّةِ الذين يُسَمِّيهمُ الحَشَويَّةَ وبَينَ آلِ البَيتِ في قَولِه: (... فالعَدليَّةُ المُعتَزِلةُ وآلُ بَيتِ رسولِ اللهِ يقولونَ بحُدوثِه) [2586] ((الزيدية بين محب غال ومبغض)) (ص: 119). .
2- التَّشكيكُ في طَريقةِ جَمعِ القُرآنِ والقَولُ بوُقوعِ التَّحريفِ فيه:
قال حُسَينٌ الحُوثيُّ مُتَهَكِّمًا بجَمعِ القُرآنِ في عَهدِ أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: (مَعنا كِتابُ اللهِ، ولا زال يواجَهُ بالتَّشكيكِ بأنَّه إنَّما جُمِعَ من خِرَقٍ وأضلاعٍ وقَراطيسَ وجَمعَها أبو بكرٍ، ولولا أبو بكرٍ كان يُمكِنُ أن ينتَهيَ القُرآنُ، وفُلانٌ كان عِندَه آيةٌ، وفُلانٌ نَسيَ آيةً، وسورةٌ كانت أطولَ مِن هذه! ولكِنَّ القُرآنَ استَطاعَ أن يدحَضَ كُلَّ هذه المَقولاتِ) [2587] ((دروس من هدي القرآن - سورة آل عمران)) (ص: 5). .
وقال أيضًا: (فَرقٌ كبيرٌ بَينَ مَن يُتلى عليه القُرآنُ من فمِ رسولِ اللهِ وهو ينزِلُ طَريًّا وبَينَ كِتابٍ تَعرَّض للهِزَّاتِ من قِبَلِ المُسلمينَ أنفُسِهم. نَزَل على سَبعةِ حُروفٍ، نَزَل على سَبعِ قِراءاتٍ. إلى حَدِّ الآنَ لم يعرِفوا هذه الحُروفَ، أُناسٌ قالوا: سَبعُ لُغاتٍ، وأُناسٌ قالوا كذا، لحَدِّ الآنَ لم تَتَمَيَّز المَسألةُ فِعلًا، وأنَّهم كانوا يتضاربون، أُناسٌ يقرؤون كذا، وأُناسٌ يقرؤون كذا، ثُمَّ أحرَقوه وبَقيَ نُسخةٌ واحِدةٌ جَمعها عُثمانُ وطَبع عليها ووزَّعَها في المَناطِقِ... اقرؤوا كِتاب "عُلوم القُرآنِ" للقَطَّانِ؛ لتَجِدوا كيف تعَرَّض القُرآنُ الكريمُ لهِزَّاتٍ، لولا أنَّه مَحفوظٌ من قِبَلِ اللهِ لكانت فيه سورٌ أُخرى، واحِدةٌ لمُعاويةَ، وواحِدةٌ لعائِشةَ، وواحِدةٌ لأبي بكرٍ، وواحِدةٌ لعُمرَ، وواحِدةٌ لعُثمانَ، لكِنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى حَفِظَه) [2588] ((دروس من هدي القرآن - سورة آل عمران)) (ص: 6). .
وذَكرَ بَعضُ الباحِثينَ اليمَنيِّينَ أنَّ لدى الحُوثيِّين قَناعاتٍ بأنَّ القُرآنَ الكريمَ ناقِصٌ، وقد تَعَرَّضَ للحَذفِ والإضافةِ من قِبَلِ أهلِ السُّنَّةِ، ويُمَثِّلونَ لذلك بقَولِ اللهِ تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ فقالوا حُذِفَت منها: (وعليٌّ صِهرُك) [2589] يُنظر: ((الآثار الاجتماعية للتمرد الحوثي)) للشرحبي (ص: 12). .
ويرى حُسَينٌ الحُوثيُّ أنَّ إقصاءَ القُرآنِ الكريمِ ابتَدَأ مِن اغتِصابِ الخِلافةِ من عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، عِندَما أُقصيَ القُرآنُ -بزَعمِه- فقال: (عِندَما نَرى الرَّسولَ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه يقولُ: "عليٌّ مَعَ القُرآنِ، والقُرآنُ مَعَ عليٍّ" فعِندَما يُقصى الإمامُ عَليٌّ عليه السَّلامُ على جَنبٍ، فبالتَّأكيدِ أنَّ القُرآنَ أُقصيَ معه أيضًا؛ لأنَّه قَرينُ القُرآنِ. لا يُمكِنُ أن نَتَصَوَّرَ أنَّ أحَدًا مِنَ النَّاسِ بإمكانِه أن يُقصيَ الإمامَ عَليًّا عليه السَّلامُ جانِبًا ويبقى القُرآنُ يعمَلُ، ويبقى القُرآنُ حَيًّا، ويبقى هو مُطَبِّقًا للقُرآنِ، ويبقى هو على مَنهَجيَّةِ القُرآنِ، لا يُمكِنُ ذلك، لو قُلنا بذلك لكُنَّا مُكذِّبينَ بهذه المُقارَنةِ المُؤَكَّدةِ الصَّريحةِ التي قالها الرَّسولُ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه في هذا الحَديثِ المُتَواتِرِ المَعروفِ الصَّحيحِ) [2590] ((ذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام)) (ص: 2). .
3- اتِّهامُ عُلماءِ التَّفسيرِ بالجَهلِ والتَّلبيسِ ومُداهَنةِ الحُكَّامِ:
قال حُسَينٌ الحُوثيُّ مُتَّهِمًا المُفسِّرينَ والعُلماءَ بأنَّهم لَبَّسوا في القُرآنِ: (ما أكثَرَ ما حَصَل مِنِ التِباسِ الألسِنةِ حَولَ القُرآنِ الكريمِ، التِباسٌ رَهيبٌ على أيدي المُفسِّرينَ، على أيدي أصحابِ فُنونٍ كثيرةٍ مِنَ الفُنونِ التي يُقالُ بأنَّها تَخدُمُ القرآنَ الكريمَ، التِباسٌ كثيرٌ حَصَل) [2591] ((دروس من هدي القرآن - سورة المائدة)) الدرس الثالث (ص: 4). .
وعلى سَبيلِ المِثالِ في تَفسيرِه لقَولِ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] رَدَّ أقوالَ المُفسِّرينَ واتَّهَمَهم بأنَّهم إنَّما ذَكرَوا تَفسيرَهم فيها مُداهَنةً للحُكَّامِ والوُلاةِ وغَيرِ ذلك، وجَعل تَولِّي الصَّحابةِ ضَربةً للأُمَّةِ مُنذُ مُبايعةِ أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه وإلى اليومِ، وجَعَل تَفسيرَ الصَّحابةِ والعُلماءِ لهذه الآيةِ من أجلِ التَّبريرِ لخِلافةِ أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه [2592] يُنظر: ((دروس من هدي القرآن - سورة المائدة)) الدرس الأول (ص: 13، 14)، والدرس الثاني (ص: 14). .
وقال حُسَينٌ الحُوثيُّ: (تَتَعَرَّفُ على القُرآنِ عن طَريقِ قُرَناءِ القُرآنِ وورَثةِ الكِتابِ، ليس عن طَريقِ تَفسيرِ الطَّبَريِّ وتَفسيرِ ابنِ كثيرٍ وغَيرِهما مِنَ المُفسِّرينَ) [2593] ((يوم القدس العالمي1)) (ص: 17). .
وقال أيضًا: (لن يكونَ إنقاذُ الأُمَّةِ مِنَ الضَّلالِ الذي تَعيشُه إلَّا على يَدِ عِترةِ رَسولِ اللهِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه الذين هم قُرَناءُ القُرآنِ) [2594] ((مسؤولية أهل البيت)) (ص: 5). .
وقال عنِ المُفسِّرينَ السَّابقينَ: (لهم زَلَّاتٌ وأخطاءٌ قديمةٌ كثيرةٌ جِدًّا جِدًّا جاءَت من بَعدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبدايتُها من يومِ السَّقيفةِ، لم يثِقوا باللهِ، لم يثِقوا برَسولِه، لم يعرِفوا كِتابَ اللهِ المَعرِفةَ المَطلوبةَ) [2595] يُنظر: ((يوم القدس العالمي1)) (ص: 16) باختصار. .
ثانيًا: أبرَزُ اعتِقاداتِ الحُوثيِّين في السُّنَّةِ:
إنَّ مَوقِفَ الحُوثيِّين مِنَ السُّنَّةِ كمَوقِفِ أصحابِ البدَعِ الأُخرى، لا يُحِبُّونَ السُّنَنَ بل يُنكِرونَها ويرُدُّونَها، وليس غَريبًا على هؤلاء، فهم يقدَحونَ فيمَن نَقلَ السُّنَّةَ، ابتِداءً بالصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم، ثُمَّ التَّابعينَ ومَن بَعدَهم، فكان حريًّا بهم أن يرفُضوها ولا يعتَرِفوا بها.
1- القدحُ في الكُتُبِ المُعتَمَدةِ عِندَ أهلِ السُّنَّةِ:
اعتَبَرَ بَدرُ الدِّينِ الحُوثيُّ الإجماعَ على العَمَلِ بكِتابَي البُخاريِّ ومُسلمٍ دَعوى لا حَقيقةَ لها، وذَكرَ أنَّ الزَّيديَّةَ أجمَعوا على عَدَمِ قَبولِها، فقال: (قد أفادَ إجماعُ الزَّيديَّةِ والإماميَّةِ وغَيرِهم على عَدَمِ قَبولِ رِواياتِ أصحابِ ابنِ حَزمٍ الذين همُ البُخاريُّ ومُسلمٌ ومَن وافقَهم، وهذا واضِحٌ؛ فإنَّها لو كانت كُتُبُهم عُمدةً عِندَ الشِّيعةِ لكان عِندَهم بمَنزِلةِ كُتُبٍ كثيرةٍ شَهيرةٍ مُتَداوَلةٍ بَينَهم، كما هي بَينَ أصحابِ البُخاريِّ ومُسلمٍ) [2596] ((تحرير الأفكار)) (ص: 56). .
2- القدحُ في بَعضِ رواةِ الحَديثِ مِنَ الصَّحابةِ ومَن بَعدَهم:
قال بَدرُ الدِّينِ الحُوثيُّ عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: (عِندَنا ضَعيفٌ، فلا يصِحُّ علينا الاحتِجاجُ به) [2597] ((تحرير الأفكار)) (ص: 128). .
ونَقلَ هذا الحُوثيُّ عن عَبدِ اللهِ بنِ الهادي الحَسَنِ القاسِميِّ قَولَه: (أمَّا حَديثُ أبي هُرَيرةَ هذا فهو من كيسِه، على أنَّه مُتَأخِّرُ الإسلامِ، وليس فيه شَيءٌ مَرفوعٌ، وكلامُه عِندَنا حُكمُه حُكمُ السَّرابِ؛ لأنَّه رَجُلٌ فارَق أميرَ المُؤمِنينَ ووالى القاسِطينَ -يعني مُعاويةَ وأتباعَه- وعَمِل لهم، ولا يجهَلُ ذلك إلَّا جاهِلٌ، ثُمَّ إنَّ الأئِمَّةَ قد طَعنوا في أمانَتِه) [2598] ((تحرير الأفكار)) (ص: 135). .
وقال حُسَينٌ الحُوثيُّ: (اختارَ لهم أهلَ بَيتِه ليكونوا قُرَناءَ مَعَ كِتابِ اللهِ، فيكونون هم من تَلتَفُّ حَولهمُ الأُمَّةُ، فرَفضوا هذا، وبَحَثوا عن قُدواتٍ من هنا وهناك، من بُخارى، ونَيسابورَ، وطَبَرستان، وجُرجانَ، وغَيرِها مِنَ المَناطِقِ الأُخرى، حتَّى لم يعودوا يبحَثونَ عن قُدواتٍ مِنَ العَرَب، البُخاريُّ ومُسلمٌ وأبو داودَ والتِّرمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجَهْ، من أين هم؟ من هناك، أعاجِمُ! وابنُ جَريرٍ، والرَّازيُّ، وفُلانٌ وفُلانٌ، من أينَ هم؟) [2599] ((دروس من هدي القرآن - سورة آل عمران)) الدرس الرابع (ص: 8). .
3- طَريقَتُهم في تَصحيحِ وتَضعيفِ الأحاديثِ:
قال بَدرُ الدِّينِ الحُوثيُّ: (الاتِّكالُ على ما اشتَهَرَ عِندَ النَّواصِبِ، وسَمَّوه سُنَّةً وتَوارَثوه بَينَهم، بَعضُه اغتِرارٌ وليس مِنِ اتِّباعِ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ) [2600] يُنظر: ((تحرير الأفكار)) (ص: 224). بتصرف يسير جدا. .
وعن طَريقَتِه في التَّصحيحِ والتَّضعيفِ، التي وصَفها بالاجتِهادِ المُطلَقِ قال: (ألا يُمكِنُ مَعرِفةُ الرِّجالِ بمعرِفةِ أحاديثِهم وعَرضِها على الكِتابِ والسُّنَّةِ المُجمَعِ عليها، والمَعلومِ مِنَ السُّنَّةِ بالتَّواتُرِ أو بالشُّهرةِ والقَرائِنِ التي تنضَمُّ إلى الشُّهرةِ حتَّى يحصُلَ العِلمُ اليقينُ؟ ألا يُمكِنَ مَعرِفةُ الرِّجالِ بمعرِفةِ أحاديثِهم وعَرضِها على حَديثِ الآخَرينَ حتَّى تَكثُرَ الشَّواهدُ في غَيرِ مَسائِلِ السِّياسةِ ومَسائِلِ التَّعَصُّبِ التي كثرَتُها السِّياسةُ أو التَّعَصُّبُ المَذهَبيُّ؟ فإذا كثُرَتِ الشَّواهدُ، واطمَأنَّ القَلبُ إلى أنَّ سَبَبَ كثرَتِها ليس إلَّا صِحَّةَ الحَديثِ عُمِل به فيما لا يُخالفُ المَعلومَ، بَعدَ البَحثِ في النُّسَخِ إن كان نُسَخٌ ونَحوُ ذلك) [2601] ((تحرير الأفكار)) (ص: 65). .
وفي كِتابٍ آخَرَ جَعل للتَّصحيحِ وثُبوتِه ثَلاثةَ طُرُقٍ، هي:
1- موافقَتُه لدَليلٍ صَحيحٍ عنِ القُرآنِ والسُّنَّةِ، فهذا لا يحتاجُ إلى سَنَدٍ صَحيحٍ.
2- كثرةُ طُرُقِه مَعَ مُخالفتِه لِما هو أقوى منه، فتَقومُ هذه الكثرةُ مَقامَ صِحَّةِ السَّنَدِ.
3- الرَّاوي الثِّقةُ بالعَدالةِ.
والمُعَوَّلُ عِندَه في النِّهايةِ على اطمِئنانِ النَّفسِ وسُكونِها إلى ثُبوتِ الحَديثِ وثِقَتِها به [2602] يُنظر: ((الغارة السريعة)) (ص: ۹۱)، ولابنه حسين الكلام نفسه في ملزمة ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى)) (ص: ٤). .
ثُمَّ هو يرى حُجِّيَّةَ قَولِ أهلِ البَيتِ ليس لكونِهم من أهلِ العِلمِ بل لنَسَبِهم فقَط، ولتَعَصُّبِه ضَعَّف مَن كان من أهلِ البَيتِ على أحَدِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ السُّنِّيَّة، فحَصَرَ قَبولَ الرِّوايةِ فيمَن كان على مِثلِ ما هو عليه وكيف شاءَ، ولا يُعِدُّ هذا تَعَصُّبًا، فقال: (إنَّ أهلَ البَيتِ وإن كان في الأصلِ يعُمُّ جَميعَ الذُّرِّيَّةِ داخِلينَ في هذا الاسمِ فإنَّهم مَعَ اختِلافِهم إلى فريقَينِ: فريقٌ تابعٌ لطَريقِ سَلفِه منهم، وسَلفُه تابعٌ لسَلفِه منهم، وهَكذا إلى أهلِ الكِساءِ.
وفريقٌ تابعٌ لغَيرِهم، فهو إمَّا حَنَفيٌّ أو مالكيٌّ أو كذا إلخ، فهذا المُنتَمي إلى غَيرِهم تابعٌ لغَيرِهم... أمَّا الفريقُ الأوَّلُ الذين يوجِبونَ التَّمَسُّكَ بأسلافِهم من أهلِ البَيتِ ويتَوارَثونَ هذا المَذهَبَ خَلفٌ عن سَلَفٍ منهم باقونَ على الأصلِ لم يعدِلوا عنه، فهم مَظِنَّةُ مَذهَبِ أهلِ البَيتِ؛ لأنَّ مَذهَبَهم وُجوبُ التَّمَسُّكِ بأهلِ البَيتِ) [2603] ((تحرير الأفكار)) (ص: 146-147). .
وأعمَل حُسَينٌ الحُوثيُّ مَنهَجَ والدِه في قَبولِ الحَديثِ ورَدِّه؛ فردَّ حَديثَ ((شَفاعَتي لأهلِ الكبائِرِ من أُمَّتي)) [2604] أخرجه من طرقٍ: أبو داود (4739)، والترمذي (2435)، وأحمد (13222) من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (6468)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (228)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4739)، وقال الترمذي: حسَنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوَجهِ. ، فقال: (يتَبَخَّرُ مِثلُ هذا الكلامِ، ولا يُمكِنُ أن يكونَ مِنَ الرَّسولِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه على النَّحوِ الذي يروونَه ويَذكُرونَه؛ لأنَّ رسولَ اللهِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه كان هو مَن يلتَزِمُ بالوحيِ... وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هذه نَفسُها تَرُدُّ على مَن يقولُ: إنَّ رسولَ اللهِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه- وحاشا من أن يقولَ-: ((شَفاعَتي لأهلِ الكبائِرِ من أُمَّتي))) [2605] ((معرفة الله -وعده ووعيده)) الدرس الثالث عشر (ص: 14). .
وقال مُؤَيِّدًا طَريقةَ والدِه في قَبولِ الحَديثِ: (فكيف تَستَطيعُ أن تَعرِفَ أنَّ هذا الشَّيءَ من عِندِ اللهِ، أو أنَّه ليس من عِندِ اللهِ؟ مَثَلًا في القُرآنِ الكريمِ -وهي قاعِدةٌ ثابتةٌ عِندَ أهلِ البَيتِ- أنَّه كِتابٌ يجِبُ أن يُعرَضَ عليه أيُّ شَيءٍ يُنسَبُ إلى اللهِ، سَواءٌ أكان حَديثًا قُدسيًّا أو يُنسَبُ إلى رسولِ اللهِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه. أمانٌ بتَدَبُّرِ القُرآنِ الكريمِ مَن يتَأمَّلُه؛ لأنَّ القُرآنَ حَقائِقُ، هو مَن يكتَشِفُ أنَّ ذلك الذي يُنسَبُ إلى الرَّسولِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه وإن قال المُحَدِّثُ الفُلانيُّ: إنَّ سَنَدَه صَحيحٌ، وإنَّه رَواه الثِّقةُ والثِّقةُ) [2606] ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى)) (ص: ٤).
ما يُبَرِّرونَ به عَدَمَ اهتِمامِهم بالأسانيدِ:
قال بَدرُ الدِّينِ مُبَرِّرًا عَدَمَ كثرةِ الرِّوايةِ عِندَهم وعَدَمَ اهتِمامِهم بالأسانيدِ والجَرحِ والتَّعديلِ: (مِن هنا [2607] يعني كونَ الشِّيعةِ مقهورين وليس لهم ظهورٌ. كانتِ السَّطوةُ للعُثمانَيَّةِ ومَذاهِبِها وأحاديثِها، وكان الشِّيعةُ ومَذاهبُهم وأحاديثُهم في حالةٍ ضِدَّ حالةِ العُثمانَيَّةِ، فكان من لدَيه حَديثٌ من حَديثِهم أو مِمَّا ينصُرُ مَذهَبَهم يحتاجُ إلى التَّحَفُّظِ عِندَ رِوايتِه حَذَرًا من ضَرَرٍ أو مَفسَدةٍ، أمَّا الضَّرَرُ فيخشاه مِنَ الحُكومةِ مَعَ كثرةِ مَن يخشى منه تَبليغَها وإغراءَها بالرَّاوي، أو يخشاه مِنَ العُثمانَيَّةِ لعَداوةِ المَذهَبِ، وأمَّا المَفسَدةُ فقد يكونُ عِندَه كثيرٌ مِنَ السُّنَّةِ يُريدُ تَبليغَها، وإذا رَوى ما ينفِرُ عنه العامَّةُ فاتَه تَبليغُهم ما يُريدُ تَبليغَهم، وهو الكثيرُ الطَّيِّبُ، فيترُكُ رِوايةَ ما يُنَفِّرُهم أو يخشى من جُروحِ العُثمانَيَّةِ له ورَميِه بالرَّفضِ ونَحوِه مِنَ الأسماءِ المُنَفِّرةِ ليُفسِدوا بذلك حَديثَه حتَّى لا يُقبَلَ عنه، فيتَحَفَّظُ رِوايةَ ما يخشى منه أن يُسَبِّبَ له ذلك. ولا يرويه إلَّا لمَن يثِقُ به؛ ابنِه وبَعضِ خاصَّتِه، ومَن وثِقَ بموافقَتِه في المَذهَبِ وعَدَمِ إشاعَته عنه في حَياتِه، وقد قدَّمتُ جُملةً في الدَّلالةِ على أنَّ حالتَهم كانت حالةَ خَوفٍ يحتاجونَ مَعَها إلى السُّكوتِ عن ذِكرِ الأحاديثِ التي يخافونَ منها الضَّرَر أو المَفسَدةَ) [2608] ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى)) (ص: ٤). .

وقال حُسَينٌ الحُوثيُّ: إنَّ السُّنَّةَ هي صِناعةُ أهلِ السُّنَّةِ، جَعَلوها لكي يفصِلوا النَّاسَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (ما الذي حَصَل؟ إنَّها جَعَلت بَديلًا عنه، ولم يُلحَظْ جانِبُه، لم يُلحَظْ مَسألةُ العَلاقةِ به، ولم يُلحَظْ جانِبُ التَّعَرُّفِ عليه هو صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه، لم يُلحَظْ جانِبُ أن تَتَرَسَّخَ له عَظَمةٌ في نُفوسِنا، وإجلالٌ، واحتِرامٌ وتَقديرٌ، الأمرُ الذي سَيصِلُ بنا إلى أن نُنَزِّهَه من مِثلِ هذا الحَديثِ، أو هذه العَقيدةِ، أن تَكونَ صَدَرَت منه... وقالوا: هذا الحَديثُ هو منه، وهذا الرَّجُلُ الذي دَوَّنَ هذه الأحاديثَ هو فُلانٌ، وهَكذا، وهو... وهو، وهو، أئِمَّةُ السُّنَّةِ، إمامٌ في السُّنَّةِ، أعلمُ الأُمَّةِ بالسُّنَّةِ، أنت تَعمَلُ بالحَديثِ وإن كان فيما ينزِلُه في نَفسِك مِن اعتِقادٍ مِمَّا لا يُمكِنُ إطلاقًا أن يُنسَبَ إلى رسولِ اللهِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه؛ لأنَّك فُصِلتَ عنِ النَّبيِّ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه عنه، فُصِلتَ عنه فقدَّمَ لك بَديلًا. هذا البَديلُ صَنَعَه الآخَرونَ، أمكنَ أن تَنطَليَ عليك الخُدعةُ، وتقولُ: انتَهى الأمرُ، نحن مُتَمَسِّكونَ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ، أي: مُتَمَسِّكونَ بكُتُبِ حَديثٍ مُعَيَّنةٍ، أو بأشخاصٍ مُعَيَّنينَ جَعَلناهم أعلامًا للسُّنَّةِ، فأصبَحوا هم بَدائِلَ عنِ النَّبيِّ صَلى الله عليه وعلى آله وسَلَّم) [2609] يُنظر: ((دروس من هدي القرآن - سورة آل عمران)) الدرس الثاني (ص: 3). بتصرف يسير. .

انظر أيضا: