موسوعة الفرق

الفرْعُ الثَّاني: اعتِقادُ الحُوثيِّين في جانِبِ الأسماءِ والصِّفاتِ


ينتَهجُ الحُوثيُّون في هذا البابِ مَنهَجَ التَّأويلِ مُتَأثِّرينَ في ذلك بأهلِ الكلامِ، ويزعُمونَ أنَّ إثباتَ الصِّفاتِ تَشبيهٌ.
قال بَدرُ الدِّينِ الحُوثيُّ في نَقدِ مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ: (فيظُنُّونَ لجَهلِهم أنَّ المَقصودَ إثباتُ الأعضاءِ للهِ سُبحانَه وتَشبيهُه بخَلقِه، فيعتَقِدونَ رَبَّهم شَبيهًا بالمَخلوقينَ، ويتَوهَّمونَ رَبَّهم ذا صورةٍ وأعضاءٍ وتَحديدٍ كصُوَرِ المَخلوقينَ وأعضائِهم وتَحديدِهم، ويعبُدونَ هذا المُتَصَوَّرَ الذي يتَصَوَّرونَه، المَوهومَ الذي يتَوهَّمونَه، ويُسَمُّونَه اللهَ، سُبحانَه وتعالى عَمَّا يقولونَ عُلوًّا كبيرًا! فهم يعبُدونَ غَيرَ اللهِ ويزعُمونَ أنَّه اللهُ، وبذلك أشرَكوا من حَيثُ لا يعلَمونَ) [2577] ((الغارة السريعة)) (ص: 547، 548). .
وقال في أثناءِ ذَمِّه لكُتُبِ الصِّحاحِ والسُّنَنِ: (جُملةُ أخبارِ الصِّحاحِ مُشتَمِلةٌ على أُمورٍ عَظيمةٍ، كتَجَسُّمِ اللهِ سُبحانَه، وإثباتِ المَكانِ والانتِقالِ والتَّغييرِ له، وكعُروضِ العَوارِضِ عليه مِنَ الضَّحِكِ ونَحوِه، إلى غَيرِ ذلك مِمَّا يوجِبُ الإمكانَ، حتَّى رَووا أنَّ اللهَ سُبحانَه يُدخِلُ رِجْلَه في نارِ جَهَنَّمَ فينزَوي بَعضُها لبَعضٍ، وتقولُ: قَطْ قَطْ) [2578] ((الغارة السريعة)) (ص: 20). .
والحُوثيُّون يُقَسِّمونَ الصِّفاتِ الإلهيَّةَ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ: صِفاتُ فِعلٍ، وصِفاتُ ذاتٍ، وصِفاتُ ذاتيَّاتٍ.
فصِفاتُ الفِعلِ هي: التي يتَّصِفُ بها إذا فعَل، كصِفةِ الخالقِ والرَّازِقِ والمُعطي والمُحيي والمُميتِ ونَحوِها، وهذه يتَّصِفُ بها الفاعِلُ إذا فعَل، وتَنتَفي عنه إذا لم يفعَلْ.
وصِفاتُ الذَّاتِ هي القائِمةُ بالذَّاتِ، كالقُدرةِ والعِلمِ والحَياةِ والسَّمعِ والبَصَرِ ونَحوِها.
فإن كانت مُلازِمةً لا يُمكِنُ تَخَلُّفُها عن مَوصوفِها فهي الصِّفةُ الذَّاتيَّةُ. فصِفاتُه هي ذاتُه لا غَيرُه تعالى، ولا مَزايا زائِدةٌ على ذاتِه ولا مَعانٍ قائِمةٌ بذاتِه، ومَعنى ذاتيَّةٍ أنَّها مِن شأنِ ذاتِه ومِن حَقيقَتِها، وأنَّه استَحَقَّها من أجلِ ذاتِه، أي: من حَقيقةِ ذاتِه، كصِفةِ التَّحَيُّزِ للجِسمِ؛ فإنَّه لا يُمكِنُ تَخَلُّفُ الجِسمِ عنها ولا تَخَلُّفُها عنه.
فالصِّفاتُ المَذكورةُ في حَقِّنا -غَيرَ التَّحَيُّزِ- صِفاتُ ذاتٍ فقَط، وفي حقِّ الباري تعالى صِفاتُ ذاتٍ ذاتيَّةٌ، وإن لم تَكُنْ حالَّةً فيه لكِنَّها مَنسوبةٌ إلى الذَّاتِ ثابتةٌ لها لا تَتَخَلَّفُ عنها؛ لأنَّها ليست بفِعلِ فاعِلٍ، وهذا هو الفرقُ بَينَ صِفةِ الذَّاتِ والذَّاتيَّةِ [2579] ((القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد)) لحسين يحيى الحوثي (ص: 56-57)، ((القول السديد في عقائد أهل العدل والتوحيد)) لعلي الشرفي (ص: 39). .
وذَكرَ مُحَمَّد بَدرُ الدِّينِ نَقلًا من تَفسيرِ أبيه: (ولا يُكلِّمُهمُ اللهُ: مَجازٌ عن الغَضَبِ. مَبسوطَتانِ: مَجازٌ عنِ الجودِ. استَوى على العَرشِ: تَولى أُمورَ الخَلقِ، ونَفَّذَ ما يشاءُ مِنَ التَّصَرُّفِ فيها) [2580] ((البيان لمفردات ألفاظ القرآن)) (ص: 56، 69، 91). .
وقال حُسَينٌ الحُوثيُّ: (ما قيمةُ أن يقولَ اللهُ لنا سُبحانَه وتعالى بأنَّ هناك عَرشًا هو يستَوي عليه؟ ما قيمَتُه بالنِّسبةِ لنا في مَقامِ الدَّلالةِ على قُدرَتِه، على تَدبيرِه، على حِكمَتِه، على عَظَمَتِه وجَلالِه؟ هَل يُمكِنُ لأيِّ شَخصٍ مِنَّا أن يتَحَدَّثَ بأنَّ له سَريرَ نَومٍ ينامُ عليه في بَيتِه؟ ما قيمةُ هذا؟ أن أقولَ: فُلانٌ عَظيمٌ وهو من أولياءِ اللهِ، وهو كذا وكذا، ومَعَه أيضًا سَريرٌ في غُرفتِه ينامُ عليه، هَل لهذا الكلامِ قيمةٌ؟ أو له كُرسيٌّ في صالتِه يستَوي عليه! القُرآنُ الكريمُ كُلُّ مُفرَدةٍ داخِلُه لها أهَمِّيَّتُها، كِتابٌ أُحكِمَت آياتُه يتَحَدَّثُ عن خَلقِ السَّمواتِ والأرضِ ويقولُ: وله أيضًا عَرشٌ يجلسُ عليه! ما قيمةُ هذا في مَجالِ حِكمَتِه، في مَجالِ قدرتِه؟ بل قد تَستَوي منها على هذا النَّحوِ بأنَّه: ثُمَّ تَعِبَ ورَجَعَ يستَريحُ قَليلًا على كُرسيِّه) [2581] ((معرفة الله -عظمة الله)) الدرس السادس (ص: 7). . جُرأةٌ ووقاحةٌ وعَدَمُ تَأدُّبٍ مَعَ اللهِ تعالى!
وقال أيضًا في نَفيِ رُؤيةِ اللهِ تعالى في الآخِرةِ: (لا تُدرِكُه الأبصَارُ وهو يُدرِكُ الأبصَارَ وهو اللَّطيفُ الخَبيرُ، أيضًا جاءَت آيةُ تَنزيهِه عنِ الرُّؤيةِ عن أن تُدرِكَه الأبصارُ، جاءَت أيضًا في مَقامِ تَنزيهِ ذاتِه عن أن يُنسَبَ إليه ما لا يليقُ به، تَنزيهٌ لذاتِه، لا يُمكِنُ أن تُدرِكَه الأبصارُ، كيفما كانت هذه الأبصارُ، سَواءٌ أقالوا: حاسَّةٌ سادِسةٌ أو سابعةٌ أو ثامِنةٌ أو حاسَّةٌ تاسِعةٌ، كيفما قالوا فهي لا تَخرُجُ عن كونِها أبصارًا، وعَمَليَّةُ الرُّؤيةِ لا تَخرُجُ عن كونِها إبصارًا، فهو سُبحانُه وتعالى نَزَّه ذاتَه عن أن تُدرِكَه الأبصارُ.
قالوا: هذا في الدُّنيا أمَّا في الآخِرةِ فسَنَراه، ويدعونَ اللهَ أن يُريَهم وَجهَه الكريمَ، ومِن أدعيتِهم: اللَّهمَّ مَتِّعْنا بالنَّظَرِ إلى وَجهِك الكريمِ، اللَّهمَّ أرِنا وجهَك، وهَكذا الباطِلُ، النَّفيُ الذي نَزَّهَ اللهُ ذاتَه عنه يُصبحُ عِندَ بَعضِ المُسلمينَ عِبادةً يتَعَبَّدونَ اللهَ بنِسبَتِها إليه، ويطلُبونَ مِنَ اللهِ أن يُمَكِّنَهم مِنَ الحُصولِ عليها) [2582] ((معرفة الله -عظمة الله)) الدرس الثامن (ص: 10). !
وقال في نَفيِ الصِّفاتِ: (لهذا نحن نَقولُ في عَقائِدِنا: لا يجوزُ أن نَقولَ: إنَّ للهِ وَجهًا كما يقولُ الآخَرونَ، وأنَّ له أعيُنًا، كما يقولُ الآخَرونَ، هذه الآياتُ خَلقَها لنا نحن النَّاقصين، نحن القاصِرينَ... التَّنزيهُ لا يعني أن تقولَ: إنَّك لا تَعرفُ الكيفيَّةَ التي عليها هذا الوجهُ الذي أثبتَه اللهُ... إذًا فهذه عَلاماتُ الحُدوثِ، إذًا هناك مَن مَنَحَه هذه الأشياءَ، إذًا فهو ناقِصٌ، ومَن مَنَحَه هذه الأشياءَ هو أكمَلُ منه، إذًا فليس رَبًّا ولا إلهًا. أليستِ المَسألةُ تَنتَهي إلى هذا؟ المَسألةُ تَنتَهي في الأخيرِ إلى كُفرٍ باللهِ) [2583] ((معرفة الله -عظمة الله)) الدرس الثامن (ص: 6-7). .

انظر أيضا: