موسوعة الفرق

المطلَبُ الخامِسُ: خياناتُ البُوَيهِيِّينَ


البُوَيهِيُّون ينتَسِبونَ إلى رَجُلٍ مِنَ الدَّيلمِ [2397] الدَّيلَمُ: إقليمٌ جَبَليٌّ يقعُ في الجنوبِ الغَربيِّ مِن بحرِ قَزوينَ، ويحُدُّه في شمالِه جيلانُ، وفي شَرقِه طَبَرستانُ، وفي غربِه أَذرَبيجانَ، وفي جنوبِه جهاتُ قَزوينَ. يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (8/97). يُقال له: بُوَيهِ، كان له ثَلاثةُ أولادٍ: أبو الحَسَنِ عَليٌّ، ولُقِّبَ بعِمادِ الدَّولةِ، وأبو عَليٍّ الحَسَنُ، ولُقِّب برُكنِ الدَّولةِ، وأبو الحُسَينِ أحمَدُ، ولُقِّب بمُعِزِّ الدَّولةِ، وكان الثَّلاثةُ قُوَّادًا في جَيشِ ابنِ كالي صاحِبِ إقليمِ الدَّيلمِ الذي انفصَل عنِ الخِلافةِ العَبَّاسيَّةِ، واستَولى على عِدَّةِ أقاليمَ كأصبَهانَ، وأرجانَ وشِيرازَ وغَيرِها، ثُمَّ عَظُمَ شَأنُ بني بُوَيهِ حتَّى قِدَم مُعِزُّ الدَّولةِ بنُ بُوَيهِ إلى بَغدادَ واستَولى عليها سَنةَ 334هـ، وخَلعَ الخَليفةَ المُستَكفيَ باللهِ، وأقامَ الفضلَ بنَ المُقتَدِرِ العَبَّاسيَّ خَليفةً تَحتَ أمرِه، ولم يجعَلْ له أمرًا ولا نَهيًا ولا رَأيًا، ولا مَكَّنَه من إقامةِ وزيرٍ، بل صارَتِ الوَزارةُ لمُعِزِّ الدَّولةِ بنِ بُوَيهِ، وجَميعُ أمرِ الدَّولةِ إليه، وشَنَّعَ على بَني العَبَّاسِ أنَّهم غَصَبوا الخِلافةَ وأخَذوها من مُستَحِقِّيها العَلويِّينَ، وأرادَ مُعِزُّ الدَّولةِ إبطالَ دَعوةِ بَني العَبَّاسِ وإقامةَ دَعوةِ المُعِزِّ لدينِ اللهِ الفاطِميِّ، وبَعثَ نوَّابَه فتسَلَّموا العِراقَ، ولم يبقَ بيدِ الخَليفةِ العَبَّاسيِّ شَيءٌ إلَّا ما أقطَعه مِمَّا لا يقومُ ببَعضِ حاجَتِه [2398] يُنظر: ((السلوك لمعرفة دول الملوك)) (1/25- 27). .
وفي سَنةِ 352هـ أمر البُوَيهِيُّون بإغلاقِ الأسواقِ في اليومِ العاشِرِ مِنَ المُحَرَّمِ، ونَصَبوا القِبابَ في الأسواقِ، وعُلِّقَت عليها المُسوحُ، وخَرَجَتِ النِّساءُ مُنشِراتٍ الشُّعورَ يَلطُمنَ في الأسواقِ، وأُقيمَتِ النَّائِحةُ على الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنهما، وتَكرَّرَ ذلك طيلةَ حُكمِ الدَّيالِمةِ ببَغدادَ التي استَمَرَّت نَحوَ مِائةٍ وثَلاثِ سِنينَ، ثُمَّ أصبَحَت هذه الفَعلةُ تَقليدًا دينيًّا عِندَ الجَعفريَّةِ الإماميَّةِ الاثنَي عَشريَّةِ، ولم يُمكِنْ لأهلِ السُّنَّةِ مَنعُ ذلك لكثرةِ الشِّيعةِ وظُهورِهم، وكونِ السُّلطانِ مَعَهم، وابتَدَعَ مُعِزُّ الدَّولةِ بنُ بُوَيهِ أيضًا الاحتِفالَ بعيدٍ يُقالُ له: عيدُ الغَديرِ في اليومِ الثَّامِنَ عَشَرَ من ذي الحِجَّةِ، فأمَرَ بإظهارِ الزِّينةِ في بَغدادَ، وأن تُفتَحَ الأسواقُ باللَّيلِ كما في الأعيادِ، وأن تُضرَبَ البوقاتُ وأن تُشعَلَ النِّيرانُ في أبوابِ الأُمَراءِ وعِندَ الشُّرَطِ [2399] يُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (15/261). .
وحينَ تَسَلَّطَ الشِّيعةُ البُوَيهِيُّون على العِراقِ وأضعَفوا الخِلافةَ العَبَّاسيَّةَ كان الرُّومُ ينتَهِكونَ حَرَمَ الدِّيارِ الإسلاميَّةِ، قال ابنُ كثيرٍ وهو يتَحَدَّثُ عن مَلِكِ الرُّومِ في ذلك العَصرِ واسمُه نُقفورُ: (كان هذا المَلعونُ من أغلظِ المُلوكِ قَلبًا، وأشَدِّهم كُفرًا، وأقواهم بَأسًا، وأحَدِّهم شَوكةً، وأكثَرِهم قتلًا وقتالًا للمُسلمينَ في زَمانِه، استَحوذَ في أيَّامِه -لعنَه اللهُ- على كثيرٍ مِنَ السَّواحِلِ، وأكثَرُها انتَزَعَها من أيدي المُسلمينَ قَسرًا، واستَمَرَّت في يدِه قَهرًا، وأُضيفت إلى مَملكةِ الرُّومِ قدرًا، وذلك لتَقصيرِ أهلِ ذلك الزَّمانِ، وظُهورِ البِدعةِ الشَّنيعةِ فيهم، وكثرةِ العِصيانِ مِنَ الخاصِّ والعامِّ منهم، وفُشُوِّ البدَعِ فيهم، وكثرةِ الرَّفضِ والتَّشَيُّعِ منهم، وقَهرِ أهلِ السُّنَّةِ بَينَهم؛ فلهذا أُديلَ عليهم أعداءُ الإسلامِ، فانتَزَعوا ما بأيديهم مِنَ البلادِ مَعَ الخَوفِ الشَّديدِ، ونَكَدِ العَيشِ، والفِرارِ من بلادٍ إلى بلادٍ، فلا يبيتونَ ليلةً إلَّا في خَوفٍ من قَوارِعِ الأعداءِ، وطَوارِقِ الشُّرورِ المُتَرادِفةِ، فاللهُ المُستَعانُ) [2400] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (15/288) باختصار وتصرف يسير. .
وفي سَنةِ 353هـ عَمِلتِ الرَّافِضةُ عَزاءَ الحُسَينِ، فاقتَتَل الرَّوافِضُ وأهلُ السُّنَّةِ قتالًا شَديدًا، وانتُهِبَتِ الأموالُ، وفي نَفسِ العامِ جاءَ مَلِكُ الرُّومِ الدُّمُسْتقُ إلى طَرَسوسَ وأَذَنةَ والمَصِّيصةِ، وقَتل من أهلها نَحو خَمسةِ عَشَرِ ألفًا، وعاثَ فيها فسادًا [2401] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (15/21). .
وفي سَنةِ 354هـ في عاشِرِ المُحَرَّمِ منها عَمِلتِ الشِّيعةُ مَأتَمَهم وبدعَتَهم، وغُلِّقَتِ الأسواقُ، وخَرَجَتِ النِّساءُ نائِحاتٍ سافِراتٍ، واقتَتَلوا مَعَ أهلِ السُّنَّةِ قتالًا شَديدًا، وفي شَهرِ رَجَبٍ منها جاءَ مَلِكُ الرُّومِ بجَيشٍ كثيفٍ إلى المَصِّيصةِ فأخَذَها قَسرًا، وقَتَل من أهلِها خَلقًا، واستاقَ بَقيَّتَهم مَعَه أُسارى، وكانوا قَريبًا من مِائَتَي ألفِ إنسانٍ، ثُمَّ جاءَ إلى طَرَسوسٍ، فسَأل أهلُها منه الأمانَ، فأمَّنهم بالجَلاءِ عنها، والانتِقالِ منها، واتَّخَذَ مَسجِدَها الأعظَمَ إصطَبْلًا لخُيولِه، وحَرَق المِنبَرَ، ونَقل قَناديلَه إلى كنائِسِ بلَدِه، وتَنصَّر بَعضُ أهلِها مَعَه [2402] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (15/269). .
وفي عاشِرِ المُحَرَّمِ سَنةَ 361هـ عَمِلتِ الرَّوافِضُ بِدعتَهم، وفي نَفسِ الشَّهرِ أغارَتِ الرُّومُ على الجَزيرةِ وديارِ بَكرٍ، فقَتَلوا خَلْقًا من أهلِ الرُّها، وصاروا في البلادِ كذلك يقتُلونَ ويأسِرونَ ويغنَمونَ إلى أن وصَلوا نَصيبينَ، ففعَلوا ذلك، ولم يُغنِ عن تلك النَّواحي مُتَولِّيها شَيئًا، ولا دافَعَ عنهم، ولا له قوَّةٌ، فعِندَ ذلك ذَهَبَ أهلُ الجَزيرةِ إلى بَغدادَ، وأرادوا أن يَدخُلوا على الخَليفةِ المُطيعِ للهِ وغَيرِه يستَنصِرونَه ويستَصرِخونَه، فرَثى لهم أهلُ بَغدادَ، وجاؤوا مَعَهم إلى الخَليفةِ، فلم يُمكِنْهم ذلك، وكان بختيارُ بنُ مُعِزِّ الدَّولةِ البُوَيهِيُّ مشغولًا بالصَّيدِ [2403] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (15/333). .

انظر أيضا: