موسوعة الفرق

المَبحَثُ التَّاسِعُ: الكاشِفُ في تَفسيرِ القُرآنِ


(الكاشِفُ في تَفسيرِ القُرآنِ) لمُحَمَّد جَواد مغنية، وهو شيعيٌّ مُعاصِرٌ مِن أهلِ لُبنانَ، تَعَلَّمَ بالنَّجَفِ في العِراقِ، وماتَ في بَيروتَ سَنةَ 1400 هجريَّة، ودُفِن في النَّجَفِ [2298] يُنظر: ((تتمة الأعلام)) لمحمد خير رمضان (2/143). .
وله (التَّفسيرُ المُبينُ)، وهو عِبارةٌ عن تَلخيصٍ للكاشِفِ في مُجَلَّدٍ واحِدٍ، ووَجدَ حَفاوةً مِن طُلَّابِ العِلمِ وأهلِه، وطُبِعَ على هامِشِ المُصحَفِ الشَّريفِ [2299] يُنظر: ((التفسير والمفسرون)) (2/1032). .
ومُحَمَّد جَواد مغنية شيعيٌّ إماميٌّ، يقولُ بعِصمةِ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ، ويتَبَنَّى المَذهَبَ الشِّيعيَّ الإماميَّ، ولكِنَّه ليس غاليًا في مَذهَبِه، كالقُمِّيِّ والعَيَّاشيِّ وغَيرِهما.
قال مُحَمَّد هادي معرفة: (كان الشَّيخُ مغنية مِنَ الدُّعاةِ إلى التَّقريبِ بَينَ المَذاهِبِ، وكتَبَ رِسالاتٍ ومَقالاتٍ في مَجَلَّةِ رِسالة الإسلامِ بهذا الشَّأنِ وأحسَنَ وأفادَ) [2300] ((التفسير والمفسرون)) (2/1031). .
قال في بَيانِه لمَنهَجِه في التَّفسيرِ: (اعتَمَدتُ -قَبلَ كُلِّ شَيءٍ- في تَفسيرِ الآيةِ وبَيانِ المُراد مِنها على حَديثٍ ثَبتَ في سُنَّةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّها تُرجُمانُ القُرآنِ، والسَّبيلُ إلى مَعرِفةِ مَعانيه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر: 7] . فإذا لم يكُن حَديثٌ مِنَ السُّنَّةِ اعتَمَدتُ ظاهرَ الآيةِ وسياقَها؛ لأنَّ المُتَكلِّمَ الحَكيمَ يعتَمِدُ في بَيانِ مُرادِه على ما يَفهَمُه المُخاطَبُ مِن دَلالةِ الظَّاهرِ، كما أنَّ المُخاطَبَ بدَورِه يأخُذُ بهذا الظَّاهرِ حتَّى يَثبُتَ العَكسُ. وإذا أورَدتُ آيةً ثانيةً في مَعنى الأولى، وكانت أبيَنَ وأوضَحَ، ذَكرتُهما معًا، لغايةِ التَّوضيحِ؛ لأنَّ مَصدَرَ القُرآنِ واحِدٌ، ينطِقُ بَعضُه ببَعضٍ، ويشهَدُ بَعضُه على بَعضٍ. وإذا تَعارَضَ ظاهرُ اللَّفظِ مَعَ حُكمِ العَقلِ وبَداهَتِه، أوَّلتُ اللَّفظَ بما يَتَّفقُ مَعَ العَقلِ باعتِبارِه الدَّليلَ والحُجَّةَ على وُجوبِ العَمَلِ بالنَّقلِ.
وإذا تَعارَضَ ظاهرُ اللَّفظِ مَعَ إجماعِ المُسلمينَ في كُلِّ عَصرٍ ومِصرٍ على مَسألةٍ فِقهيَّةٍ حَمَلتُ الظَّاهرَ على الإجماعِ، كقَولِه تعالى: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282] حَيثُ دَلَّت (فاكتُبوه) على الوُجوبِ، والإجماعُ قائِمٌ على استِحبابِ كِتابةِ الدَّينِ، فأحمِلُ الظَّاهرَ على الاستِحبابِ دونَ الوُجوبِ. أمَّا أقوالُ المُفسِّرينَ فلم أتَّخِذْ مِنها حُجَّةً قاطِعةً، ودليلًا مستقِلًّا، بَل مؤَيِّدًا ومرَجِّحًا لأحَدِ الوُجوه إذا احتَمَل اللَّفظُ لأكثَرَ مِن مَعنًى، فلقد بَذَل المُفسِّرونَ جهودًا كُبرى للكشفِ عن مَعاني القُرآنِ وأسرارِه، وإبرازِ خَصائِصِه وشَوارِده، وأَوْلَوا كِتابَ اللهِ مِنَ العِنايةِ ما لم يظفَرْ بمِثلِها كِتابٌ في أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ قديمِها أو حَديثِها. وإنَّ في المُفسِّرينَ أئِمَّةً كبارًا في شَتَّى عُلومِ القُرآنِ التي كانتِ الشُّغلَ الشَّاغِلَ للمُسلمينَ في تاريخِهمُ الطَّويلِ، فإذا لم تَكُنْ أقوالُ هؤلاء الأقطابِ حُجَّةً كقَولِ المَعصومِ فإنَّها تُلقي ضوءًا على المَعنى المُرادِ، وتُمَهِّدُ السَّبيلَ إلى تَفهُّمِه) [2301] ((الكاشف في تفسير القرآن)) (1/16). .
أمثلةٌ من الكاشِفِ:
1- في تفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 111] ، أشارَ إلى أنَّ اليهودَ والنَّصارى يُكفِّرُ بَعضُهم بعضًا، ثُمَّ وضَعَ عنوانًا نَصُّه: (أيضًا المُسلمونَ يُكفِّرُ بَعضُهم بعضًا)، وتَحتَ هذا العُنوانِ قال: (وإذا كان اليهودُ بحُكمِ الطَّائِفةِ الواحِدةِ؛ لأنَّ التَّوراةَ تَعتَرِفُ بعيسى، والإنجيلُ يعتَرِفُ بموسى، فبالأَولى أن تَكونَ السُّنَّةُ والشِّيعةُ طائِفةً واحِدةً، حَقيقةً وواقِعةً؛ لأنَّ كِتابَهم واحِدٌ، وهو القُرآنُ لا قرآنانِ، ونَبيَّهم واحِدٌ، وهو مُحَمَّدٌ لا مُحَمَّدانِ، فكيف إذَن يُكفِّرُ بَعضٌ مِنَ الفريقَينِ إخوانَهم في الدِّينِ؟ ولو نَظَرْنا إلى هذه الآيةِ: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ [البقرة: 113] ، ولو نَظَرنا إليها بالمَعنى الذي بَيَّنَّاه، واتَّفقَ عليه جَميعُ المُفسِّرينَ، ثُمَّ قِسْنا مَن يرمي بالكُفرِ أخاه المُسلمَ، لو نَظَرنا إلى الآيةِ وقِسْنا هذا بمِقياسِها، لكان أسوأَ حالًا ألفَ مَرَّةٍ مِنَ اليهودِ والنَّصارى، لقد كفَّرَ اليهودُ النَّصارى وكفَّرَ النَّصارى اليهودَ، وَهُمْ يتْلُونَ الْكِتَابَ أي: التَّوراةَ والإنجيلَ، فكيف بالمُسلمِ يُكفِّرُ أخاه المُسلمَ، وهو يتلو القُرآنَ؟! فليتَّقِ اللهَ الذينَ يلوونَ ألسِنَتَهم بالكِتابِ، وقُلوبُهم عُميٌ عن مَعانيه ومَراميه) [2302] ((الكاشف في تفسير القرآن)) (1/180). .
2- في تفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً [النساء: 95] ، وضع مغنية هذا العُنوانَ: عَليٌّ وأبو بكرٍ، وقَرَّرَ أفضَليَّةَ عليٍّ بجِهادِه وعِلمِه، وفي آخِرِ جَدَلِه قال: (مَنزِلةُ عليٍّ مِنَ العِلمِ لا تُدانيها مَنزِلةُ واحِدٍ مِنَ الصَّحابةِ على الإطلاقِ، وكفى شاهدًا على ذلك ما تَواتَرَ عنِ الرَّسول الأعظَمِ: "أنا مَدينةُ العِلم وعليٌّ بابُها". وقد حَفِظَ التُّراثُ الإسلاميُّ مِن عِلمِ عَليٍّ ما لم يحفَظْه لأبي بكرٍ ولا لغَيرِه مِنَ الصَّحابةِ) [2303] ((الكاشف في تفسير القرآن)) (2/ 414-416). .
3- في تفسيرِ قولِ اللهِ سُبحانَه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] ، يذكُرُ كغَيرِه مِنَ الشِّيعةِ أنَّها نَزَلت في عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، مَعَ أنَّ الآيةَ عامَّةٌ كما هو ظاهرٌ مِنها لا يخفى [2304] ((الكاشف في تفسير القرآن)) (3/ 82). .
4- في تفسيرِ قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 67] ذَكَر مغنية أنَّ الشِّيعةَ استَدَلُّوا بأحاديثَ رَواها أهلُ السُّنَّةِ على أنَّها نَزَلت في غَديرِ خُمٍّ في عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، وأنَّ المُرادَ تَبليغُ النَّاسِ بأنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ وليُّ المُؤمِنينَ. وهي رِواياتٌ مَوضوعةٌ لا تَصحُّ عِندَ المُحَقِّقينَ مِن أهلِ العِلمِ [2305] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تَيميَّةَ (7/ 33 - 51)، ((تفسير الألوسي)) (3/ 359 - 364)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/ 384 - 386). .
5- في تَفسيرِ سورةِ الأنفالِ تحَدَّث عنِ المُهاجِرينَ والأنصارِ فقال: (ما قَرَأتُ شيئًا أبلغَ مِن وصفِ الإمامِ زَينِ العابدينَ عليه السَّلامُ للمُهاجِرينَ والأنصارِ وهو يُناجي رَبَّه، ويطلُبُ لهمُ الرَّحمةَ والرِّضوانَ بقَولِه: اللَّهمَّ أصحابُ مُحَمَّدٍ خاصَّةً الذينَ أحسَنوا، وأبلَوا البَلاءَ الحَسَنَ في نَصرِه، وكاتَفوا وأسرَعوا إلى وِفادَتِه، وسابَقوا إلى دَعوتِه، واستَجابوا له؛ حَيثُ أسمَعهم حُجَّةَ رِسالاتِه، وفارَقوا الأزواجَ والأولادَ في إظهارِ كَلِمتِه، وقاتَلوا الآباءَ والأبناءَ في تَثبيتِ نُبوَّتِه، وانتَصَروا به، ومَن كانوا مُنطَوينَ على مَحَبَّتِه، يرجونَ تِجارةً لن تَبورَ في مَودَّتِه؛ فلا تَنسَ لهمُ اللَّهمَّ ما تَرَكوا لك وفيك، وكانوا مَعَ رَسولِك لك إليك. ثُمَّ قال: (مَلحوظةٌ: هذه المُناجاةُ جاءَت في الصَّحيفةِ السجاديَّةِ التي تُعَظِّمُها الشِّيعةُ، وتُقَدِّسُ كُلَّ حَرفٍ مِنها، وهى رَدٌّ مُفحِمٌ لِمَن قال: إنَّ الشِّيعةَ ينالونَ مِن مَقامِ الصَّحابةِ) [2306] ((الكاشف في تفسير القرآن)) (3/ 515). .
ولا شَكَّ أنَّ هذه مُغالطةٌ واضِحةٌ مِن مغنية، يُحاوِلُ بها تَبرِئةَ الشِّيعةِ مِن سَبِّ الصَّحابةِ، وهو أمرٌ ظاهرٌ لكُلِّ مَن اطَّلعَ على كُتُبهمُ المُعتَمَدةِ، لكِنَّ مغنيةً يُريدُ أن يُحسِّنَ صورةَ الشِّيعةِ باعتِدالِه النِّسبيِّ.
6- في تَفسيرِ سورةِ الرَّعدِ قال مغنية تَحتَ عُنوان: الشِّيعةُ الإماميَّةُ والصَّحابةُ: (دَأَب بَعضُ المَأجورينَ والجاهلينَ على إثارةِ الفِتَنِ والنَّعراتِ بَينَ المُسلمينَ لتَشتيتِ وَحدتِهم وتَفريقِ كلمَتِهم، دَأَبوا على ذلك عن طَريقِ الدَّسِّ والافتِراءِ على الشِّيعةِ الإماميَّةِ، وذلك بأن نَسَبوا إليهمُ النَّيلَ مِن مَقامِ الصَّحابةِ، وتَأليهِ عليٍّ، والقَولِ بتَحريفِ القُرآنِ الذي يهتَزُّ له العَرشُ، وما إلى ذلك مِنَ الكذِب والبُهتانِ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [الرعد: 36] ، قال الطَّبَرسيُّ: (يُريدُ اللهُ سُبحانَه أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذينَ آمَنوا به، وصَدَّقوه وأعطَوا القُرآنَ، وفرِحوا بإنزالِه... ولو كانوا ينالونَ مِن مَقامِ الصَّحابةِ لاتَّجَهَ شَيخُهمُ الطَّبَرسيُّ في تَفسيرِ هذه الآيةِ إلى غَيرِ هذا الوَجهِ) [2307] ((الكاشف في تفسير القرآن)) (4/ 412). .
7- في تفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33] ، ذَكرَ مغنية ما ذَهَبَ إليه الشِّيعةُ مِن عِصمةِ أئِمَّتِهم، وبَيَّنَ أدِلَّتَهم، مُحاوِلًا إثباتَ صِحَّةِ ما ذَهَبوا إليه [2308] يُنظر: ((الكاشف في تفسير القرآن)) (6/ 216 - 218). .

انظر أيضا: