موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّادِسُ: (البُرهانُ في تَفسيرِ القُرآنِ)


كِتابُ (البُرهان في تَفسيرِ القُرآنِ) لهاشِمِ بنِ سُليمانَ الحُسَينيِّ البَحرانيِّ مِن عُلماءِ الأخباريِّينَ الإماميَّةِ، والمُتَوفَّى سَنةَ 1107 هجريَّة، وهو تَفسيرٌ بالمَأثورِ يعتَمِدُ فيه مُؤَلِّفُه على المَنهَجِ الرِّوائيِّ.
وقد كتَبَ أبو الحَسَنِ العامِليُّ مُقدِّمةً مُفصَّلةً لهذا التَّفسيرِ تَحتَ عُنوانِ (مِرآة الأنوار ومِشكاة الأسرار).
وقال مُحَمَّد مَهدي الآصفيُّ في مُقدِّمَتِه التي كتَبَها لهذا التَّفسيرِ في الطَّبعةِ التي حَقَّقَتها مُؤَسَّسةُ البَعثةِ في طِهرانَ: (رَغمَ جَلالةِ هذا الجُهدِ العِلميِّ الذي قامَ به هذا العالمُ المُحَدِّثُ الجَليلُ، إلَّا أنَّ الكِتابَ يحتَوي على طائِفةٍ مِنَ الرِّواياتِ الضَّعيفةِ في الغُلوِّ والتَّحريفِ، وقد تَتَّبعْنا هذه الرِّواياتِ في الكِتابِ فوجَدْناها مَبثوثةً في مُختَلِفِ مَواضِعِ التَّفسيرِ. ويبدو أنَّ المُؤَلِّفَ رَحِمَه اللهُ لم يقُمْ بعَمَليَّةِ جَردٍ وتَصفيةٍ وفرزٍ للأحاديثِ الصَّحيحةِ عن غَيرِها في هذا الكِتابِ، أو أنَّ جُهدَه في هذا الأمرِ لم يكُنْ كافيًا لاستِخلاصِ الكِتابِ مِنَ الأحاديثِ الضَّعيفةِ والمَوضوعةِ؛ فهو يعتَمِدُ مَصادِرَ مُتَّهَمةً بالوضعِ نَحو التَّفسيرِ المَنسوبِ إلى الإمامِ العَسكريِّ عليه السَّلامُ، وقد قال عنه الشَّيخُ مُحَمَّد جَواد البَلاغيُّ في مُقدِّمةِ تَفسيرِه القَيِّمِ (آلاء الرَّحمَن): وأمَّا التَّفسيرُ المَنسوبُ إلى الإمامِ الحَسَنِ العَسكريِّ عليه السَّلامُ فقد أوضَحْنا في رِسالةٍ مُنفرِدةٍ في شَأنِه أنَّه مَكذوبٌ مَوضوعٌ، ومِمَّا يدُلُّ على ذلك نَفسُ ما في التَّفسيرِ مِنَ التَّناقُضِ والتَّهافُتِ في كلامِ الرَّاويينِ، وما يزعُمانِ أنَّه رِوايةٌ، وما فيه مِن مُخالفةٍ للكِتابِ المَجيدِ ومَعلومِ التَّاريخِ، كما أشارَ إليه العَلَّامةُ في (الخُلاصةِ) وغَيره.
 كما اعتَمَدَ على كِتابِ الشَّيخِ رَجَب البُرسيِّ مَثَلًا، وهو مُتَّهَمٌ بالغُلوِّ عِندَ عُلمائِنا، وكِتابُه فاقِدٌ للاعتِبارِ العِلميِّ.
واعتَمَدَ على كِتاب (جامِعِ الأخبارِ)، ولا نَعرِفُ مُؤَلِّفَه فضلًا عن أسانيدِ رِواياتِه.
وكذلك اعتَمَدَ كِتابَ (مِصباح الشَّريعةِ) المَنسوبَ إلى الإمامِ الصَّادِقِ عليه السَّلامُ، وهو كِتابٌ جَليلٌ، ولكِنَّه لم تَثبُتْ نِسبَتُه إلى الإمامِ الصَّادِقِ عليه السَّلامُ، ومُؤَلِّفُه مَجهولٌ، وقد نَسَبَه بَعضُ العُلماءِ إلى هشامِ بنِ الحَكَمِ، إلَّا أنَّ شَيئًا مِن ذلك لم يَثبُتْ بطَريقٍ عِلميٍّ.
كما اعتَمَدَ المُؤَلِّفُ رَحِمَه اللهُ في كِتابِه هذا طائِفةً مِنَ الرِّواياتِ الضَّعيفةِ مِن حَيثُ السَّنَدُ، والمُضطَرِبةِ مِن حَيثُ المَتنُ، وهو بالتَّأكيدِ مِمَّا يُؤَثِّرُ أثَرًا سَلبيًّا على القيمةِ العِلميَّةِ لهذا الكِتابِ الجَليلِ، إلَّا أن نَقولَ: إنَّ الكِتابَ هو جُهدٌ عِلميٌّ لجَمعِ الرِّواياتِ المَرويَّةِ عن أهلِ البَيتِ عليهمُ السَّلامُ في تَفسيرِ القُرآنِ، وهو جُهدٌ مُفيدٌ ونافِعٌ يُمَهِّدُ الطَّريق للمُحَقِّقينَ الذينَ يعمَلونَ في تَحقيقِ النُّصوصِ واستِخراجِ الصَّحيحِ مِنها، وفرزِها عنِ الرِّواياتِ الضَّعيفةِ والمُضطَرِبةِ) [2263] مقدمة ((البرهان)) (ص: 41). .
وقال مُحَمَّد هادي معرفة: عن هاشِمٍ البَحرانيِّ: (كان مِنَ المُحدِّثينَ الأفاضِلِ مُتَتَبِّعًا للأخبارِ جمَّاعًا للأحاديثِ، مِن غَيرِ أن يتَكلَّمَ فيها بجَرحٍ أو تَعديلٍ، أو تَأويلِ ما يُخالفُ العَقلَ أوِ النَّقلَ الصَّريحِ، كما هو دَأبُ أكثَرِ الأخباريِّين المُتَطَرِّفينَ.
وفي تَفسيرِه هذا يعتَمِدُ كُتُبًا لا اعتِبارَ بها، أمثالُ: التَّفسيرِ المَنسوبِ إلى الإمامِ العَسكريِّ الذي هو مِن صُنعِ أبي يعقوبَ يوسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زيادٍ، وأبي الحَسَنِ عليِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ الأستراباديَّينِ، ولم يُعلَمْ وَجهُ انتِسابِه إلى الإمامِ الحَسَنِ العَسكريِّ. والتَّفسيرِ المَنسوبِ إلى عَليِّ بنِ إبراهيمَ بنِ هاشِمٍ القُمِّيِّ، وهو مِن صُنعِ أبي الفضلِ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ العَلويِّ، ونُسِبَ إلى القُمِّيِّ مِن غَيرِ وَجهٍ وَجيهٍ. وكِتابِ الاحتِجاجِ المَنسوبِ إلى الطَّبَرسيِّ، ولم يُعرَفْ لحَدِّ الآنَ. وكِتابِ سَليمِ بنِ قَيسٍ الهِلاليِّ، المَدسوسِ فيه، وغَيرِ ذلك مِن كُتُبٍ لا اعتِبارَ فيها، فضلًا عن ضَعفِ الإسنادِ أوِ الإرسالِ في أكثَرِ الأحاديثِ التي ينقُلُها مِن هذه الكُتُبِ.
ومِمَّا يُؤخَذُ على هذا التَّفسيرِ أنَّه يُسنِدُ القَولَ في التَّفسيرِ إلى الإمامِ المَعصومِ إسنادًا رأسًا، في حينِ أنَّه وجَدَه في كِتابٍ مَنسوبٍ إليه صِرفًا، مثلًا يقولُ: قال الإمامُ أبو مُحَمَّدٍ العَسكريُّ في تَفسيرِ الآيةِ كذا وكذا، الأمرُ الذي تَرفُضُه شَريعةُ الاحتياطِ في الدِّينِ.
وهذا التَّفسيرُ غَيرُ جامِعٍ للآياتِ، وإنَّما تَعَرَّض لآياتٍ جاءَ في ذَيلِها حَديثٌ، ولو في شَطرِ كَلِمةٍ. ومِن ثَمَّ فهو تَفسيرٌ غَيرُ كامِلٍ، فضلًا عن ضَعفِ الأسانيدِ وإرسالِها، ووَهنِ غالبيَّةِ الكُتُبِ التي اعتَمَدَها، كما هو خالٍ عن أيِّ تَرجيحٍ أو تَأويلٍ، عندَ مختَلِفِ الرِّواياتِ، ولدى تَعارُضِ بَعضِها مَعَ بَعضٍ) [2264] ((التفسير والمفسرون)) (2/784). .
وقال مُحَمَّد عَلي إيازي: (كان المُؤَلِّفُ مِن الأخباريِّين الذينَ اعتَمَدوا على المَأثورِ في التَّفسيرِ، ومِمَّن مَنَعوا التَّفسيرَ بالتَّدَبُّرِ والتَّذَوُّقِ في كلامِ اللهِ، ونَهَوا عن تَفسيرِ القُرآنِ بغَيرِ ما رُويَ، بدونِ إمعانٍ يعني مِنَ المُؤَلِّفِ البَحرانيِّ في مَعنى الرِّوايةِ أو تَفحُّصٍ في سَنَدِها، والتَّأمُّلِ في مَضمونِها... والخُلاصةُ: كان التَّفسيرُ مِنَ التَّفاسيرِ الأثَريَّةِ للأخباريِّين وأهلِ الظَّاهِرِ مِنَ الشِّيعةِ) [2265] ((المفسرون حياتهم ومنهجهم)) (1/295). .
أمثلةٌ مِن تَفسيرِ البُرهانِ للبَحرانيِّ:
1- أورَدَ البَحرانيُّ عِدَّةَ رِواياتٍ فيها عِدَّةُ أقوالٍ لمَعنى المَغضوبِ عليهم ومَعنى الضَّالِّينَ في سورةِ الفاتِحةِ، ومِمَّا أورَدَه عن أبي عَبدِ اللهِ أنَّه قال: (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ: النُّصَّابُ، وَالضَّالِّينَ: الشُّكَّاكُ الذينَ لا يعرِفونَ الإمامَ) [2266] يُنظر: ((البرهان)) (1/108). .
2- في أوَّلِ سورةِ البَقَرةِ ذَكرَ البَحرانيُّ رِوايةً عن أبي عَبدِ اللهِ في بَيانِ مَعنى قَولِ اللهِ تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ فقال: (كِتابُ عليٍّ لا رَيبَ فيه هُدًى لِلْمُتَّقِينَ قال: (المُتَّقونَ: شِيعَتُنا) [2267] يُنظر: ((البرهان)) (1/ 53).  .
3- في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة: 136 - 137] ، أورَدَ البَحرانيُّ عن أبي جَعفرٍ أنَّه قال: (إنَّما عنى بذلك عَليًّا، والحَسَنَ، والحُسَينَ، وفاطِمةَ، وجَرَت بَعدَهم في الأئِمَّةِ عليهمُ السَّلامُ، ثُمَّ يرجِعُ القَولُ مِنَ اللهِ في النَّاسِ، فقال: فَإِنْ آمَنُوا يعني النَّاسَ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ يعني عَليًّا وفاطِمةَ والحَسَنَ والحُسَينَ والأئِمَّةَ عليهمُ السَّلامُ، فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [البقرة: 137] ) [2268] يُنظر: ((البرهان)) (1/157). .
4- أورَدَ البَحرانيُّ عن أبي جَعفرٍ قَوله: (ما بَعَثَ اللهُ نَبيًّا قَطُّ إلَّا بوِلايتِنا والبَراءةِ مِن أعدائِنا، وذلك قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ في كتابِه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ [النحل: 36] بتَكذيبِهم آلَ مُحَمَّدٍ صَلواتُ اللهِ عليهم أجمَعينَ) [2269] يُنظر: ((البرهان)) (3/419). .
5- في قَولِ اللهِ تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] ، أورَدَ البَحرانيُّ عن أبي جَعفرٍ قَولَه: (لا يتَّخِذْ مَعَ وِلايةِ آلِ مُحَمَّدٍ وِلايةَ غَيرِهم، ووِلايتُهمُ العَمَلُ الصَّالحُ، فمَن أَشرَك بعِبادةِ رَبِّه أحَدًا فقد أشرَك بوِلايتِنا وكفرَ بها، وجَحَدَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ حَقَّه ووِلايتَه) [2270] يُنظر: ((البرهان)) (2/690). .
6- أورد البحرانيُّ في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: ... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65] رِوايةً عن أبي جَعفرٍ أنَّه سُئِل عن هذه الآيةِ فقال: تَفسيرُها: لئِن أمَرتَ بوِلايةِ أحَدٍ مَعَ وِلايةِ عليٍّ عليه السَّلامُ مِن بَعدِك ليَحبَطَّنَ عَمَلُك ولتَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ) [2271] يُنظر: ((البرهان)) (4/83). .

انظر أيضا: