موسوعة الفرق

المَسألةُ الثَّانيةُ: مَوقِفُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وغَيرِهم مِن نِكاحِ المُتعةِ


جاءت آثارٌ عَديدةٌ عن الصَّحابةِ والتَّابعينَ بتَحريمِ نِكاحِ المُتعةِ؛ منها:
1- عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (نَسَخَ رَمَضانُ كُلَّ صَومٍ، ونَسَخَتِ الزَّكاةُ كُلَّ صَدَقةٍ، ونَسَخ المُتعةَ الطَّلاقُ والعِدَّةُ والميراثُ) [2062] أخرجه عبد الرزاق (14046). .
2- عن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (المُتعةُ مَنسوخةٌ نَسَخها الطَّلاقُ، والصَّداقُ، والعِدَّةُ، والميراثُ) [2063] أخرجه عبد الرزاق (14044)، وابن المنذر في ((التفسير)) (1595)، والبيهقي (14564) واللفظ له. .
3- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعِديِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إنَّما رَخَّصَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المُتعةِ؛ لعُزبةٍ كانت بالنَّاسِ شَديدةٍ، ثُمَّ نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنها بَعدَ ذلك) [2064] أخرجه الطبراني (6/121) (5695)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (10/109) واللفظ له. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/269): فيه يحيى بنُ عثمانَ بنِ صالحٍ، وابنُ لهيعةَ، وكلاهما حديثُه حَسَنٌ وفيه كلامٌ، وبقيَّةُ رجالِه رجالُ الصَّحيحِ. .
4- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سُئِل عن المُتعةِ فقال: (هو السِّفاحُ) [2065] أخرجه من طرُقٍ: عبد الرزاق (14042) واللفظ له، وابن أبي شيبة (17354)، وأبو عوانة في ((المسند)) (4085). .
5- عن هِشامِ بنِ عُروةَ: (أنَّ عُروةَ كان ينهي عن نِكاحِ المُتعةِ ويقولُ: هي الزِّنا الصَّريحُ) [2066] أخرجه سعيد بن منصور في ((السنن)) (855). .
6- عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ قال: (رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، لولا أنَّه نَهى عن المُتعةِ صارَ الزِّنا جِهارًا) [2067] رواه ابنُ أبي شيبة في مصنفه (17073). .
7- قال الحَسَنُ البَصريُّ: (ما كانتِ المُتعةُ إلَّا ثَلاثةَ أيَّامٍ حتَّى حَرَّمها اللهُ تعالى ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [2068] يُنظر: ((الإشراف على مذاهب العلماء)) لابن المنذر (5/ 72). .
8- عن هشامِ بنِ الغارِ قال: سَمِعتُ مكحولًا يقولُ في الرَّجُلِ تَزَوَّجَ المَرأةَ إلى أجَلٍ، قال: (ذلك الزِّنا) [2069] رواه ابنُ أبي شيبة في ((المصنف)) (3/552). .
9- عن مَعمرٍ عن الزَّهريِّ عن القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ قال: إنِّي لأرى تَحريمَها في القُرآنِ. قال: فقُلتُ: أينَ؟ فقَرَأ عَليَّ هذه الآيةَ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المُؤمِنون: 5-6] [2070] رواه عبد الرزاق الصنعاني في ((مصنفه)) (7/ 504)، والبيهقي في ((سننه)) (7/ 203). .
10- عن مُحَمَّدِ بنِ مَنصورٍ قال: كُنَّا مَعَ المَأمونِ في طَريقِ الشَّامِ، فأمر فنوديَ بتَحليلِ المُتعةِ. فقال يحيى بنُ أكثَمَ لي ولأبي العَيناءِ: بَكِّرا غَدًا إليه، فإن رَأيتُما للقَولِ وَجهًا فقولا، وإلَّا فاسكُتا إلى أن أدخُلَ، فدَخَلا عليه في حالِ غَيظهِ فسَكَتا. فجاءَ يحيى بنُ أكثَمَ فجَلسَ وجَلَسْنا. فقال المَأمونُ ليحيى: ما لي أراك متغَيِّرًا؟ فقال: هو غَمٌّ -يا أميرَ المُؤمِنينَ- لِما حَدَثَ في الإسلامِ، قال: وما حَدَث فيه؟ قال: النِّداءُ بتَحليلِ الزِّنا! قال: الزِّنا؟! قال: نَعَم، المُتعةُ زِنًا، قال: ومن أينَ قُلتَ هذا؟ قال: مِن كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وحَديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال اللهُ تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المُؤمِنون: 1 - 7] ، يا أميرَ المُؤمِنينَ، زَوجةُ المُتعةِ مِلكُ يمينٍ؟ قال: لا. قال: فهي الزَّوجةُ التي عِندَ اللهِ تَرِثُ وتورَثُ وتُلحَقُ الولَدَ ولها شَرائِطُها؟ قال: لا. قال: قد صارَ مُتَجاوِزُ هَذَين مِنَ العادينَ. وهذا الزُّهْريُّ يا أميرَ المُؤمِنينَ رَوى عن عَبدِ اللهِ والحَسَنِ ابنَي مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ عن أبيهما مُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: أمَرَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أُناديَ بالنَّهيِ عن المُتعةِ وتَحريمِها بَعدَ أن كان أمَرَ بها. فالتَفتَ إلينا المَأمونُ فقال: أمَحفوظٌ هذا مِن حَديثِ الزُّهريِّ؟ فقُلْنا: نَعَم يا أميرَ المُؤمِنينَ، رَواه جَماعةٌ منهم مالكٌ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال المَأمونُ: أستَغفِرُ اللهَ، نادوا بتَحريمِ المُتعةِ، فنادَوا بها [2071] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (14/199)، ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (5/199). .
وصرَّح عُلماءُ الأُمَّةِ بتَحريمِ نِكاحِ المُتعةِ:
1- قال الشَّافِعيُّ: (لا يحِلُّ نِكاحُ المُتعةِ، ويُفسَخُ) [2072] ((الأم)) (4/ 121). .
وقال أيضًا: (إنَّما حَرَّمنا نِكاحَ المُتعةِ مَعَ الاتِّباعِ؛ لئَلَّا يكونَ الفرْجُ حَلالًا في حالٍ حَرامًا في آخَرَ. الفرجُ لا يحِلُّ إلَّا بأن يحِلَّ على الأبَدِ ما لم يحدُثْ فيه شَيءٌ يُحَرِّمُه) [2073] ((الأم)) (5/ 11). .
2- قال أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سَلامٍ: (جاءَتِ الآثارُ في السُّنَّةِ وفي تَأويلِ الكِتابِ بنَسخِ أنواعٍ مِنَ النِّكاحِ، فمنها ما كان حَلالًا فنَسَخَه التَّحريمُ، ومنها ما كان حَرامًا فنَسَخَه التَّحليلُ، ومنها ما اختَلفتِ العُلماءُ في نَسخِه، وأمَّا الذي كان حَلالًا فنُسِخَ بالتَّحريمِ فإنَّه نِكاحُ المُتعةِ... فالمُسلمونَ اليومَ مُجمِعونَ على هذا القَولِ: أنَّ مُتعةَ النِّساءِ قد نُسِخَت بالتَّحريمِ، ثُمَّ نَسَخَها الكِتابُ والسُّنَّةُ على ما ذَكَرْنا في هذه الأحاديثِ، ولا نَعلمُ أحَدًا مِنَ الصَّحابةِ كان يتَرَخَّصُ فيها إلَّا ما كان مِنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ فإنَّه كان ذلك مَعروفًا مِن رَأيِه ثُمَّ بَلغَنا أنَّه رَجَعَ عنه... وأمَّا قَولُ أهلِ العِلمِ اليومَ جَميعًا مِن أهلِ العِراقِ وأهلِ الحِجازِ وأهلِ الشَّامِ وأصحابِ الأثَرِ وأصحابِ الرَّأيِ وغَيرِهم: إنَّه لا رُخصةَ فيها لمُضطَرٍّ ولا لغَيرِه، وإنَّها مَنسوخةٌ حَرامٌ) [2074] ((الناسخ والمنسوخ)) (ص: 73، 79، 82). .
3- قال ابنُ المُنذِر: (ثَبَتَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن نِكاحِ المُتعةِ...ومِمَّن نَهى عن المُتعةِ أميرُ المُؤمِنينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وقال القاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: تَحريمُها في القُرآنِ:  وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المُؤمِنون: 5 - 6] الآية... ومِمَّن أبطَل نِكاحَ المُتعةِ: مالِكٌ، والثَّوريُّ، والشَّافِعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَورٍ، وأصحابُ الرَّأيِ، ولا أعلمُ أحَدًا يُجيزُ اليومَ نِكاحَ المُتعةِ إلَّا بَعضَ الرَّافِضةِ، ولا مَعنى لقَولٍ يُخالفُ القائِلُ به الكِتابَ والسُّنَّةَ) [2075] ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/ 71). .
4- قال الطَّحاويُّ: (عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه قد نَهى عن مُتعةِ النِّساءِ بحَضرةِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم يُنكِرْ ذلك عليه منهم مُنكِرٌ [2076] أخرجه مسلم (1217) ولفظُه: عن أبي نضرةَ قال: كان ابنُ عبَّاسٍ يأمرُ بالمتعةِ، وكان ابنُ الزُّبيرِ ينهى عنها، قال: فذكرتُ ذلك لجابرِ بنِ عبدِ اللهِ، فقال: على يدي دار الحديثُ، (تمتَّعْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا قام عُمَرُ قال: إنَّ اللهَ كان يحِلُّ لرسولِه ما شاء بما شاء، وإنَّ القرآنَ قد نزل منازِلَه، فـ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] ، كما أمركم اللهُ، وأبتُّوا نِكاحَ هذه النِّساءِ، فلن أوتى برجُلٍ نكح امرأةً إلى أجَلٍ إلَّا رجمُته بالحِجارةِ). ، وفي هذا دَليلٌ على مُتابَعَتِهم له على ما نَهى عنه مِن ذلك، وفي إجماعِهم على النَّهيِ في ذلك عنها دَليلٌ على نَسخِها) [2077] ((شرح معاني الآثار)) (3/ 27). .
5- قال البَربهاريُّ: (اعلَمْ أنَّ المُتعةَ والاستِحلالَ حَرامٌ إلى يومِ القيامةِ) [2078] ((شرح السنة)) (ص: 41). .
6- قال الخِرَقيُّ: (لا يجوزُ نِكاحُ المُتعةِ، ولو تَزَوَّجها على أن يُطلِّقَها في وقتٍ بعَينِه، لم ينعَقِدِ النِّكاحُ) [2079] ((مختصر الخرقي)) (ص: 104). .
7- قال الجَصَّاصُ الحَنَفيُّ في شَرحِ مُختَصَرِ أبي جَعفرٍ الطَّحاويِّ: (قال أبو جَعفرٍ: "ونِكاحُ المُتعةِ غَيرُ جائِزٍ، وهو أن يتَزَوَّجَ الرَّجُلُ المَرأةَ وقتًا مَعلومًا"... هذا لا خِلاف بَيْنَ الفُقَهاءِ في فسادِه. وقد رُويَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّهيُ عنها في أخبارٍ مُستَفيضةٍ شائِعةٍ، وأنَّه حَرَّمَها بَعدَ ما كان أباحَها) [2080] ((شرح مختصر الطحاوي)) (4/ 367). .
8- قال ابنُ الجَلابِ: (نِكاحُ المُتعةِ باطِلٌ، وهو أن يقولَ الرَّجُلُ للمَرأةِ: مَتِّعيني بنَفسِك يومًا أو شَهرًا أو مُدَّةً مِنَ الزَّمانِ مَعلومةً بكذا وكذا) [2081] ((التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس)) (1/ 397). .
9- قال ابنُ بَطَّةَ: (مِنَ السُّنَّةِ أن يُعلمَ أنَّ المُتعةَ حَرامٌ إلى يومِ القيامةِ) [2082] ((الإبانة الصغرى)) (ص: 295). .
10- قال ابنُ حَزمٍ: (لا يجوزُ نِكاحُ المُتعةِ، وهو النِّكاحُ إلى أجَلٍ، وكان حَلالًا على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ نَسَخَها اللهُ تعالى على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَسخًا باتًّا إلى يومِ القيامةِ) [2083] ((المحلى)) (9/ 127). .
11- قال ابنُ أبي حافِظٍ النَّابُلُسيُّ: (بابُ بَيانِ النَّصِّ الوارِدِ في تَحريمِ نِكاحِ المُتعةِ وبُطلانِه وفسادِه، وخَطَأِ فاعِلِه وإثمِه؛ لمُخالفةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد أمَرَ اللهُ تعالى باتِّباعِه، واتِّباعِ أوامِرِه، وقَبولِ نَواهيه... وإذا كان كذلك ثَبت تَحريمُها مِن جَميعِ هذه الوُجوهِ، ولم يستَحِلَّها بَعدَ ما تَقدَّم بَيانُه إلَّا جاهلٌ أو مُعانِدٌ عَرَف الحَقَّ فعانَدَه، وأيَّهما كان فمَذمومٌ في الشَّريعةِ، مَلومٌ على ارتِكابِه، والرُّجوعُ إلى الحَقِّ أَولى مِنَ التَّمادي في الباطِلِ، ومُراعاةُ الشَّريعةِ أَولى مِن تَقليدِ النَّاسِ) [2084] ((تحريم نكاح المتعة)) (ص: 23، 123). .
12- قال أبو القاسِمِ الأصبَهانيُّ: (مُتعةُ النِّساءِ حَرامٌ إلى يومِ القيامةِ) [2085] ((الحجة)) (2/438) (2/266). .
13- قال ابنُ هُبَيرةَ: (أجمَعوا على أنَّ نِكاحَ المُتعةِ باطِلٌ لا خِلافَ بَينَهم فيه) [2086] ((اختلاف الأئمة العلماء)) (2/ 148). .
14- قال ابنُ الجَوزيِّ: (رُبَّما تَوهَّمَ مَن لا عِلمَ له أنَّ عُمَرَ نَهى عن المُتعةِ لمَصلحةٍ رَآها، وهذا لا يجوزُ لوجهَينِ: أحَدُهما: أنَّه ليس له أن يُغَيِّرَ شَرْعَ رَسولِ اللهِ، ولولا أنَّه ثَبَتَ عِندَه النَّاسِخُ ما قال. والثَّاني: أنَّه لو كان على وَجهِ المُصلحةِ ما تَوعَّدَ عليه بالرَّجمِ) [2087] ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (1/ 147). .
15- قال ابنُ القَطَّانِ: (اتَّفقَ أئِمَّةُ الأمصارِ أهلُ الرَّأيِ والآثارِ بمِصرَ والمَغرِبِ والشَّامِ على تَحريمِ نِكاحِ المُتعةِ؛ لنَهيِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنها) [2088] ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/ 17). .
16- قال ابنُ تَيميَّةَ: (الرِّواياتُ المُستَفيضةُ المُتَواتِرةُ مُتَواطِئةٌ على أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَرَّمَ المُتعةَ بَعدَ إحلالِها) [2089] ((منهاج السنة النبوية)) (4/190). .
17- قال ابنُ حَجَرٍ: (قال ابنُ المُنذِرِ: لا أعلمُ اليومَ أحدًا يُجيزُها إلَّا بَعضُ الرَّوافِضِ، ولا مُعتَمَدَ لقَولٍ يُخالفُ كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ رَسولِه. وقال عِياضٌ: ثُمَّ وقَعَ الإجماعُ مِن جَميعِ العُلماءِ على تَحريمِها إلَّا الرَّوافِضَ. وقال الخَطَّابيُّ: تَحريمُ المُتعةِ كالإجماعِ إلَّا عن بَعضِ الشِّيعةِ، ولا يصِحُّ على قاعِدَتِهم في الرُّجوعِ في المُختَلفاتِ إلى عَليٍّ وآلِ بَيتِه؛ فقد صَحَّ عن عَليٍّ أنَّها نُسِخَت، ونَقَل البَيهَقيُّ عن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ أنَّه سُئِل عن المُتعةِ فقال: هي الزِّنا بعَينِه. وقال القُرطُبيُّ: الرِّواياتُ كُلُّها مُتَّفِقةٌ على أنَّ زَمَنَ إباحةِ المُتعةِ لم يَطُلْ، وأنَّه حُرِّمَ، ثُمَّ أجمَعَ السَّلَفُ والخَلَفُ على تَحريمِها إلَّا مَن لا يُلتَفَتُ إليه من الرَّوافِضِ) [2090] ((فتح الباري)) (9/173). .
18- قال الصَّنعانيُّ: (إلى نَسخِها ذَهَبَ الجَماهيرُ مِنَ السَّلفِ والخَلفِ... والقَولُ بأنَّ إباحَتَها قَطعيٌّ ونَسخَها ظَنِّيٌّ: غَيرُ صَحيحٍ؛ لأنَّ الرَّاوينَ لإباحَتِها رَوَوا نَسخَها، وذلك إمَّا قَطعيٌّ في الطَّرَفينِ أو ظَنِّيٌّ في الطَّرَفينِ، كذا في الشَّرحِ. وفي نِهايةِ المُجتَهدِ أنَّها تَواتَرَتِ الأخبارُ بالتَّحريمِ إلَّا أنَّها اختَلفت في الوقتِ الذي وقَعَ فيه التَّحريمُ. انتَهى. وقد بَسَطْنا القَولَ في تَحريمِها في حَواشي ضَوءِ النَّهارِ) [2091] يُنظر: ((سبل السلام)) (3/126). .
19- قال الشَّوكانيُّ: (نحن مُتَعَبَّدونَ بما بَلغَنا عن الشَّارِعِ، وقد صَحَّ لنا عنه التَّحريمُ المُؤَبَّدُ، ومُخالَفةُ طائِفةٍ مِنَ الصَّحابةِ له غَيرُ قادِحةٍ في حُجِّيَّتِه ولا قائِمةٍ لنا بالمَعذِرةِ عن العَمَلِ به، كيف والجُمهورُ مِنَ الصَّحابةِ قد حَفِظوا التَّحريمَ وعَمِلوا به ورَووه لنا، حتَّى قال ابنُ عُمَرَ فيما أخرَجَه عنه ابنُ ماجَهْ بإسنادٍ صَحيحٍ: "إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ لنا في المُتعةِ ثَلاثًا ثُمَّ حَرَّمَها، واللهِ لا أعلمُ أحَدًا تَمَتَّعَ وهو مُحصَنٌ إلَّا رَجَمتُه بالحِجارةِ" [2092] أخرجه ابن ماجه (1963) واللفظ له، والبزار (183) بنحوه، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (41/229) باختلافٍ يسيرٍ. حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1963)، وصحَّح إسنادَه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (24/362)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/1171)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (3/198)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (6/274). وقال ابنُ القيم في ((زاد المعاد)) (2/174): سندُه لا تقومُ به حُجَّةٌ، وذكر شعيب الأرناؤوط في تخريج ((زاد المعاد)) (2/175) أنَّ فيه أبانَ بنَ أبي حازمٍ، لَيِّنُ الحفظِ، وباقي رجالِه ثقاتٌ. وأخرجه بنحوه مسلم (1217) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولفظُه: عن أبي نضرةَ قال: كان ابنُ عبَّاسٍ يأمرُ بالمتعةِ، وكان ابنُ الزُّبَيرِ ينهى عنها، قال: فذكرتُ ذلك لجابرِ بنِ عبدِ اللهِ، فقال: على يدي دار الحديثُ، (تمتَّعْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا قام عُمَرُ قال: إنَّ اللهَ كان يحِلُّ لرسولِه ما شاء بما شاء، وإنَّ القرآنَ قد نزل منازِلَه، فـ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] ، كما أمركم اللهُ، وأبتُّوا نِكاحَ هذه النِّساءِ، فلن أوتى برجُلٍ نكح امرأةً إلى أجَلٍ إلَّا رجمُته بالحِجارةِ). [2093] يُنظر: ((نيل الأوطار)) (6/ 164). .
20- قال ابنُ بازٍ: (ثَبَتَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُبوتًا لا شَكَّ فيه الإذنُ في نِكاحِ المُتعةِ، ثُمَّ تَحريمُه تَحريمًا مُؤَبَّدًا إلى يومِ القيامةِ، وحُكيَ إجماعُ مَن سِوى الشِّيعةِ على ذلك، وما يُشبِهُ الإجماعَ مِن أئِمَّةِ العِلمِ) [2094] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/ 291). .
والشِّيعةُ قد يَستَدِلُّونَ على تَحليلِ المُتعةِ بأنَّه قَولُ عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وهو لا يُحِلُّها كما يُحِلُّونَها، وإنَّما كان يراها مُحَرَّمةً تَجوزُ للضَّرورةِ، وقد أنكَرَ عليه عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه وغَيرُه، ورُويَ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عن قَولِه فيها، ومَعلومٌ أنَّه لا يجوزُ اتِّباعُ العالمِ في زَلَّتِه، مَعَ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ لم يُبِحْها قَطُّ بالطَّريقةِ التي يُبيحُها الشِّيعةُ، ويتَوسَّعونَ فيها كما تَقدَّمَ ذِكرُ نُصوصِهم في ذلك بما يجعَلُها أعظَمَ فَسادًا مِنَ الزِّنا.
بيانُ حَقيقةِ قَولِ عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وإنكارِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ عليه:
قال عَبدُ الرَّزَّاقِ الصَّنعانيُّ: (عن مَعمَرٍ عن الزُّهريِّ أنَّ حَسَنًا وعَبدَ اللهِ ابنَي مُحَمَّدٍ أخبَراه عن أبيهما مُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ أنَّه سَمِعَ أباه عَليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ لابنِ عَبَّاسٍ، وبَلغَه أنَّه يُرَخِّصُ في المُتعةِ، فقال له عَليٌّ: إنَّك امرُؤٌ تائِهٌ، إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنها يومَ خَيبَرَ، وعن لُحومِ الحُمُرِ الإنسيَّةِ) [2095] أخرجه عبد الرزاق (14032) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5504)، والبيهقي (14526) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه البيهقي في ((السنن الصغير)) (3/57). وأصله في صحيح مسلم (1407) عن عبدِ اللهِ والحَسَنِ ابنَي محمَّدِ بنِ عليٍّ، عن أبيهما، قال: سمعَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ يقولُ لفلانٍ: إنَّك رجلٌ تائهٌ! نهانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي عن متعةِ النِّساءِ يومَ خيبَرَ، وعن أكلِ لُحومِ الحُمُرِ الإنسيَّةِ. .
وعن خالِدِ بنِ المُهاجِرِ بنِ خالِدٍ قال: أرخَصَ ابنُ عَبَّاسٍ في المُتعةِ، فقال له ابنُ أبي عَمرةَ الأنصاريُّ: ما هذا يا أبا عَبَّاسٍ؟! فقال ابنُ عَبَّاسٍ: فُعِلَت مَعَ إمامِ المُتَّقينَ. فقال ابنُ أبي عَمرةَ: (اللهمَّ غَفرًا، إنَّما كانتِ المُتعةُ رُخصةً كالضَّرورةِ إلى المَيتةِ، والدَّمِ، ولحمِ الخِنزيرِ، ثُمَّ أحكمَ اللهُ تعالى الدِّينَ بَعدُ) [2096] رواه عبد الرزاق في مصنفه (14033). .
وعن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ قال: قُلتُ لابنِ عَبَّاسٍ: إنَّ النَّاسَ قد أكثَروا عليك في المُتعةِ، وقال الشَّاعِرُ فيها ما قال! فخَرَجَ ابنُ عَبَّاسٍ فقال: (هي كالمُضطَرِّ إلى المَيتةِ والدَّمِ ولحمِ الخِنزيرِ) [2097] رواه أبو عبيد في ((الناسخ والمنسوخ)) (139). .
وعن ابنِ عَبَّاس أنَّه قال في المُتعةِ: (هي حَرامٌ كالمَيتةِ والدَّمِ ولحمِ الخِنزيرِ) [2098] رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (14282). .
قال الخَطَّابيُّ: (كان ابنُ عَبَّاسٍ يتَأوَّلُ في إباحَتِه للمُضطَرِّ إليه بطولِ العُزبةِ وقِلَّةِ اليَسارِ، ثُمَّ تَوقَّف عنه وأمسَك عن الفتوى به... فهذا يُبَيِّنُ لك أنَّه إنَّما سَلك فيه مَذهَبَ القياسِ وشَبَّهَه بالمُضطَرِّ إلى الطَّعامِ، وهو قياسٌ غَيرُ صَحيحٍ؛ لأنَّ الضَّرورةَ في هذا البابِ لا تَتَحَقَّقُ كهي في بابِ الطَّعامِ الذي به قِوامُ النَّفسِ، وبعَدَمِه يكونُ التَّلَفُ، وإنَّما هذا مِن بابِ غَلبةِ الشَّهوةِ، ومُصابَرَتُها مُمكِنةٌ، وقد تُحسَمُ حِدَّتُها بالصَّومِ والعِلاجِ؛ فليسَ أحَدُهما في حُكمِ الضَّرورةِ كالآخَرِ) [2099] ((معالم السنن)) (3/ 191). .

انظر أيضا: