موسوعة الفرق

المَطلبُ الثَّاني: التَّشابُهُ بَيْنَ اليهودِ والشِّيعةِ الإماميَّةِ في تَحريفِ كِتابِ اللهِ تعالى


كِتابُ اليهودِ المُقدَّسُ عِندَهم يتَكوَّنُ مِن 39 سِفرًا، الخَمسةُ الأولى منها ينسُبونَها إلى موسى عليه السَّلامُ، ويدَّعونَ أنَّها هي التَّوراةُ المُنَزَّلةُ على موسى عليه السَّلامُ، وباقي أسفارِ العَهدِ القديمِ يزعُمونَ أنَّها كُتِبَت على أيدي أنبياءِ بَني إسرائيلَ مِن بَعدِ موسى عليه السَّلامُ. والحَقُّ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى أعطى التَّوراةَ لموسى مَكتوبةً في الألواحِ، وأنَّ فيها مَوعِظةً لبَني إسرائيلَ وتفصيلًا لكُلِّ شَيءٍ، وأنَّ اللهَ تعالى أمَر نَبيَّه موسى أن يأخُذَ بما فيها مِنَ الأحكامِ، وأن يأمُرَ قَومَه أن يأخُذوا بأحسَنِها، وقد أخبَرَ اللهُ أنَّ اليهودَ أنفُسَهم كتَبوا التَّوراةَ ولكِنَّهم أخفَوا كثيرًا منها، قال اللهُ تعالى: قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام: 91] ، بل إنَّ اليهودَ قد نَقَضوا الميثاقَ الذي أخَذَه اللهُ عليهم بحِفظِ التَّوراةِ، ونَسُوا شيئًا كثيرًا منها إهمالًا منهم للكِتابِ الذي استَأمَنَهم اللهُ عليه، قال اللهُ سُبحانَه: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ عن اليهودِ: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79] .
فالتَّوراةُ الصَّحيحةُ التي أنزَلها اللهُ تعالى على موسى عليه السَّلامُ قد حُرِّفت، وقد ذَمَّ اللهُ سُبحانَه وتعالى اليهودَ على تَضييعِهم التَّوراةَ، وشَبَّههم بالحَميرِ؛ لاتِّفاقِ الحَميرِ واليهودِ في حَملِ الكُتُبِ وعَدَمِ الاستِفادةِ منها، فقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة: 5] .
وقد اعتَرَف بَعضُ أحبارِ اليهودِ بوُقوعِ التَّحريفِ في التَّوراةِ مِن بَعدِ موسى عليه السَّلامُ، فقال السَّمَوألُ بنُ يحيى بَعدَ أن أسلَمَ وقد كان مِن كِبارِ أحبارِهم: (عُلماؤُهم وأحبارُهم يعلمونَ أنَّ هذه التَّوراةَ التي بأيديهم لا يعتَقِدُ أحَدٌ مِن عُلمائِهم وأحبارِهم أنَّها المُنَزَّلةُ على موسى البتَّةَ؛ لأنَّ موسى صانَ التَّوراةَ عن بَني إسرائيلَ، ولم يبُثَّها فيهم، وإنَّما سَلَّمَها إلى عَشيرَتِه أولادِ لاوي، ولم يبذُلْ موسى مِنَ التَّوراةِ لبَني إسرائيلَ إلَّا نِصفَ سورةٍ يُقالُ لها: هاأزينوا، وهؤلاء الأئِمَّةُ الهارونيُّون الذينَ كانوا يَعرِفونَ التَّوراةَ ويحفظونَ أكثَرَها قَتَلهم بُختُنَصَّر على دَمٍ واحِدٍ يومَ فتحِ بَيتِ المَقدِسِ، ولم يكُنْ حِفظُ التَّوراةِ فرضًا ولا سُنَّةً، بل كان كُلُّ واحِدٍ مِنَ الهارونيِّين يحفظُ فصلًا مِنَ التَّوراةِ) [1943] ((بذل المجهود في إفحام اليهود)) (ص: 137 - 139). .
فالذي كتَبَ التَّوراةَ عزراءُ الورَّاقُ، وكِتابَتُه للتَّوراةِ كانت بَعدَ غَزوِ بُختُنَصَّرَ مَلِكِ بابِلَ للقُدسِ، وتَحطيمِ الهَيكلِ، وقَتلِه عددًا كبيرًا مِنَ اليهودِ.
قال ابنُ حَزمٍ: (إنَّ عزراءَ الورَّاقَ هو الذي أملى على اليهودِ التَّوراةَ مِن حِفظِه، وكان إملاءُ عزراءَ للتَّوراةِ بَعدَ أزيَدَ مِن سَبعينَ سَنةً مِن خَرابِ بَيتِ المَقدِسِ) [1944] ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (1/ 148). .
وقال السَّمَوألُ بنُ يحيى المَغرِبيُّ: (لمَّا رَأى عزراءُ أنَّ القَومَ قد أُحرِقَ هَيكَلُهم وزالت دَولتُهم وتَفرَّق جَمعُهم ورُفِعَ كِتابُهم، جَمعَ مِن مَحفوظاتِه ومِنَ الفُصولِ التي يحفَظُها الكهَنةُ ما لفَّقَ منه هذه التَّوراةَ التي بأيديهم الآنَ؛ ولذلك بالغوا في تَعظيمِ عَزراءَ هذا غايةَ المُبالغةِ، وزَعَموا أنَّ النُّورَ إلى الآنَ يظهَرُ على قَبرِه الذي عِند بَطائِحِ العِراقِ؛ لأنَّه عَمِل لهم كتابًا يحفظُ دينَهم، فهذه التَّوراةُ التي بأيديهم على الحَقيقةِ كِتابُ عَزراءَ، وليس كِتابَ اللهِ) [1945] ((بذل المجهود في إفحام اليهود)) (ص: 139). .
وكما حَرَّف اليهودُ التَّوراةَ فإنَّ الشِّيعةَ حاولوا تَحريفَ القُرآنِ الكريمِ، فأدخَلوا فيه ما ليس منه [1946] يُنظر في هذا الباب: عقيدة الشيعة الإمامية في القرآن. .

انظر أيضا: