موسوعة الفرق

المَبحَثُ الرَّابعُ: اعتِقادُ تَأثيرِ الأيَّامِ واللَّيالي بالنَّفعِ والضَّرِّ


الضَّرُّ والنَّفعُ مِنَ اللهِ وحدَه، وليسَ للأنواءِ والأيَّامِ واللَّيالي وغَيرِها تَأثيرٌ في ذلك، والشِّيعةُ تُخالفُ هذا بدَعواها أنَّ في بَعضِ الأيَّامِ شُؤمًا لا تُقضى فيه الحاجاتُ!
رَوى الشِّيعةُ في بَعضِ كُتُبِهم عن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (لا تَخرُجْ يومَ الجُمعةِ في حاجةٍ، فإذا كان يومُ السَّبتِ وطَلعَتِ الشَّمسُ فاخرُجْ في حاجَتِك) [1082] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (1/95). .
وقال: (السَّبتُ لنا، والأحَدُ لبَني أُميَّةَ) [1083] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (2/342). .
وقال: (فأيُّ يومٍ أعظَمُ شُؤمًا مِن يومِ الاثنَينِ؟! لا تَخرُجوا يومَ الاثنَينِ، واخرُجوا يومَ الثُّلاثاءِ) [1084] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (1/95). .
وقال: (لا تُسافِرْ يومَ الاثنَينِ، ولا تَطلُبْ فيه حاجةً) [1085] يُنظر: ((المحاسن)) للبرقي (ص: 346). .
وقال: (آخِرُ أربعاءَ في الشَّهرِ يومُ نَحسٍ مُستَمِرٍّ) [1086] يُنظر: ((الخصال)) لابن بابويه (2/27). .
وعن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (يومُ السَّبتِ يومُ مَكرٍ وخَديعةٍ، ويومُ الأحَدِ يومُ غَرسٍ وبناءٍ، ويومُ الاثنَينِ يومُ سَفَرٍ وطَلَبٍ، ويومُ الثُّلاثاءِ يومُ حَربٍ ودَمٍ، ويومُ الأربعاءِ يومَ شُؤمٍ يتَطَيَّرُ فيه النَّاسُ، ويومُ الخَميسِ يومُ الدُّخولِ على الأُمَراءِ وقَضاءِ الحَوائِجِ، ويومُ الجُمعةِ يومُ خِطبةٍ ونِكاحٍ) [1087] يُنظر: ((علل الشرائع)) (ص: 199)، ((الخصال)) (2/28) كلاهما لابن بابويه، ((وسائل الشيعة)) للعاملي (8/258).  .
والمُلاحَظُ أنَّ هذه الرِّوايةَ الأخيرةَ عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه اعتَبَرَت يومَ الاثنَينِ يومَ سَفرٍ وطَلَبٍ، وهذا يُخالفُ ما مَضى مِن رِواياتٍ؛ ولذلك قال شَيخُهم الحُرُّ العامِليُّ: (حُكمُ يومِ الاثنَينِ مَحمولٌ على التَّقيَّةِ أو على الجَوازِ؛ لما مَرَّ) [1088] ((وسائل الشيعة)) (8/258). !
والتَّشاؤُمُ بالأيَّامِ نَوعٌ مِنَ التَّطَيُّرِ [1089] أصلُ التطيُّرِ أنَّهم كانوا في الجاهليَّةِ يعتَمِدون على الطَّيرِ، فإذا أراد أحدُهم الخروجَ لأمرٍ، فرأى الطَّيرَ تطيرُ يَمنةً تيمَّن به واستمَرَّ، وإن رآه طار يَسرةً تشاءم به ورجَع. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/512)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/212)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (10/406). ، وهو مِن عَمَلِ أهلِ الجاهليَّةِ، وقد ذَمَّهم اللهُ تعالى به، ونَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن التَّطَيُّرِ، وأخبَرَ أنَّه شِركٌ، وأنَّه لا تَأثيرَ له في جَلبِ نَفعٍ ولا دَفعٍ ضُرٍّ، وأنَّه مِن إلقاءِ الشَّيطانِ وتَخويفِه ووسوسَتِه.
قال اللهُ تعالى: أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131] .
وعن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في قَولِ اللهِ تعالى: أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ (أي: من قِبَلِ اللهِ) [1090] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/257). .
وعن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الطِّيَرةُ شِركٌ، الطِّيَرةُ شِركٌ)) ثَلاثًا [1091] أخرجه أبو داود (3910) واللفظ له، والترمذي (1614)، وابن ماجه (3538). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (6122)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/108)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (125)، وقال الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4/312): جاءت الآثارُ بذلك مجيئًا متواتِرًا. .
وهذا صَريحٌ في تَحريمِ الطِّيَرةِ، وأنَّها مِنَ الشِّركِ، لِما فيها مِن تَعَلُّقِ القَلبِ بغَيرِ اللهِ تعالى [1092] يُنظر: ((فتح المجيد)) لعبد الرحمن آل الشيخ (ص: 361). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (إنَّما جُعِل ذلك شِركًا لاعتِقادِهم أنَّ ذلك يجلبُ نَفعًا أو يدفعُ ضُرًّا، فكأنَّهم أشرَكوه مَعَ اللهِ تعالى) [1093] ((فتح الباري)) (10/213). .
وقد ورَدَت في كُتُبِ الشِّيعةِ رِواياتٌ أُخرى تُوافِقُ الحَقَّ؛ فقد رَووا أنَّ أبا عَبدِ اللهِ قال: (لا طِيَرةَ) [1094] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (8/ 196). .
وأنَّه قال: (كفَّارةُ الطِّيَرةِ التَّوكُّلُ) [1095] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (8/ 198). .
وجاءَ في رِوايةٍ: (إذا تَطَيَّرتَ فامضِ) [1096] يُنظر: ((تحف العقول)) لابن شعبة الحراني (ص: 50). .
وقال الرِّضا عَليُّ بنُ موسى: (مَن خَرَجَ يومَ الأربعاءِ خِلافًا على أهلِ الطِّيَرةِ وُقِيَ مِن كُلِّ آفةٍ، وعوفِيَ من كُلِّ عاهةٍ، وقَضى اللهُ له حاجَتَه) [1097] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (1/95). .
وفي كُتُبِهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُحِبُّ الفألَ، ويَكرَهُ الطِّيَرةَ، وكان عليه السَّلامُ يأمُرُ مَن رَأى شَيئًا يَكرَهُه ويتَطَيَّرُ منه أن يقولَ: ((اللهمَّ لا يُؤتي الخَيرَ إلَّا أنت، ولا يدفعُ السَّيِّئاتِ إلَّا أنت، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا بك)) [1098] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (92/2). .
فهذا تَناقُضٌ واضِحٌ بَيْنَ تلك الرِّواياتِ الوارِدةِ عن أئِمَّتِهم، ولكِنْ مَبدَأُ التَّقيَّةِ وغَيرُه مِمَّا يُعَطِّلُ الاستِفادةَ مِن هذه النُّصوصِ وأمثالِها مِنَ الحَقِّ الذي تَضَمَّنَته كُتُبُهم.

انظر أيضا: