موسوعة الفرق

الفرعُ الرَّابعُ: إكرامُ عُثمانَ لعَليٍّ والحَسَنِ والحُسَينِ ودفاعُهم عنه


كان عُثمانُ بنُ عَفَّانَ يُكرِمُ عَليًّا والحَسَنَ والحُسَينَ، ويَعرِفُ قَدرَهم رضي اللَّهُ عنهم جميعًا، وقد وردت رواياتٌ في ذلك في كتُبِ الشِّيعةِ؛ منها:
1- أنَّ عُثمانَ أعان عليًّا في زواجِه، فذَكَروا قصَّةً فيها أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لعَليٍّ: بِعْ دِرْعَك وائتِني بثَمَنِها حتَّى أهيِّئَ لك ولابنتي فاطمةَ ما يُصلِحُكما، قال عليٌّ: فأخَذْتُ دِرعي فانطلَقْتُ به إلى السُّوقِ، فبِعْتُه بأربعِمائةِ درهَمٍ من عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، فلمَّا قبضتُ الدَّراهِمَ منه وقَبَض الدِّرعَ مني قال: يا أبا الحَسَنِ، ألسْتُ أَولى بالدِّرعِ منك، وأنت أَولى بالدَّراهِمِ منِّي؟ فقلتُ: نعم، قال: فإنَّ هذا الدِّرعَ هَديَّةٌ مني إليك، فأخَذْتُ الدِّرعَ والدَّراهِمَ وأقبَلْتُ إلى رسولِ اللَّه فطرَحْتُ الدِّرعَ والدَّراهِمَ بَيْنَ يديه، وأخبَرءتُه بما كان من أمرِ عُثمانَ، فدعا له النَّبيُّ بخيرٍ [1051] يُنظر: ((المناقب)) للخوارزمي (ص: 252)، ((كشف الغمة)) للأربلي (1/359)، ((بحار الأنوار)) للمجلسي (ص: 39). .
2- عن عليٍّ الرِّضا الإمامِ الثَّامِنِ عِندَ الشِّيعةِ أنَّه قال: (إنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ عامرِ بنِ كريزٍ لمَّا افتتح خراسانَ أصاب ابنَتَين ليَزْدِجردَ بنِ شَهريارَ مَلِكِ الأعاجمِ، فبعث بهما إلى عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، فوهب إحداهما للحَسَنِ، والأخرى للحُسَينِ، فماتتا عِندَهما نفساوَينِ) [1052] يُنظر: ((تنقيح المقال في علم الرجال)) للمقامقاني (3/80). .
وقد دافَع عليٌّ والحَسَنُ والحُسَينُ عنه في محنتِه الأخيرةِ.
روى الشِّيعةُ في كتُبِهم أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ شارك بنفسِه في الدِّفاعِ عن عُثمانَ، فحضَرَ بنفسِه مرارًا، وطرد النَّاسَ عنه، وأنفَذ إليه ولَدَيه وابنَ أخيه عبدَ اللَّهِ بنَ جَعفَرٍ، وأنَّه نابَذَهم بيَدِه ولسانِه وبأولادِه [1053] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد (10/581)، ((شرح نهج البلاغة)) لابن ميثم البحراني (4/354). .
وذَكَروا أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: (واللَّهِ لقد دفَعْتُ عنه حتى حَسِبتُ أن أكونَ آثِمًا) [1054] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد (3/286). .
وذلك لأنَّ عُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه مَنَع مَن حَولَه من الدِّفاعِ عنه، وقال لهم: (أعزِمُ عليكم لَمَا رجَعْتُم فدفَعْتُم أسلِحَتَكم، ولزِمْتُم بيوتَكم) [1055] يُنظر: ((تاريخ خليفة بن خياط)) (1/151). .
ولمَّا منع البُغاةُ الطُّغاةُ عن عُثمانَ الماءَ خاطبهم عَليٌّ رَضيَ اللَّهُ عنه بقولِه: (أيُّها النَّاسُ، إنَّ الذي تفعلون لا يُشبِهُ أمرَ المُؤمِنين ولا أمرَ الكافِرين، إنَّ فارِسَ والرُّومَ لتؤسِرُ فتُطعِمُ وتَسقي، فواللَّهِ لا تَقطَعوا الماءَ عن الرَّجُلِ، وبعث إليه بثلاثِ قِرَبٍ مملوءةٍ ماءً مع فِتيةٍ من بني هاشمٍ) [1056] يُنظر: ((ناسخ التواريخ)) للمرزا تقي خان (2/531). ويُنظر: ((أنساب الأشراف)) للبلاذري (5/69). .
قال المسعوديُّ: (لمَّا بلغ عليًّا أنَّهم يريدون قَتْلَه بعَث بابنَيه الحَسَنِ والحُسَينِ مع مواليه بالسِّلاحِ إلى بابِه لنُصرتِه، وأمَرَهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزُّبَيرُ ابنَه عبدَ اللَّهِ، وطلحةُ ابنَه محمَّدًا، وأكثَرُ أبناءِ الصَّحابةِ أرسَلَهم آباؤهم اقتداءً بما ذَكَرْنا، فصدُّوهم عن الدَّارِ، فرُمِيَ مَن وصَفْنا بالسِّهامِ، واشتبك القومُ، وجُرِح الحَسَنُ، وشُجَّ قَنبَرٌ، وجُرِح محمَّدُ بنُ طلحةَ، فخَشِيَ القومُ أن يتعَصَّبَ بنو هاشمٍ وبنو أميَّةَ، فتركوا القومَ في القتالِ على البابِ، ومضى نفرٌ منهم إلى دارِ قومٍ من الأنصارِ فتسَوَّروا عليها، وكان ممَّن وصل إليه محمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ ورجلانِ آخران، وعند عُثمانَ زوجتُه، وأهلُه ومواليه مشاغِلُ بالقتالِ، فأخذ محمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ بلحيتِه، فقال: يا محمَّدُ، واللَّهِ لو رآك أبوك لساءَه مكانُك، فتراخَتْ يَدُه، وخرج عنه إلى الدَّارِ، ودخَل رجلانِ فوَجداه فقَتَلاه، وكان المصحَفُ بَيْنَ يَدَيه يقرأُ فيه، فصَعِدَت امرأتُه فصَرَخَت وقالت: قد قُتِل أميرُ المُؤمِنين! فدخل الحَسَنُ والحُسَينُ ومن كان معهما من بني أميَّةَ، فوجدوه قد فاضت نفسُه رَضِيَ اللَّهُ عنه، فبَكَوا، فبلغ ذلك عَليًّا وطلحةَ والزُّبيرَ وسَعدًا وغيرَهم من المهاجرين والأنصارِ، فاسترجع القومُ، ودخل عليٌّ الدَّارَ، وهو كالوالِهِ الحزينِ، وقال لابنَيه: كيف قُتِل أميرُ المُؤمِنين وأنتما على البابِ؟! ولطم الحَسَنَ، وضَرَب صَدْرَ الحُسَينِ، وشَتَم محمَّدَ بنَ طلحةَ، ولَعَن عبدَ اللَّهِ بنَ الزُّبَيرِ) [1057] ((مروج الذهب)) (2/344). .
وكان ممَّن دَفَن عُثمانَ الحَسَنُ بنُ عَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنهما؛ قال ابنُ أبي الحديدِ: (فخرج به ناسٌ يسيرُ من أهلِه، ومعهم الحَسَنُ بنُ عَليٍّ وابنُ الزُّبَيرِ وأبو جَهمِ بنُ حُذَيفةَ بَيْنَ المغرِبِ والعِشاءِ، فأتَوا به حائطًا من حيطانِ المدينةِ يُعرَفُ بحُشِّ كوكبٍ، وهو خارِجَ البقيعِ، فصَلَّوا عليه) [1058] ((شرح نهج البلاغة)) (1/198). .



انظر أيضا: