موسوعة الفرق

المبحَثُ الثَّاني: أثَرُ التَّشيُّعِ الإماميِّ في الأخبارِ والمرويَّاتِ


تُشَكِّلُ النَّزعةُ المَذهَبِيةُ -أيًّا كانت- مورِدًا من موارِدِ الزَّلَلِ والتَّحريفِ والكَذِبِ في كتابةِ التَّاريخِ وفَهمِه، فصاحِبُ النَّزعةِ يحاوِلُ -بقَصدٍ أو دونَ قَصدٍ- أن يفسِّرَ الحَدَثَ وَفقَ هواه، ويصوِّرَ الأمورَ وَفْقَ نَزعتِه.
قال ابنُ خَلدونَ: (لمَّا كان الكَذِبُ متطَرِّقًا للخَبَرِ بطبيعتِه، وله أسبابٌ تقتضيه، وإنما التَّشيُّعاتُ للآراءِ والمذاهِبِ؛ فإنَّ النَّفسَ إذا كانت على حالِ الاعتدالِ في قَبولِ الخَبَرِ أعطَتْه حَقَّه من التَّمحيصِ والنَّظَرِ حتَّى تتبيَّنَ صِدقَه من كَذِبِه، وإذا خامَرها تشيُّعٌ لرأيٍ أو نِحلةٍ قَبِلَت ما يوافِقُها من الأخبارِ لأوَّلِ وَهلةٍ، وكان ذلك الميلُ والتَّشيُّعُ غطاءً على عينِ بصيرتِها من الانتقادِ والتَّمحيصِ، فتَقَعُ في قَبولِ الكَذِبِ ونَقلِه) [597] ((مقدمة ابن خلدون)) (ص: 35). .
قال ابنُ تَيميَّةَ عن الشِّيعةِ الرَّافِضةِ أنَّهم: (أكذَبُ فِرَقِ الأمَّةِ، فليس في الطَّوائِفِ المنتَسِبةِ إلى القِبلةِ أكثَرُ كَذِبًا ولا أكثَرُ تصديقًا للكَذِبِ وتكذيبًا للصِّدقِ منهم، وسِيْما النِّفاقِ فيهم أظهَرُ منه في سائِرِ النَّاسِ، وهي التي قال فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا اؤتُمِن خان)) [598] أخرجه البخاري (33) ومسلم (59) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وفي روايةٍ: ((أربَعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافِقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كانت فيه خَصلةٌ من النِّفاقِ حتَّى يدَعَها: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا عاهَدَ غَدَر، وإذا خاصَمَ فَجَر)) [599] أخرجه البخاري (3178) ومسلم (58) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وكُلُّ من جَرَّبَهم يعرِفُ اشتمالَهم على هذه الخِصالِ؛ ولهذا يَستعمِلون التَّقيَّةَ التي هي سِيْما للمُنافِقين واليهودِ، ويستعمِلونها مع المُسلِمين، يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: 11] ، ويحلِفون ما قالوا وقد قالوا، ويحلِفون باللَّهِ ليُرضوا المُؤمِنين واللَّهُ ورسولُه أحَقُّ أن يُرضوه) [600] ((مجموع الفتاوى)) (28/479). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (العُلَماءُ كُلُّهم مُتَّفِقون على أنَّ الكَذِبَ في الرَّافِضةِ أظهَرُ منه في سائِرِ طوائِفِ أهلِ القِبلةِ، ومن تأمَّل كُتُبَ الجرحِ والتَّعديلِ المُصنَّفةَ في أسماءِ الرُّواةِ والنَّقَلةِ وأحوالِهم، مِثلَ كُتُبِ يحيى بنِ مَعينٍ، والبُخاريِّ، وأبي أحمدَ بنِ عَديٍّ، والدَّارَقُطنيِّ، وإبراهيمَ بنِ يَعقوبَ الجَوْزَجانيِّ، ويعقوبَ بنِ سُفيانَ الفَسَويِّ، وأحمدَ بنِ صالحٍ العِجليِّ، والعُقَيليِّ، ومُحمَّدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمَّارٍ المَوصِليِّ، والحاكِمِ النَّيسابوريِّ، والحافِظِ عبدِ الغَنيِّ بنِ سَعيدٍ المِصريِّ، وأمثالِ هؤلاء الذين هم جهابِذةٌ ونُقَّادٌ، وأهلُ مَعرفةٍ بأحوالِ الإسنادِ- رأى المعروفَ عِندَهم بالكَذِبِ في الشِّيعةِ أكثَرَ منهم في جميعِ الطَّوائِفِ، حتَّى إنَّ أصحابَ الصَّحيحِ كالبُخاريِّ لم يَرْوِ عن أحَدٍ من قُدَماءِ الشِّيعةِ، مِثلُ عاصِمِ بنِ ضَمرةَ، والحارِثِ الأعوَرِ، وعبدِ اللَّهِ بنِ سَلَمةَ، وأمثالِهم، مع أنَّ هؤلاء من خيارِ الشِّيعةِ، وإنَّما يروي أصحابُ الصَّحيحِ حديثَ عليٍّ عن أهلِ بيتِه، كالحَسَنِ، والحُسَينِ، ومُحمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ، وكاتِبِه عُبَيدِ اللَّهِ بنِ أبي رافعٍ، أو عن أصحابِ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، كعَبيدةَ السَّلمانيِّ، والحارِثِ بنِ قَيسٍ، أو عمَّن يُشبِهُ هؤلاء، وهؤلاء أئِمَّةُ النَّقلِ ونُقَّادُه من أبعَدِ النَّاسِ عن الهوى، وأخبَرِهم بالنَّاسِ، وأقوَلِهم بالحَقِّ، لا يخافون في اللَّهِ لومةَ لائِمٍ) [601] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) (1/66، 67). .
أقوالٌ للسَّلَفِ حَولَ كَذِبِ الشِّيعةِ
1- قال مالِكٌ حينَ سُئِل عن الرَّافِضةِ: (لا تُكَلِّمْهم ولا تَرْوِ عنهم؛ فإنَّهم يَكذِبون) [602] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/60). .
وكان مالِكٌ يقولُ: (نَزِّلوا أحاديثَ أهلِ العِراقِ مَنزلةَ أحاديثِ أهلِ الكتابِ، لا تُصَدِّقوهم ولا تُكَذِّبوهم) [603] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (2/467، 468). .
2- عن الشَّعبيِّ أنَّه قال: (ما رأيتُ أحمَقَ من الخَشَبيَّةِ [604] تقدَّم أنَّ الشِّيعةَ المختاريَّةَ كانوا يسمَّون الخَشَبيَّةَ؛ لتعظيمِهم كرسيًّا من الخشَبِ يزعمون أنَّه كرسيُّ عليِّ بنِ أبي طالبٍ. ولمَّا قُتِل زيدُ بنُ عليٍّ سنةَ 122 هـ بعد وفاةِ الشَّعبيِّ، وتمَّ صلبُه على خشبةٍ، نُسب أيضًا أتباعُ زيدٍ إليها، فقيل عنهم: الخَشَبيَّةُ. ، لو كانوا من الطَّيرِ لكانوا رَخَمًا، ولو كانوا من البهائِمِ لكانوا حُمُرًا، واللَّهِ لو طلَبْتُ منهم أن يملؤا هذا البيتَ ذَهَبًا على أن أكذِبَ على عليٍّ أعطَوني، وواللَّهِ ما أكذِبُ عليه أبدًا) [605] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/7، 8). .
3- عن الأعمَشِ قال: (أدركْتُ النَّاسَ وما يسمُّونَهم إلَّا الكذَّابين يعني أصحابَ المغيرةِ بنِ سَعيدٍ [606] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/16). ، وهم طائفةٌ من الرَّافِضةِ.
4- قال حمَّادُ بنُ سَلَمةَ: (حدَّثني شيخٌ للشِّيعةِ قال: كنَّا إذا اجتَمَعْنا استحَسَنَّا شيئًا جعَلْنا حديثًا) [607] يُنظر: ((الموضوعات)) لابن الجوزي (1/39). .
5- قال ابنُ المبارَكِ: (الدِّينُ لأهلِ الحديثِ، والكلامُ والحِيَلُ لأهلِ الرَّأيِ، والكَذِبُ للرَّافِضةِ) [608] ((المنتقى من منهاج الاعتدال)) (ص: 480). .
6- قال الشَّافعيُّ: (لم أرَ أحَدًا أشهدَ بالزُّورِ من الرَّافِضةِ) [609] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/16). .
7- قال يزيدُ بنُ هارونَ: (نكتُبُ عن كُلِّ صاحِبِ بِدعةٍ إذا لم يكُنْ داعيةً إلَّا الرَّافِضةَ؛ فإنَّهم يَكذِبون) [610] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/16). .
8- قال شَريكٌ الكوفيُّ: (احمِلِ العِلمَ عن كُلِّ مَن لَقِيتَ إلَّا الرَّافِضةَ؛ فإنَّهم يَضَعون الحديثَ، ويتَّخِذونه دينًا).
وعلَّق ابنُ تَيميَّة على كلامِ شَريكٍ بقَولِه: (شريكٌ هذا هو ابنُ عبدِ اللَّهِ القاضي، قاضي الكوفةِ، من أقرانِ الثَّوريِّ وأبي حنيفةَ، وهو من الشِّيعةِ، الذي يقولُ بلسانِه: أنا من الشِّيعةِ، وهذه شهادتُه فيهم) [611] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/16). .
وقد أكَّد ابنُ أبي الحديدِ رَغْمَ تشيُّعِه تأصُّلَ الكَذِبِ في الرَّافِضةِ، فقال: (إنَّ أصلَ الأكاذيبِ في أحاديثِ الفضائلِ كان من جِهةِ الشِّيعةِ؛ فإنَّهم وضَعوا في مبدأِ الأمرِ أحاديثَ مختَلَقةً في صاحِبِهم، وحمَلَهم على وَضعِها عداوةُ خُصومِهم) [612] ((شرح نهج البلاغة)) (11/48-49). .

انظر أيضا: