موسوعة الفرق

الفرْعُ الأوَّلُ: الجوامِعُ الأربَعةُ القديمةُ


يدَّعي بعضُ الباحثين من الشِّيعةِ أنَّ عدَدَ الرُّواةِ عن جَعفَرٍ الصَّادِقِ بلَغ أربعةَ آلافِ رجلٍ، وانصرفت طائفةٌ كبيرةٌ من هؤلاء لضَبطِ ما رَوَوه عن الإمامِ سماعًا في كتابٍ خاصٍّ في مواضيعِ الفِقهِ والتَّفسيرِ والعقائدِ وغيرِها، وقد اصطلح التَّاريخُ الشِّيعيُّ على تَسميةِ هذه الكُتُبِ بالأصولِ، وادَّعوا أنَّ عدَدَها بلغ أربعَمائةِ أصلٍ، وأنَّ مُؤلِّفيها كانوا من أصحابِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وأنَّ عُلَماءَهم اعتمدوا عليها في معرفةِ الرِّواياتِ الواردةِ عن جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وأنَّه قد ذهب معظَمُ تلك الأصولِ الأربعِمائةِ، لكِنَّ ذلك لا يَضُرُّ؛ لأنَّه لخَّصها جماعةٌ من العُلَماءِ في كُتُبٍ خاصَّةٍ، واعتبروا أنَّ أحسَنَ ما جمَع تلك الأصولَ الأربعَمائةِ أربعةُ كُتُبٍ، هي:
الكافي، والتَّهذيبُ والاستبصارُ، ومَن لا يحضُرُه الفقيهُ [444] يُنظر: ((دراسة حول الأصول الأربعمائة)) للجلالي (ص: 7). .
وهذه الكتُبُ الأربعةُ المعتَمَدةُ عِندَ الشِّيعةِ قد ظهرت في القرنينِ الرَّابعِ والخامِسِ للهجرةِ، وأصحابُها يرون صِحَّةَ ما أثبتوا في كُتُبِهم من رواياتٍ، ولا يميِّزون بَيْنَ صحيحِها وسقيمِها. قال الفيضُ الكاشانيُّ: (إنَّ مدارَ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ اليومَ على هذه الأصولِ الأربعةِ، وهي المشهودُ عليها بالصِّحَّةِ من مؤلِّفيها) [445] ((الوافي)) (1/11). .
وقال عنها أغا بزرك الطِّهرانيُّ: (الكتُبُ الأربعةُ والمجاميعُ الحديثيَّةُ التي عليها استنباطُ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ حتى اليومِ) [446] ((الذريعة إلى تصانيف الشيعة)) (2/14). .
لكِنَّ غالِبَها في الواقعِ رواياتٌ مكذوبةٌ على الأئِمَّةِ لانقطاعِ أسانيدِها، أو لاتِّصالِها بالرُّواةِ الضُّعَفاءِ والكذَّابين والمجروحين والمجهولين، وغالِبُ تلك الرِّوايات يتفرَّدُ به بعضُ الرُّواة الشِّيعةِ دونَ غيرِه من أقرانِه، فيروي ما لا يُعرَفُ عن شيخِه من غيرِ طريقِه، وما لا يُعرَفُ عن شيخِ شَيخِه من غيرِ طريقِه، وهذا التَّفرُّدُ من أعظَمِ الأدِلَّةِ على كَذِبِ الرَّاوي أو وَهمِه وخَطَئِه.
الكتابُ الأوَّلُ: الكافي
لأبي جَعفَرٍ مُحمَّدِ بنِ يَعقوبَ الكُلينيِّ، الملقَّبِ بحُجَّةِ الإسلامِ وثقتِه، المتوفَّى سنةَ 329هـ.
وهو أشهَرُ كُتُبِ الحديثِ عِندَ الشِّيعةِ الاثْنَي عَشْريَّةِ وأصَحُّها عِندَهم، والكتابُ مطبوعٌ، وله شروحٌ وحواشٍ كثيرةٌ، منها شَرحُ أُصولِ الكافي للمازندرانيِّ في 12 مجلَّدًا، وشَرحُ أُصولِ الكافي للشِّيرازيِّ، والشَّافي في شَرحِ أصولِ الكافي لعبدِ الحُسَينِ المظَفَّر، ومرآةُ العقولِ لمُحمَّد باقِر المجلِسيِّ.
وكتابُ الكافي على ثلاثةِ أقسامٍ وثمانيةِ أجزاءٍ
القِسمُ الأوَّلُ في الأصولِ، ويُسمَّى أصولَ الكافي.
القِسمُ الثَّاني يُسمَّى فروعَ الكافي.
القِسمُ الثَّالثُ يُسمَّى الرَّوضةَ.
والجزءُ الأوَّلُ والثَّاني من كتابِ الكافي هو في الأصولِ، والجزءُ الثَّالثُ إلى الجزءِ السَّابعِ في الفُروعِ الفِقهيَّةِ، والجزءُ الثَّامنُ من الكافي هو الرَّوضةُ التي قال حُسَين علي محفوظ في بيانها: (لمَّا أكمَل الكُلينيُّ كتابَه هذا، وأتَمَّ رَدَّ موادِّه إلى فصولِها، بقِيَت زياداتٌ كثيرةٌ من خُطَبِ أهلِ البَيتِ، ورسائِلِ الأئِمَّةِ، وآدابِ الصَّالحين، وطرائِفِ الحِكَمِ، وألوانِ العِلمِ، ممَّا لاينبغي تركُه، فألَّف هذا المجموعَ الأُنُفَ، وسمَّاه الرَّوضةَ؛ لأنَّ الرَّوضةَ مَنبتُ أنواعِ الثَّمَرِ، ومَعدِنُ ألوانِ الزَّهرِ، والرَّوضةُ على كُلِّ حالٍ مرجِعٌ قيِّمٌ، وأصلٌ شريفٌ) [447] ((مقدمة الروضة من الكافي)) (ص: 9). .
ولكنِ اختلف الشِّيعةُ الاثنا عَشْريَّةُ هل قِسمُ (الروضة) من تأليفِ الكُلينيِّ أم هو زائدٌ على كتابِه الكافي فأضيفَ إليه لاحقًا ولم يُؤَلِّفْه [448] يُنظر: ((روضات الجنات)) للخوانساري (6/188-176). ؟!
كما أنَّ شَيخَهم الثِّقةُ عِندَهم حُسَين بنُ حيدَر الكركيُّ العامليُّ (ت 1076ه‍) قال: (إنَّ كتابَ الكافي خمسون كتابًا) [449] يُنظر: ((روضات الجنات)) للخوانساري (6/114). ، بينما نرى شيخَهم الطُّوسيُّ (ت 360ه‍) يقولُ: (كتابُ الكافي مشتَمِلٌ على ثلاثين كتابًا) [450] ((الفهرست)) (ص: 161). .
فهل هذا يعني أنَّه زِيدَ في كتابِ الكافي للكُلينيِّ فيما بَيْنَ القَرنِ الخامِسِ، والحادِيَ عَشَرَ عشرون كتابًا؟ مع أنَّ كُلَّ كتابٍ يَضُمُّ عَشَراتِ الأبوابِ، وكُلُّ بابٍ يَشمَلُ مجموعةً من الأحاديثِ.
وقد بلغت أحاديثُ الكافي (16199) [451] يُنظر: ((مستدرك الوسائل)) للنوري (3/432)، ((وسائل الشيعة)) للعاملي (20/71)، ((أعيان الشيعة)) للعاملي (1/280)، ((الذريعة إلى تصانيف الشيعة)) للطهراني (17/245). ، غالِبُها رواياتٌ عن أبي عبدِ اللَّهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وقليلٌ منها عن أبيه الباقِرِ، وتوجَدُ أحاديثُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قليلةٌ جِدًّا، وكذلك الرِّواياتُ التي عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ والحَسَنِ والحُسَينِ رضي اللَّهُ عنهم قليلةٌ جِدًّا، وغالِبُ رواياتِ الكِتابِ كَذِبٌ صريحٌ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهلِ بيتِه، وفيه رواياتٌ كُفريَّةٌ، مثلُ الرِّواياتِ التي فيها الطَّعنُ في كتابِ اللَّهِ سُبحانَه، وإثباتُ نَقصِه وتحريفِه. واللَّهُ المستعانُ!
الكتابُ الثَّاني: من لا يحضُرُه الفقيهُ
لمُحمَّدِ بنِ بابَوَيهِ القُمِّيِّ الملقَّبِ بالصَّدوقِ، المتوفَّى سنةَ 381هـ.
والكتابُ مطبوعٌ وله شروحٌ ومختَصَراتٌ وتعقُّباتٌ، فمن شروحِه: روضةُ المتَّقين في شرحِ مَن لا يحضُرُه الفقيهُ للمَجلِسيِّ، ومن مختَصَراتِه كتابُ: صحيح من لا يحضُرُه الفقيهُ للبهبوديِّ، ومن الكُتُبِ التي فيها تعقُّباتٌ على بعضِ ما فيه كتاب: التَّنبيه على غرائِبِ من لا يحضُرُه الفقيهُ للبَحرانيِّ الشِّيعيِّ.
وقد اشتمل هذا الكتابُ على (176) بابًا، أوَّلُها بابُ الطَّهارةِ، وآخِرُها بابُ النَّوادرِ، وبلَغَت أحاديثُه (9044) حديثًا، وقد ذَكَر مؤلِّفُه في مقَدِّمةِ كتابِه أنَّه ألَّفه بحذفِ الأسانيدِ لئلَّا تَكثُرَ طُرُقُه، وأنَّه استخرجه من كتُبٍ مشهورةٍ عِندَهم وعليها المُعَوَّلُ، وأنَّه لم يُورِدْ فيه إلَّا ما يؤمِنُ بصِحَّتِه [452] يُنظر: مقدمة كتاب ((من لا يحضره الفقيه))، ((روضات الجنات)) للخوانساري (6/230-237)، ((أعيان الشيعة)) للعاملي (1/280). .
الكتابُ الثَّالثُ: تهذيبُ الأحكامِ
لأبي جَعفَرٍ مُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ الطُّوسيِّ، الملقَّبِ بشَيخِ الطَّائفةِ، المتوفَّى سنةَ 460هـ.
والكتابُ مطبوعٌ وله شروحٌ وحواشٍ كثيرةٌ.
وقد ألَّف الطُّوسيُّ هذا الكتابَ لمعالجةِ التَّناقُضِ والاختلافِ الواقِعِ في رواياتِ الشِّيعةِ، وبلغت أبوابُه (393) بابًا، أمَّا عددُ أحاديثِه فهو (13950) حديثًا [453] يُنظر: مقدمة كتاب ((تهذيب الأحكام))، ((مستدرك الوسائل)) للنوري الطبرسي (4/719)، ((الذريعة إلى تصانيف الشيعة)) للطهراني (4/504). .
الكتابُ الرَّابعُ: الاستبصارُ فيما اختُلِف من الأخبارِ
لأبي جَعفَرٍ مُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ الطُّوسيِّ أيضًا، وهو مطبوعٌ.
وقد بلغت أبوابُه (393) بابًا، وحَصَر المؤلِّفُ أحاديثَه بـ(5511)، وقال: (حصَرْتُها لئلَّا يقَعَ زيادةٌ أو نُقصانٌ)، وقد جاء في كتابِ الذَّريعةِ أنَّ أحاديثَه (6531)، وهو خلافُ ما قاله المؤلِّفُ [454] يُنظر: مقدمة كتاب ((تهذيب الأحكام))، ((أعيان الشيعة)) للعاملي (1/280)، ((الذريعة إلى تصانيف الشيعة)) للطهراني (2/14). .

انظر أيضا: