موسوعة الفرق

المَطلَبُ الخامِسُ: أدِلَّةُ الإباضيَّةِ على تكفيرِ المُذنِبين كُفرَ نِعمةٍ والرَّدُّ عليها


فيما يتعَلَّقُ بأدِلَّةِ الإباضيَّةِ على مَذهَبِهم من القرآنِ الكريمِ؛ فقد ذَكَر علي يحيى مَعمَر منها قولَه تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: 97] ، وقَولَه تعالى: لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 40] ، وقولَه تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] .
وقد أَوَّل كُلَّ ما ورد في هذه النُّصوصِ من كتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أنَّها واردةٌ في كُفْرِ النِّعمةِ؛ ولهذا يقولُ: (يَحسَبُ كثيرٌ ممَّن لا عِلمَ له أنَّ الإباضيَّةَ يتَّفِقون مع الخَوارِجِ في تكفيرِ العُصاةِ كُفرَ شِركٍ، ولا يَعرِفون أنَّ الإباضيَّةَ يُطلِقون كَلِمةَ الكُفرِ على عُصاةِ المُوَحِّدين الذين يَنتَهِكون حُرُماتِ اللهِ، ويَقصِدون بذلك كُفْرَ النِّعمةِ) [571] ((الإباضية في موكب التاريخ)) لمعمر (1/89). .
قال ابنُ حزمٍ: (وما نَعلَمُ لِمن قال: هو مُنافِقٌ، حُجَّةً أصلًا، ولا لِمن قال: إنَّه كافِرُ نِعمةٍ، إلَّا أنَّهم نزعوا بقولِ اللهِ تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ [إبراهيم: 28-29] ... وهذا لا حُجَّةَ لهم فيه؛ لأنَّ كُفْرَ النِّعمةِ عَمَلٌ يَقَعُ من المُؤمِنِ والكافِرِ) [572] ((الفصل)) (3/231). .
وقد أورد الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ الإباضيُّ في مُسنَدِه أحاديثَ كثيرةً يستدِلُّ بها على صِحَّةِ مَذهَبِ الإباضيَّةِ، وكثيرٌ منها قد استدلَّ به غيرُهم من الخَوارِجِ على تكفيرِ العُصاةِ كُفرَ مِلَّةٍ، فقد أورد المؤلِّفُ تحتَ قولِه: (بابُ الحُجَّةِ على من قال: إنَّ أهلَ الكبائِرِ ليسوا بكافِرين) عِدَّةَ أحاديثَ تحتَ هذه التَّرجمةِ لم يَذكُرْ أسانيدَ الكثيرِ منها، ومنها ما يأتي:
1- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا قال رجُلٌ لرجُلٍ: أنت عدوِّي، فقد كفَر أحَدُهما)) [573] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (746). وأخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (421)، والخلال في ((السنة)) (1478)، واللَّالَكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (1899) باختلافٍ يسيرٍ موقوفًا على عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (324). .
2- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا لأصحابِه: ((لا تَرجِعوا بعدي كُفَّارًا يَضرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ )) [574] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (756). وأصله في صحيح البخاري (121)، ومُسلِم (65) من حديثِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه. .
3- كان ابنُ مسعودٍ يروي عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الرِّشْوةُ في الحُكمِ كُفرٌ)) [575] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (759). وأخرجه سعيد بن منصور في ((السنن - التفسير)) (740)، والطبراني (9/257) (9100) موقوفًا على عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّح إسنادَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/195)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (394)، وحَسَّنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2213). .
4- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا زنا الزَّاني سُلِب الإسلامَ، فإذا تاب أُلبِسَه)) [576] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (766) والحديثُ رُوِي بمعناه من حديثِ أبي هُرَيرةَ بلفظ: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا زنى الرَّجُلُ خرَج منه الإيمانُ كان عليه كالظُّلَّةِ، فإذا انقلَع رجَع إليه الإيمانُ)). أخرجه أبو داود (4690) واللَّفظُ له، والترمذي معلَّقًا بعد حديث (2625). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4690)، وصحَّح إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/62)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4690)، وقال الذهبي في ((الكبائر)) (164): على شرط البخاري ومُسلِم. .
5- عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا إيمانَ لِمن لا صلاةَ له)) [577] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (302) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما وأخرجه عبد الملك بن حبيب في ((الواضحة)) كما في ((نتائج الأفكار)) لابن حجر (1/231) من حديثِ أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه وضعَّفه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/231). وأخرجه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (18/27) من حديثِ أبي بكرِ بنِ حُويطِبٍ. قال ابنُ عساكر: غريبٌ من هذا الوجهِ. .
6- عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليس بَينَ العبدِ والكُفرِ إلَّا تَركُ الصَّلاةِ )) [578] أخرجه الرَّبيعُ بنُ حَبيبٍ في ((المسند)) (303) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. وأصله في صحيح مُسلِم (82) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما؛ بلفظ: ((إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وبَيْنَ الشِّركِ والكُفرِ تَرْكَ الصَّلاةِ)). .
وبغَضِّ النَّظَرِ عن مدى صِحَّةِ هذه الأحاديثِ أو بعضِها، فإنَّ الوصفَ بالكُفْرِ الوارِدَ في هذه الأحاديثِ وغَيرِها قد حمله الإباضيَّةُ على كُفْرِ النِّعمةِ لا كُفْرِ المِلَّةِ.

انظر أيضا: