الموسوعة الفقهية

الفرعُ السادسُ: أوقاتُ الصلاةِ في البلادِ التي يخرجُ فيها الليلُ والنهارُ عن المعتادِ


المسألةُ الأولى: أوقاتُ الصلاةِ في البلادِ التي يطولُ فيها النَّهارُ جدًّا أو العكس
إذا كانت البلدُ يطولُ فيه النَّهار جدًّا أو العكس، لكن يتمايزُ فيه الليلُ مِن النَّهار بطلوعِ فجرٍ، وغروبِ شمسٍ خلالَ أربعٍ وعشرين ساعةً، فيجبُ على أهلِه أن يصلُّوا الصلواتِ الخمسَ في أوقاتِها المعروفةِ، وهو قولُ ابن بازٍ قال ابنُ باز: (أمَّا المكانُ الذي يَقْصُر فيه اللَّيلُ ويَطولُ فيه النَّهارُ أو العكس، في أربعٍ وعشرينَ ساعةً فحُكْمُه واضحٍ: يُصَلُّون فيه كسائِرِ الأيَّامِ، ولو قَصُرَ اللَّيلُ جدًّا أو النَّهارُ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/395). ، وبه صدر قرارُ هيئةِ كبار العلماء نصُّ قرارِ هيئة كبارِ العلماء: (من كان يُقيمُ في بلادٍ يتمايزُ فيها اللَّيلُ من النَّهارِ بطُلُوعِ فَجْرٍ وغُروبِ شَمْسٍ إلا أنَّ نَهارَها يَطولُ جدًّا في الصَّيفِ ويَقْصُر في الشِّتاء؛ وَجَبَ عليه أن يُصَلِّيَ الصَّلواتِ الخَمْسَ في أوقاتها المعروفة شرعًا) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (6/133). وهو قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ القرارُ الثَّالثُ حول أوقاتِ الصلواتِ والصِّيام في البلاد ذات خُطُوطِ العَرْض العاليةِ الدَّرَجات. قراراتُ المجمع الفقهيِّ الإسلاميِّ بمكَّة المكرمة (الدَّوْرات من الأولى إلى السابعةَ عَشْرَةَ- القرارات من الأوَّل إلى الثاني بعد المائة) (1398-1424هـ) (1977- 2004م) (ص: 93)
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتاب
1- عمومُ قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[الإسراء: 78]
2- عمومُ قوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء: 103]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن بُريدةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سألَه رَجُلٌ عن وَقْتِ الصَّلاةِ، فقال له: ((صلِّ معنا هذينِ)) يعني: اليومينِ، فلمَّا زالَتِ الشَّمْسُ أمَرَ بلالًا فأذَّنَ، ثم أمَرَه فأقامَ الظُّهْرَ، ثم أمَرَه فأقامَ العَصْرَ والشَّمْسُ مرتفعةٌ بيضاءُ نقيَّةٌ، ثمَّ أَمَرَه فأقامَ المغْرِبَ حين غابَتِ الشَّمْسُ، ثم أمَرَه فأقامَ العِشاءَ حين غاب الشَّفَقُ، ثم أمَرَه فأقامَ الفَجْرَ حين طَلَعَ الفجرُ، فلمَّا كان اليومُ الثَّاني أَمَرَه أن يُبْرِدَ بالظُّهْرِ فأبَرَدَ بها، فأنعَمَ أن يُبْرِدَ بها وصلَّى العصرَ والشَّمْسُ مرتفعةٌ، أخَّرَها فوق الذي كان، وصلَّى المغرِبَ قبل أن يَغيبَ الشَّفَقُ، وصلَّى العِشاءَ بعد ما ذهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ، وصلَّى الفجْرَ فأسفَرَ بها، ثم قال: أين السَّائِلُ عن وقتِ الصَّلاةِ؟ فقال الرجُلُ: أنا يا رسولَ اللهِ. قال: وقتُ صلاتِكم بينَ ما رأيتُم أخرجه مسلم (613)
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((وَقْتُ الظُّهْرِ إذا زالَتِ الشَّمْسُ وكان ظِلُّ الرَّجُلِ كطُولِه ما لم يحْضُرِ العَصْرُ، ووقْتُ العَصْرِ ما لم تصْفَرَّ الشَّمْسُ، ووَقْتُ صلاةِ المَغْرِب ما لم يَغِبِ الشَّفَقُ، ووقْتُ صلاةِ العِشاءِ إلى نِصْفِ اللَّيلِ الأَوْسَطِ، ووقتُ صَلاةِ الصُّبْحِ من طلوعِ الفَجْرِ ما لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فإذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فأمْسِكْ عن الصَّلاةِ؛ فإنَّها تَطْلُعُ بين قَرْنَي شيطانٍ )) أخرجه مسلم (612)
وَجْهُ الدَّلالَة من الحديثين:
النُّصوصُ - ومنها هذانِ الحديثان -لم تفرِّقْ بين طُولِ النَّهار وقِصَرِه، وطولِ اللَّيلِ وقِصَرِه ما دامت أوقاتُ الصلواتِ متمايزةً بالعلاماتِ التي بيَّنَها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (6/134).
المسألة الثانية: أوقاتُ الصلاةِ في البلادِ التي يستمرُّ فيها اللَّيلُ أو النَّهارُ
البلدُ الذي يستمرُّ فيه اللَّيلُ أو النَّهارُ أربعًا وعشرين ساعةً فأكثرَ، يجبُ على أهلِه أن يصلُّوا الصلواتِ الخمسَ في كلِّ أربعٍ وعشرينَ ساعةً، وأن يَقْدُروا لها أوقاتَها، على حَسَبِ أقرَبِ البلادِ إليهم، مما يكونُ فيه ليلٌ ونهارٌ يتمايزانِ في أربعٍ وعشرين ساعةً، وهو قولُ ابن بازٍ قال ابن باز: (الواجِبُ على سكَّانِ هذه المناطق التي يطولُ فيها النَّهارُ أو اللَّيلُ أن يُصَلُّوا الصلواتِ الخمسَ بالتقديرِ إذا لم يكن لديهم زوالٌ ولا غروبٌ لمدَّة أربعٍ وعشرينَ ساعةً) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/394). ، وابنِ عثيمين قال ابن عثيمين: (فهؤلاء الذين يكون عندهم اللَّيلُ ستَّةَ أشهرٍ والنَّهارُ ستَّةَ أشهُرٍ، نقول: اقْدُروا قَدْرَه، ولكِنْ بماذا نَقْدُر؟ هل نقدر بالمتوسِّط، ونقول: اثنتا عشرة ساعةً، اعتبروه نهارًا، واثنتا عشرةَ ساعةً اعتَبِروه ليلًا، لأنَّه لَمَّا سَقَطَ التعيينُ بعدمِ وجود الفارقِ رجَعْنا إلى الوَسَط، أو نعتبِرُ بهذا أقرَبَ البلادِ إلى هذه المنطقة مِمَّن لهم ليلٌ ونهارٌ، أو نعتبر بهذا مكَّةَ؛ لأنَّ الله تعالى سمَّاها أم القرى، على أقوالٍ ثلاثة: وليس هناك شيءٌ قاطِعٌ؛ أنَّ أحَدَ هذه الثلاثة أصَحُّ، لكنْ أقْرَب شيءٍ عندي- واللهُ أعلم- أن نعتَبِرَ بالبلادِ القريبةِ منهم التي فيها ليلٌ ونهارٌ) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 204). ، وبه صدر قرارُ هيئةِ كبارِ العُلماءِ نصُّ قرارِ هيئةِ كبارِ العُلماءِ: (مَن كان يُقيمُ في بلادٍ لا تغيبُ عنها الشَّمسُ صيفًا ولا تطلُعُ فيها الشَّمْسُ شتاءً، أو في بلادٍ يستمِرُّ نهارُها إلى ستَّةِ أشهُرٍ، ويستمِرُّ ليلُها ستَّةَ أشهُرٍ مثلًا؛ وجَبَ عليهم أن يُصَلُّوا الصَّلواتِ الخمسَ في كلِّ أربعٍ وعشرين ساعة، وأن يَقْدُروا لها أوقاتَها ويُحَدِّدوها؛ معتمدينَ في ذلك على أقرَبِ بلادٍ إليهم تتمايَزُ فيها أوقاتُ الصَّلواتِ المفروضَةِ بعضِها من بعض) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (6/136). وهو قرارُ المجمعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ القرارُ الثَّالِثُ حول أوقاتِ الصَّلواتِ والصِّيامِ في البلاد ذاتِ خُطوطِ العَرْضِ العاليةِ الدَّرجاتِ. قرارات المجمع الفقهيِّ الإسلاميِّ بمكَّة المكَرَّمة (الدورات من الأولى إلى السابعةَ عَشْرَة- القراراتُ من الأوَّل إلى الثاني بعد المائة) (1398-1424هـ) (1977- 2004م) (ص: 93).
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن النَّوَّاسِ بن سَمْعان رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((ذكَرَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدَّجَّالَ ذاتَ غداةٍ..... إلى أن قال: قلنا يا رسولَ اللهِ وما لُبْثُه في الأرضِ؟ قال: أربعون يومًا؛ يومٌ كسَنَةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجمعةٍ، وسائرُ أيامِه كأيَّامِكم. قلنا: يا رسولَ اللهِ، فذلك اليومُ الذي كسنةٍ أتَكْفِينا فيه صلاةُ يومٍ؟ قال: لا، اقدُرُوا له قَدْرَه )) رواه مسلم (2937).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لم يعتَبِرِ اليومَ الذي كسنةٍ يومًا واحدًا تكفي فيه خمسُ صلواتٍ، بل أوجَبَ خَمْسَ صلواتٍ في كلِّ أربعٍ وعشرينَ ساعةً، وأمَرَهم أن يُوَزِّعوها على أوقاتِها اعتبارًا بالأبعادِ الزَّمنية التي بَيَّنَ أوقاتَها في اليوم العاديِّ. وكذلك الحالُ مع الصِّيامِ- على ما سبق بيانُه - إذ لا فارِقَ في ذلك بين الصَّوْمِ والصَّلاةِ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/299).
ثانيًا: وأمَّا كَوْنُ هذا التقديرِ مبنيًّا على أقرَبِ بلدٍ منهم، يكون فيه ليلٌ ونهارٌ يتعاقبانِ في أربعٍ وعشرين ساعة؛ فلأنَّ إلحاقَ البَلَدِ في جغرافِيَّته بما هو أقرَبُ إليه أَوْلَى من إلحاقِه بالبعيدِ؛ لأنَّه أقرَبُ شَبَهًا به من غيرِه ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/309).

انظر أيضا: