الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الخامس: أحكامُ الأداءِ في الوَقْتِ


الفَرعُ الأوَّل: تأخيرُ الصَّلاةِ إلى آخِرِ الوَقتِ
يجوزُ تأخيرُ الصَّلاةِ إلى آخِرِ الوقتِ بحيثُ تقَعُ جميعًا في الوقتِ باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّة [1202] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/86)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/384). والمالكيَّة [1203] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/39) والشافعيَّة [1204] ((المجموع)) للنووي (3/62). والحنابِلَة [1205] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/284) وقيَّد ذلك الحنابلةُ بما إذا لم يظُنَّ مانعًا من الصَّلاةِ؛ كموتٍ وقتلٍ وغيرِهما، فإذا انتَفَتْ هذه الموانعُ جازَ له تأخيرُها إلى أن يبقى قدْرُ فِعْلِها، لكِنْ بِشَرْطِ عَزْمِه على الفِعْلِ على الصَّحيحِ مِنَ المذهَبِ.
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((إنَّكم تَسيرونَ عَشيَّتَكم وليلتَكم..))، وذكر الحديث، وفيه: ((أمَا إنَّه ليس في النومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ على مَن لم يُصلِّ الصَّلاةَ حتى يجيءَ وقتُ الصَّلاةِ الأُخرى، فمَن فعَلَ ذلك فلْيُصلِّها حينَ ينتبهُ لها )) [1206] رواه البخاري (595)، ومسلم (681) واللفظ له.
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّه قال: سُئِلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن وقتِ الصلواتِ، فقال: ((وقتُ صلاةِ الفجرِ ما لم يَطلُعْ قرنُ الشمسِ الأوَّلُ، ووقتُ صلاةِ الظهرِ إذا زالتِ الشمسُ عن بَطنِ السَّماءِ، ما لم يَحضُرِ العصرُ.. )) [1207] رواه مسلم (612).
الفرعُ الثَّاني: القَدْرُ المُعتبَرُ في إدراكِ الصَّلاةِ قبلَ خروجِ الوقتِ
اختَلفَ أهلُ العِلمِ في ما يُدرَكُ به الوقتُ على قولينِ:
القول الأوّل: يُدرَكُ الوقتُ أداءً بإدراكِ تكبيرةِ الإحرامِ في الوقتِ، ولو وقعتْ بَقيَّةُ الصَّلاةِ خارجَ الوقتِ، وهذا مذهبُ الحنفيَّة [1208] ((حاشية ابن عابدين)) (2/63)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/84). ، والحنابلة [1209] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/257)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/144). ، ووجهٌ عند الشافعيَّة [1210] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/126).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أَدْرَكَ أحدُكم سجدةً مِن صلاةِ العصرِ، قبل أنْ تَغرُبَ الشمسُ، فليُتِمَّ صلاتَه، وإذا أدْرَكَ سجدةً من صلاةِ الصُّبحِ، قبلَ أن تَطلُعَ الشَّمسُ، فليُتِمَّ صلاتَه )) [1211] رواه البخاري (556)، ومسلم (608).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ إدراكَ تكبيرةِ الإحرامِ مِثلُ إدراكِ السَّجدةِ بجامعِ إدراكِ ما يَسعُ ركنًا ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/394).
ثانيًا: أنَّ الإدراكَ إذا تَعلَّقَ به حُكمٌ في الصَّلاة يَستوي فيه الركعةُ وما دُونها، كإدراكِ الجَماعةِ، وإدراكِ المسافرِ صلاةَ المقيمِ [1213] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/131)، ((المغني)) لابن قدامة (1/274).
ثالثًا: أنَّه إدراكُ حرمةٍ فاستوى فيه الركعةُ والتكبيرةُ ((المجموع)) للنووي (3/64).
القول الثاني: لا يُدركُ الوقتُ بأقلَّ مِن ركعةٍ، وهو مذهبُ المالكيَّة ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/101)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/35). ، وقولٌ للشَّافعيِّ اختاره المزني [1216] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/34)، ((المجموع)) للنووي (3/62). ، وروايةٌ عن أحمدَ [1217] قال ابنُ قُدامة: (وهل يُدرِكُ الصلاةَ بإدراك ما دون ركعة؟ فيه روايتان: إحداهما لا يُدركها بأقلَّ من ذلك) ((المغني)) (1/274). ، واختارَه ابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (المدرِكُ لركعةٍ من الصُّبح قبل أن تَطلُع الشَّمس، أو لركعة من العصر قَبل غروبها، كالمدرِك لوقتِ الصبح، ولوقت العصر، الوقت الذي يأثم بالتأخير إليه كأنَّه قد أدرك الوقتَ من أوَّله، وهذا لمن كان له عذرٌ من نسيان أو ضرورة) ((التمهيد)) (3/273، 281). وقال أيضًا: (مَن لم يدركْ من الوقت مقدارَ ركعة، وفاتَه ذلك بقدَرٍ من الله، فلا قضاءَ عليه) ((التمهيد)) (3/290). ، وابن تيمية قال ابنُ تيميَّة: (ومِنْ ذلك أنَّ الصَّلاةَ هل تُدْرَكُ بركعةٍ أو بأقَلَّ من ركعةٍ؟ فمذهَبُ مالكٍ أنَّها إنَّما تُدرَك بركعةٍ. وهذا هو الذي صحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حيث قال: من أدرَكَ ركعةً مِنَ الصَّلاةِ فقد أدرك الصَّلاةَ وقال: من أدرَكَ ركعةً مِنَ الفَجرِ قبلَ أن تطلُعَ الشَّمْسُ فقد أدرَكَ، ومن أدرك ركعةً مِنَ العَصْرِ قبل أن تغرُبَ الشمسُ فقد أدرك فمالِكٌ يقولُ في الجمعة والجماعةِ: إنَّما تُدرَك بركعةٍ، وكذلك إدراكُ الصَّلاةِ في آخِرِ الوَقتِ، وكذلك إدراكُ الوَقْتِ؛ كالحائضِ إذا طَهُرَت، والمجنونِ إذا أفاق قبل خروجِ الوَقت. وأبو حنيفةَ يُعَلِّقُ الإدراكَ في الجميع بمقدارِ التكبيرةِ حتى في الجمعةِ؛ يقول: إذا أدرَكَ منها مقدارَ تكبيرةٍ فقد أدرَكَها. والشافعي وأحمد يوافقانِ مالكًا في الجمعة ويختلف قولُهما في غيرها، والأكثرون من أصحابِهما يوافقونَ أبا حنيفةَ في الباقي. ومعلومٌ أنَّ قَوْلَ من وافق مالكًا في الجميعِ أصَحُّ نصًّا وقياسًا) ((مجموع الفتاوى)) (20/363). والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (ومفهومُ الحديثِ أنَّ من أدرك أقلَّ من ركعةٍ لا يكون مدرِكًا للوقت، وأنَّ صلاتَه تكون قضاءً، وإليه ذهب الجمهورُ. وقال البعضُ: أداءً، والحديث يردُّه) ((نيل الأوطار)) (2/28). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (يُدرَكُ الوقت بإدراك ركعةٍ؛ بمعنى أنَّ الإنسانَ إذا أدرَكَ من وقتِ الصَّلاةِ مقدارَ ركعة فقد أدرك تلك الصَّلاة...فدلَّتْ هذه الرواياتُ بمنطوقِها على أنَّ مَن أدرَكَ ركعةً من الوقت بسجْدَتَيها فقد أدرك الوَقْتَ، ودلَّت بمفهومِها على أنَّ مَن أدرَكَ أقلَّ من ركعةٍ لم يكُنْ مُدْرِكًا للوَقْتِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/248، 249).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن أَدْرَك مِن الصُّبحِ ركعةً قبلَ أن تَطلُعَ الشمسُ، فقدْ أدْركَ الصُّبحَ، ومَن أَدْركَ ركعةً من العصرِ قَبلَ أن تَغرُبَ الشَّمسُ، فقدْ أدركَ العَصرَ )) [1222] رواه البخاري (579)، ومسلم (608).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
قوله: ((مَن أدْركَ ركعةً)) مفهومُه: أنَّ مَن أدرك أقلَّ من ركعةٍ، فإنَّه لم يُدركِ الصَّلاةَ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/106)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/34).
ثانيًا: أنَّ إدراكَ الجمعةِ لَمَّا تَعلَّق بركعةٍ ولم يتعلَّق بأقلَّ منها وجَب أنْ يكونَ إدراكُ غيرها من الصلواتِ متعلقًا بركعةٍ، ولم يتعلَّقْ بأقلَّ منها ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/34).

انظر أيضا: