موسوعة الأخلاق والسلوك

غَدرُ اليَهودِ بالمسلِمينَ في عَهدِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


إنَّ المتَأمِّلَ لتاريخِ اليَهودِ والمتَتبِّعَ للأحداثِ التَّاريخيَّةِ يَجِدُ أنَّ الغَدرَ من أبرَزِ الصِّفاتِ التي اتَّصَفَت بها الأُمَّةُ اليَهوديَّةُ؛ فقد اشتَهَروا بالغَدرِ والخيانةِ لكُلِّ من يُخالفُهم، والقُرآنُ الكَريمُ قد بيَّنَ لنا حَقيقةَ هذه الأُمَّةِ، وسَردَ لنا الأحداثَ التي تُبَيِّنُ تَجَذُّرَ هذه الصِّفةِ القَبيحةِ فيهم.
وقد سَجَّلَ التَّاريخُ طَرَفًا من غَدرِ اليَهودِ عَبرَ تاريخِهم المظلِمِ المليءِ بالصَّفَحاتِ السَّوداءِ مُنذُ فجرِ الإسلامِ.
ومن تلك المواقِفِ بعدَما أُبرِمَت وثيقةٌ بينَ الرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- واليَهودِ بعدَ الهجرةِ، وتَقوَّت دَولةُ الإسلامِ وتَجَذَّرَت، بدَأ اليَهودُ يَتحيَّنونَ الفُرَصَ للغَدرِ بالمسلمينَ؛ فكان أوَّلَ من غَدَر منهم بنو قَينُقاعَ عندما اعتَدَوا على حِجابِ امرأةٍ مُسلمةٍ في سوقِهم وكَشَفوا عن عَورَتِها، وعندها حاصَرَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجَيشٍ من المسلمينَ حتى أجلاهم عن المدينةِ وأبعَدَهم إلى بلادِ الشَّامِ جَزاءَ غَدرِهم وخيانَتِهم للعَهدِ [5041] ((الرحيق المختوم)) للمباركفوري (ص: 216). .
قال ابنُ إسحاقَ: (حدَّثني عاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قتادةَ: أنَّ بني قَينُقاعَ كانوا أوَّلَ يهودٍ نَقَضوا ما بينهم وبينَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحاربوا فيما بَينَ بَدرٍ وأحُدٍ [5042] رواه ابنُ إسحاق في ((السيرة)) (498). . قال ابنُ هشامٍ: وذَكَرَ عَبدُ اللهِ بنُ جَعفَرِ بنِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمةَ عن أبي عَونٍ قال: كان من أمرِ بني قَينُقاعَ أنَّ امرَأةً من العَرَبِ قدِمَت بجَلَبٍ [5043] الجَلَبُ: ما جُلِب من خَيلٍ وإبلٍ ومَتاعٍ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/268). لها، فباعَته بسوقِ بني قَينُقاعَ، وجَلَست إلى صائِغٍ بها، فجَعَلوا يُريدونَها على كَشفِ وجهِها فأبَت، فعَمَدَ الصَّائِغُ إلى طَرَفِ ثَوبِها فعَقدَه إلى ظَهرِها، فلمَّا قامت انكَشَفَت سوءَتُها فضَحِكوا بها! فصاحَت فوثَبَ رَجُلٌ من المسلمينَ على الصَّائِغِ فقَتَله، وكان يَهوديًّا، وشَدَّ اليَهودُ على المسلِمِ فقَتَلوه، فاستَصرَخَ أهلُ المسلِمِ المسلمينَ على اليَهودِ، فغَضِبَ المسلمونَ، فوقَعَ الشَّرُّ بينَهم وبَينَ بني قَينُقاعَ) [5044] ((السيرة النبوية)) لابن هشام (2/48). .
ثُمَّ تَلاهم في الغَدرِ بنو النَّضيرِ عندما دَبَّروا مُؤامرةً لاغتيالِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو جالسٌ في دُورِهم يُكَلِّمهم ويتَحدَّثُ إليهم، فدَبَّروا خُطَّةً لإلقاءِ صَخرةٍ عليه من أعلى السَّطحِ، فكَشَفَ اللهُ له أمرَهم، فحاصَرَهم بجَيشٍ من المسلمينَ، حتى تَمَّ إجلاؤُهم إلى بلادِ الشَّامِ كذلك [5045] ((الرحيق المختوم)) للمباركفوري (ص: 268). .
وأخيرًا كان الغَدرُ الأكبَرُ من بني قُرَيظةَ يَومَ الأحزابِ؛ حَيثُ تجمَّعَ على المسلمينَ سائِرُ طَوائِفِ الشِّركِ من القَبائِل العَربيَّةِ، فلمَّا رأى اليَهودُ الضِّيقَ والحَرَجَ قد استَبَدَّ بالمسلمينَ اهتَبَلوها فرصةً وأعلَنوا نَقضَ العَهدِ والالتِحامَ مع المشرِكينَ، وكَشَفَ اللهُ مَكرَهم، ثُمَّ بعدَ أن انهَزَمَ الأحزابُ تَفَرَّغَ لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليه وسلَّم، وأدَّبَ بهم مَن خَلفَهم، وكانت نِهايَتُهم أن قُتِلَ مُقاتِلَتُهم وسُبيَت ذَراريُّهم وأموالُهم [5046] ((الرحيق المختوم)) للمباركفوري (282، 283). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ المدينةَ كان فيما حَولها ثَلاثةُ أصنافٍ من اليَهودِ، وهم بنو قَينُقاعَ، وبنو النَّضيرِ، وبنو قُرَيظةَ، وكان بنو قَينُقاعَ والنَّضيرُ حُلَفاءَ الخَزرَجِ، وكانت قُرَيظةُ حُلَفاءَ الأوسِ، فلمَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هادَنَهم ووادعَهم مع إقرارِه لهم ولمن كان حَولَ المدينةِ من المشرِكينَ من حُلَفاءِ الأنصارِ على حِلفِهم وعَهدِهم الذي كانوا عليه، حتى إنَّه عاهَدَ اليَهودَ على أن يُعينوه إذا حارَبَ، ثُمَّ نَقضَ العَهدَ بنو قَينُقاعَ، ثُمَّ النَّضيرُ، ثُمَّ قُرَيظةُ) [5047] ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) (ص: 62). .

انظر أيضا: