موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن أبي هُرَيرةَ، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد أذهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهِليَّةِ، وفَخْرَها بالآباءِ؛ مُؤمِنٌ تَقِيٌّ، وفاجِرٌ شَقِيٌّ)) [1785] أخرجه أبو داود (5116) واللَّفظُ له، والترمذي (3956)، وأحمد (10781). صحَّحه ابنُ تيميَّةَ في (اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/247)، وابن باز في ((الفوائد العلمية)) (7/207)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5116)، وحَسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5116). .
قال القاري: ("إنَّ اللهَ قد أذهَبَ" أي: أزال ورفَع "عنكم عُبِّيَّةَ الجاهِليَّةِ": بضَمِّ العَينِ المُهمَلةِ وكَسرِها، وكَسرِ مُوَحَّدةٍ فتَحْتيَّةٍ مُشَدَّدتَينِ، أي: نَخْوَتَها وكِبْرَها. "وفَخْرَها" أي: وافتِخارَ أهلِ الجاهليَّةِ في زمانِهم بالآباءِ [1786] ((مرقاة المفاتيح)) (7/ 3073). .
وقال الخطَّابيُّ: (قَولُه: "مُؤمِنٌ تَقيٌّ وفاجِرٌ شَقيٌّ" معناه: أنَّ النَّاسَ رَجُلانِ "مُؤمِنٌ تَقيٌّ" وهو الخَيِّرُ الفاضِلُ وإن لم يَكُنْ حَسيبًا في قومِه، "وفاجِرٌ شَقيٌّ" فهو الدَّنِيُّ وإن كان في أهلِه شريفًا رفيعًا) [1787] ((معالم السنن)) (4/148). .
2- وعن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((من قاتَلَ تحتَ رايةٍ عُمِّيَّةٍ يَغضَبُ لعَصَبةٍ، أو يَدعو إلى عَصَبةٍ، أو يَنصُرُ عَصَبةً، فقُتِلَ؛ فقِتلةٌ جاهِليَّةٌ)) [1788] أخرجه مسلم (1848). .
والمعنى: يَغضَبُ ويقاتِلُ ويدعو غيرَه إلى ذلك لا لنُصرةِ الحَقِّ والدِّينِ، بل لمحضِ التَّعَصُّبِ لقَومِه ولهواه كما يقاتِلُ أهلُ الجاهِليَّةِ؛ فإنَّهم إنَّما كانوا يُقاتِلون لمحضِ العصَبيَّةِ والوطنيَّةِ والجِنسيَّةِ، فقُتِل من أجلِ ذلك، فقَتْلُه كقِتلةِ أهلِ الجاهِليَّةِ، والمعنى: من قاتَل عَصَبيَّةً فمات وهو على ذلك، مات على هيئةٍ كانت الجاهِليَّةُ تموتُ عليها في كَونِهم يقاتِلون للعَصَبةِ لا للحَقِّ [1789] يُنظر: ((الكوكب الوهاج)) لمحمد الأمين الهرري (20/94). .
3- وعن أبي نَضرةَ، حَدَّثني من سَمِع خُطبةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وَسَطِ أيَّامِ التَّشريقِ، فقال: ((يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ رَبَّكم واحِدٌ، وإنَّ أباكم واحِدٌ، ألَا لا فَضْلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ، إلَّا بالتَّقْوى)) [1790] أخرجه من طرق: أحمد (23489) واللَّفظُ له، وعبد الله بن المبارك في ((المسند)) (239)، والحارث في ((المسند)) كما في ((بغية الباحث)) للهيثمي (51). صحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1536)، وصحَّح إسنادَه ابنُ تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/412)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/199)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23489). .
قال ابنُ عُثَيمين: (فليس بَينَ اللهِ وبَينَ خَلقِه صِلةٌ إلَّا بالتَّقوى؛ فمن كان لله أتقى كان من اللهِ أقرَبَ، وكان عِندَ اللهِ أكرَمَ؛ إذًا لا تفتَخِرْ بمالِك، ولا بجمالِك، ولا ببَدَنِك، ولا بأولادِك، ولا بقُصورِك، ولا سيَّاراتِك، ولا بشَيءٍ من هذه الدُّنيا أبدًا، إنَّما إذا وَفَّقَك اللهُ للتقوى فهذا من فَضلِ اللهِ عليك؛ فاحمَدِ اللهَ عليه) [1791] ((شرح رياض الصالحين)) (1/61). .
4- وعن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، يقولُ: ((كُنَّا في غَزاةٍ فكَسَع [1792] أي: ضَرَب دبُرَه وعجيزتَه بيَدٍ أو رِجلٍ أو سَيفٍ وغيرِه. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 138). رجلٌ من المُهاجِرين رجُلًا من الأنصارِ، فقال الأنصاريُّ: يا لَلأنصارِ، وقال المُهاجِريُّ: يا لَلمُهاجِرين، فسَمَّعَها اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ما بالُ دعوى الجاهِليَّةِ؟ فقالوا: كسَعَ رَجُلٌ من المُهاجِرين رَجُلًا من الأنصارِ، فقال الأنصاريُّ: يا لَلأنصارِ، وقال المُهاجِريُّ: يا لَلمُهاجِرين، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعُوها؛ فإنَّها مُنْتِنةٌ!)) [1793] أخرجه البخاري (4907) واللَّفظُ له، ومسلم (2584). .
قال النَّوويُّ: (وأمَّا تسميتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك دعوى الجاهِليَّةِ فهو كراهةٌ منه لذلك؛ فإنَّه ممَّا كانت عليه الجاهِليَّةُ من التَّعاضُدِ بالقبائِلِ في أمورِ الدُّنيا ومُتعَلِّقاتِها، وكانت الجاهِليَّةُ تأخُذُ حُقوقَها بالعَصَباتِ والقبائِلِ؛ فجاء الإسلامُ بإبطالِ ذلك) [1794] ((شرح النووي على مسلم)) (16/137). .

انظر أيضا: