موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


هل يمكِنُ أن يكونَ الذَّكاءُ عَيبًا؟
إنَّ (الرُّقِيَّ العقليَّ المحضَ الذي بلغَتْه الإنسانيَّةُ يجعَلُ مُستقبَلَها على حافَةِ الهاويةِ، إنْ لم يقتَرِنْ هذا الرُّقيُّ باكتمالٍ رُوحيٍّ معتَمِدٍ على اللهِ ورُسُلِه. إنَّ الذَّكاءَ الحادَّ في الرَّجُلِ الخبيثِ سِلاحُ شَرٍّ، وأداةُ فَتكٍ. وما يعيبُ أحدٌ الذَّكاءَ، وإنما يعيبُ النَّفسَ الرَّديئةَ التي تسَخِّرُه في الآثامِ. ونحن الآن في فترةٍ من تاريخِ الدُّنيا يظُنُّ الإنسانُ فيها أنَّه امتلك الفضاءَ، وأوتيَ مَفاتِحَه، فهل ذلك بشيرُ خيرٍ؟ كلَّا، إنَّ الجفافَ الرُّوحيَّ، والانقِطاعَ الرَّهيبَ عن اللهِ رَبِّ العالَمين، والصُّدودَ الغريبَ عن تُراثِ النَّبيِّين، وغَلَبةَ الأَثْرةِ والجَشَعِ على الأقوياءِ، وسيادةَ المنطِقِ المادِّيِّ في كُلِّ شيءٍ، إنَّ هذا نذيرُ شُؤمٍ. وأيُّ تقَدُّمٍ يحِرزُه العِلمُ في تلك الميادينِ لا يبعَثُ على التَّفاؤُلِ، ما لم يصحَبْه عودٌ سريعٌ إلى اللهِ، وإعزازٌ لأمرِه، وإعلاءٌ لشَرعِه) [7579] ((مع الله دراسات في الدعوة والدعاة)) (ص: 15). .
أيُّهما أفضَلُ: العِلمُ أو الذَّكاءُ؟
(بعضُ النَّاسِ كان يُفَضِّلُ الذَّكاءَ على العِلمِ، وبعضُهم يُرَجِّحُ العِلمَ على الذَّكاءِ. وقد كان ذلك في الماضي مقبولًا نظَرًا لضآلةِ ما كان متوفِّرًا من المعارِفِ والعلومِ، أمَّا اليومَ فإنَّ هذا الكمَّ الهائِلَ من المعارِفِ المتكاثِرةِ قد جعَل الموازنةَ غيرَ واردةٍ؛ حيثُ إنَّ كُلَّ التَّراكُماتِ والتَّنظيماتِ والتَّرتيباتِ الحضاريَّةِ الموجودةِ الآن مدينةٌ على نحوٍ أساسيٍّ للعِلمِ والخبرةِ والتَّجرِبةِ، كما أنَّ التَّعامُلَ مع المعطَياتِ الحضاريَّةِ والاستفادةَ منها ومواجَهةَ مخاطِرِها لن تستقيمَ من غيرِ المعرفةِ المعاصرةِ، ودورُ الذَّكاءِ الفِطريِّ في ذلك هامشيٌّ جِدًّا، إنَّ النَّظرةَ الحديثةَ للعِلمِ لا تجعَلُه في موازاةِ العقلِ، بل تجعَلُه المصدَرَ الأعظَمَ لتكوينِ العقلِ بما هو مبادئُ ومفهوماتٌ؛ ولهذا فإنَّ تحسينَ مستوى المعرفةِ والاطِّلاعِ والتَّثقُّفِ لدى الشَّبابِ المُسلِمِ يجبُ أن يستحوِذَ على الكثيرِ من اهتِمامِنا وجُهودِنا) [7580] ((مجلة البيان)) (ص: 170). .
العلاماتُ التي يُستدَلُّ بها على عَقلِ العاقِلِ وذَكاءِ الذَّكيِّ:
ذكَر ابنُ الجوزيِّ أنَّ هذه العلاماتِ تنقَسِمُ إلى قسمينِ؛ أحدُهما من حيثُ الصُّورةُ، والثَّاني من حيثُ المعنى والأحوالُ والأفعالُ.
أمَّا الأوَّلُ فقال الحُكَماءُ: الخَلقُ المعتَدِلُ والبِنيةُ المتناسِبةُ دليلٌ على قوَّةِ العقلِ وجودةِ الفِطنةِ...
وأمَّا الثَّاني فيُستَدَلُّ على عقلِ العاقِلِ بسُكوتِه وسُكونِه وخَفضِ بَصَرِه وحرَكاتِه في أماكِنِها اللَّائقةِ بها، ومراقبتِه للعواقبِ، فلا تستفِزُّه شهوةٌ عاجلةٌ عُقباها ضَرَرٌ، وتراه ينظُرُ في الفضاءِ فيتخيَّرُ الأعلى والأحمدَ عاقبةً من مطعَمٍ ومشرَبٍ وملبَسٍ، وقَولٍ وفعلٍ، ويترُكُ ما يخافُ ضَرَرَه، ويستعِدُّ لِما يجوزُ وُقوعُه [7581] يُنظَر: ((الأذكياء)) (ص: 13-14). .
من دقيقِ الفِطنةِ:
قال ابنُ القَيِّمِ: (من دقيقِ الفِطنةِ: أنَّك لا تَرُدُّ على المطاعِ خَطَأَه بَيْنَ الملأِ، فتَحمِلَه رتبتُه على نصرةِ الخَطَأِ، وذلك خطَأٌ ثانٍ، ولكِنْ تلَطَّفْ في إعلامِه به حيثُ لا يشعُرُ به غيرُه) [7582] ((الطرق الحكمية)) (ص: 38). .
الذَّكاءُ وَسَطٌ بَيْنَ الخُبثِ والبلادةِ:
قال ابنُ مسكَوَيهِ: (أمَّا الذَّكاءُ فهو وَسَطٌ بَيْنَ الخُبثِ والبلادةِ؛ فإنَّ أحَدَ طَرَفيِ كُلِّ وَسَطٍ إفراطٌ، والآخَرُ تفريطٌ، أعني الزِّيادةَ عليه والنُّقصانَ منه؛ فالخُبثُ والدَّهاءُ والحِيَلُ الرَّديئةُ هي كُلُّها إلى جانبِ الزَّيادةِ فيما ينبغي أن يكونَ الذَّكاءُ فيه، وأمَّا البلادةُ والبَلهُ والعَجزُ عن إدراكِ المعارِفِ فهي كُلُّها إلى جانبِ النُّقصانِ من الذَّكاءِ) [7583] يُنظَر: ((تهذيب الأخلاق)) (ص: 35). .

انظر أيضا: