موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: أدلَّةُ المُعتَزِلةِ على نَفيِ الرُّؤيةِ مِن جهةِ السَّمعِ ومُناقَشتُها


أوَّلًا: استِدلالُ المُعتَزِلةِ بقولِ اللهِ تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103] .
وَجهُ الدَّلالةِ مِن الآيةِ عندَهم: هو أنَّه نفى أن يُدرَكَ بالأبصارِ، وقد علِمْنا أنَّ الإدراكَ إذا قُرِن بالبَصرِ أفاد ما تُفيدُه رُؤيةُ البَصرِ، وإذا كان إذا أُطلِق فقد يُستعمَلُ بمعنى اللُّحوقِ، فيُقالُ: أدرَك الغلامُ: إذا بلَغ، وأدرَكَت الثَّمَرةُ: إذا نَضِجَت، وأدرَك فلانٌ فلانًا: إذا لحِقه، وقال سُبحانَه: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ [يونس: 90] ، يعني: لحِقَه الغَرَقُ، وقال سُبحانَه: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: 61] ، يعني: لَمَلْحوقونَ، وقد يُقالُ عندَ الإطلاقِ: أدرَكْتُ الحرارةَ والبُرودةَ، وأدرَكْتُ الصَّوتَ، وكُلُّ ذلك إنَّما يصِحُّ إذا لم يُقرَنْ بالبَصرِ، ومتى قُرِن به زال الاحتِمالُ عنه، فاختصَّ بفائِدةٍ واحِدةٍ، وهي الرُّؤيةُ بالبَصرِ؛ فإذا صحَّ ذلك فيجِبُ أن يكونَ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] في بابِ الدَّلالةِ على أنَّه لا يُرى، بمنزلة قولِه لو قال: لا تراه الأبصارُ؛ فثبَت أنَّه نفى عن نَفسِه إدراكَ البَصرِ، فيتناوَلُ جميعَ الأبصارِ في جميعِ الأوقاتِ [724] يُنظر: ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 232)، ((المغني)) (4/144) كلاهما لعبد الجبار. .
وممَّا يُؤيِّدُ العُمومَ أنَّ عائِشةَ رضِي اللهُ عنها لمَّا أنكرَت قولَ ابنِ عبَّاسٍ في أنَّ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى ربَّه ليلةَ المِعراجِ، تمسَّكَت في نُصرةِ ما ذهبَت إليه بهذه الآيةِ [725] لفظُ الحديثِ: عن مسروقٍ قال (قلتُ لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: يا أُمَّتاه، هل رأى محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ربَّه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري ممَّا قُلتَ، أين أنتَ من ثلاثٍ مَن حدَّثَكهنَّ فقد كذَب؟! من حدَّثك أنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى رَبَّه، فقد كذب. ثُمَّ قرأَتْ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103] ). أخرجه البُخاريُّ (4855) واللَّفظُ له، ومُسلمٌ (177). ، ولو لم تكنْ هذه الآيةُ مُفيدةً للعُمومِ بالنِّسبةِ إلى كُلِّ الأشخاصِ وكُلِّ الأحوالِ لَما تمَّ ذلك الاستِدلالُ، ولا شكَّ أنَّها مِن أكثَرِ النَّاسِ عِلمًا بلُغةِ العربِ؛ فثبَت أنَّ هذه الآيةَ دالَّةٌ على النَّفيِ بالنِّسبةِ إلى كُلِّ الأشخاصِ، وذلك يُفيدُ المطلوبَ.
وأيضًا إنَّ الباريَ تعالى تمدَّح بكونِه لا يُرى؛ حيثُ إنَّ قولَه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وقعَ في أثناءِ المدائِحِ؛ فإنَّ ما قَبلَها مُشتمِلٌ على المدحِ والثَّناءِ، وقولَه بَعدَها: وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام: 103] أيضًا مدحٌ وثناءٌ؛ فيجِبُ أن يكونَ قولُه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] مدحًا وثناءً، وذلك يوجِبُ الرَّكاكةَ، وهي غَيرُ لائِقةٍ بكلامِ اللهِ تعالى وتقدَّس، وحينَئذٍ نقولُ: إنَّ كُلَّ ما كان عَدَمُه مدحًا، ولم يكنْ ذلك مِن بابِ الفِعلِ، كان ثُبوتُه نَقصًا في حقِّ اللهِ تعالى، والنَّقصُ على اللهِ تعالى مُحالٌ؛ لقولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، وقولِه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقولِه: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص: 3] ، إلى غَيرِ ذلك؛ فوجَب أن يُقالَ: كونُه تعالى مرئيًّا مُحالٌ [726] يُنظر: ((التفسير الكبير)) للرازي (13/127)، ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 235)، ((المغني)) (4/150) كلاهما لعبد الجبار. .
وقد أطال القاضي عبدُ الجبَّارِ في تقريرِ هذا الدَّليلِ وفَرضِ الاعتِراضاتِ والرَّدِّ عليها؛ فقال بَعدَ تقريرِ وَجهِ الدَّلالةِ: (إن قيل: ولو قُلْتُم: إنَّ الإدراكَ إذا اقترَن بالبَصرِ لم يحتمِلْ إلَّا الرُّؤيةَ؟
قُلْنا: لأنَّ الرَّائيَ ليس بكونِه رائيًا حالةٌ زائِدةٌ على كونِه مُدرِكًا؛ لأنَّه لو كان أمرًا زائِدًا عليه لصحَّ انفِصالُ أحدِهما عن الآخَرِ؛ إذ لا عَلاقةَ بَينَهما مِن وَجهٍ معقولٍ، والمعلومُ خِلافُه...؛ يُبيِّنُ ما ذكرْناه أنَّه لا فرقَ بَينَ قولِهم: أدركْتُ ببصري هذا الشَّخصَ، وبَينَ قولِهم: رأَيتُ ببصري هذا الشَّخصَ، أو أبصرْتُ ببصري هذا الشَّخصَ، حتَّى لو قال: أدركْتُ ببصري وما رأَيتُ، أو رأَيتُ وما أدركْتُ، لعُدَّ مُناقِضًا.
فإن قيل: ولِمَ قُلْتم: إنَّ هذه الآيةَ وردَت مورِدَ التَّمدُّحِ؟
قُلْنا: لأنَّ سياقَ الآيةِ يقتضي ذلك، وكذلك ما قَبلَها وما بَعدَها؛ لأنَّ جميعَه في مدائِحِ اللهِ تعالى، وغَيرُ جائِزٍ مِن الحكيمِ أن يأتيَ بجُملةٍ مُشتمِلةٍ على المدحِ، ثُمَّ يخلِطَها بما ليس بمدحٍ البتَّةَ، ألا ترى أنَّه لا يحسُنُ أن يقولَ أحدُنا: فلانٌ ورِعٌ، تقيٌّ، نقيُّ الجيبِ، مَرضِيُّ الطَّريقةِ، أسوَدُ، يأكُلُ الخُبزَ، يُصلِّي باللَّيلِ، ويصومُ بالنَّهارِ؛ لمَّا لم يكنْ لكونِه أسوَدَ يأكُلُ الخُبزَ تأثيرٌ في المدحِ؟!
يُبيِّنُ ذلك: أنَّه تعالى لمَّا بيَّن تميُّزَه ممَّا عداه مِن الأجناسِ بنَفيِ الصَّاحِبةِ والولدِ؛ بيَّن أنَّ تميُّزَه من غَيرِه مِن الذَّواتِ بألَّا يرى ويُرى، وبَعدُ؛ فإنَّ الأمَّةَ اتَّفَقوا على أنَّ الآيةَ وارِدةٌ مورِدَ التَّمدُّحِ فلا كلامَ في ذلك.
فإن قيل: وأيُّ مدحٍ في أنَّه لا يُرى القديمُ تعالى وقد شارَكه فيه المعدوماتُ وكثيرٌ مِن الموجوداتِ؟
قُلْنا: لم يقعِ التَّمدُّحُ بمُجرَّدِ ألَّا يُرى، وإنَّما يقعُ التَّمدُّحُ بكونِه رائِيًا ولا يُرى، ولا يمتنِعُ في الشَّيءِ ألَّا يكونَ مَدحًا، ثُمَّ بانضِمامِ شيءٍ آخَرَ إليه يُعتبَرُ مدحًا، وهكذا فلا مَدحَ في نَفيِ الصَّاحِبةِ والولدِ مُجرَّدًا، ثُمَّ إذا انضمَّ إليه كونُه حيًّا لا آفةَ به، صار مَدحًا، وهكذا فلا مَدحَ في أنَّه لا أوَّلَ له؛ فإنَّ المعدوماتِ تُشارِكُه في ذلك، ثُمَّ يصيرُ مَدحًا بانضِمامِ شيءٍ آخَرَ إليه، وهو كونُه قادِرًا عالِمًا حيًّا سميعًا بصيرًا موجودًا، كذلك في مسألتِنا.
فإن قيل: إنَّ ما ليس بمَدحٍ إذا انضمَّ إليه ما هو مَدحٌ، كيف يصيرُ مَدحًا؟ قُلْنا: لا مانعَ مِن ذلك؛ فمعلومٌ أنَّ قولَه عزَّ وجلَّ: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] بمُجرَّدِه ليس بمَدحٍ، ثُمَّ صار مَدحًا لانضِمامِه إلى قولِه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255] .
فإن قيل: فلو جاز فيما ليس بمَدحٍ أن يصيرَ مَدحًا بانضِمامِه إلى غَيرِه لكان لا يمتنِعُ أن يصيرَ الجهلُ مَدحًا بانضِمامِه إلى الشَّجاعةِ وقوَّةِ القلبِ، حتَّى يحسُنَ أن يمدَحَ الواحِدُ غَيرَه بأنَّه جاهِلٌ قويُّ القلبِ شُجاعٌ!
قيل له: إنَّ ما وُضِع للنَّقصِ مِن الأوصافِ نَحوَ قولِنا: جاهِلٌ وعاجِزٌ وما شاكَلها؛ لا تختلِفُ فائِدتُه، ولا تتغيَّرُ حالُه لا بالانضِمامِ ولا عَدمِ الانضِمامِ، بل يُفيدُ النَّقصَ بكُلِّ حالٍ، سواءٌ ضُمَّ إلى غَيرِه أو لم يُضَمَّ، وليس كذلك سبيلُ ما ليس بمدحٍ ولا نقصٍ؛ فإنَّ ذلك ممَّا لا يمتنِعُ أن يصيرَ مَدحًا بغَيرِه، على ما ذكَرْناه.
فإن قيل: فجَوِّزوا أن يصيرَ قولُنا: أسوَدُ، مدحًا؛ بأن ينضمَّ إليه قولُنا: عالِمٌ، ومعلومٌ أنَّ ذلك لا يصيرَ مدحًا لِما لم يكنْ مدحًا في نَفسِه، فإذا لم يجُزْ أن يصيرَ مدحًا فكذلك لا يجوزُ في قولِه تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] أن يصيرَ مدحًا؛ بأن ينضمَّ إليه قولُه تعالى: وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ.
قيل له: إنَّا لم نقُلْ: إنَّ ما ليس بمدحٍ إذا انضمَّ إليه ما هو مدحٌ صار مدحًا على كُلِّ حالٍ، بل قُلْنا: إنَّ ما ليس بمدحٍ إذا انضمَّ إليه ما هو مدحٌ وحصَل بمجموعِهما البينونةُ، صار مدحًا، ولم تحصُلِ البينونةُ بانضِمامِ قولِنا: أسودُ، إلى قولِنا: عالِمٌ، بخلافِ مسألتِنا؛ لأنَّه حصَل هاهنا بينونةٌ على الوَجهِ الذي ذكَرْناه.
فإن قيل: وما وَجهُ البينونةِ؟
قُلْنا: وَجهُ البينونةِ هو أنَّه يرى ولا يُرى.
فإن قيل: هلَّا جاز أن تكونَ جهةُ التَّمدُّحِ هي كونَه قادِرًا على أن يمنعَنَا مِن رُؤيتِه؟
قُلْنا: هذا تأويلٌ بخِلافِ تأويلِ سائِرِ المُفسِدينَ، وما هذا سبيلُه مِن التَّأويلاتِ يكونُ فاسِدًا، وبَعدُ؛ فإنَّ هذا حَملُ خِطابِ اللهِ تعالى على غَيرِ ما تقتضيه حقيقةُ اللُّغةِ ومجازُها؛ فلا يجوزُ.
فإن قيل: ولِمَ قُلْتُم: إنَّ هذا المدحَ يرجِعُ إلى الذَّاتِ؟
قُلْنا: لأنَّ المدحَ على قسمَينِ؛ أحدُهما: يرجِعُ إلى الذَّاتِ، والآخَرُ: يرجِعُ إلى الفِعلِ، وما يرجِعُ إلى الذَّاتِ فعلى قسمَينِ:
أحدُهما: يرجِعُ إلى الإثباتِ، نَحوُ قولِنا: قادِرٌ، عالِمٌ، حيٌّ، عليمٌ، بصيرٌ.
والثَّاني: يرجِعُ إلى النَّفيِ، وذلك نَحوُ قولِنا: لا يحتاجُ، ولا يتحرَّكُ، ولا يسكُنُ.
وأمَّا ما يرجِعُ إلى الفِعلِ فعلى ضربَينِ أيضًا:
أحدُهما: يرجِعُ إلى الإثباتِ، نَحوُ قولِنا: رازِقٌ، مُحسِنٌ، ومُتفضِّلٌ.
والثَّاني: يرجِعُ إلى النَّفيِ، وذلك نَحوُ قولِنا: لا يظلِمُ، ولا يكذِبُ.
إذا ثبَت هذا فالواجِبُ أن ننظُرَ في قولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] مِن أيِّ القبيلَينِ هو؟ لا يجوزُ أن يكونَ هذا مِن قَبيلِ ما يرجِعُ إلى الفِعلِ؛ لأنَّه تعالى لم يفعَلْ فِعلًا حتَّى لا يُرى، وليس يجِبُ في الشَّيءِ إذا لم يُرَ أن يحصُلَ منه فِعلٌ حتَّى لا يُرى؛ فإنَّ كثيرًا مِن الأشياءِ لا تُرى وإن لم تفعَلْ أمرًا مِن الأمورِ، كالمعدوماتِ وككثيرٍ مِن الأعراضِ...، ولا شيءَ إذا لم يُرَ فإنَّما لم يُرَ لِما هو عليه في ذاتِه، لا لأنَّه يفعَلُ أمرًا مِن الأمورِ، وإذا كان الأمرُ كذلك صحَّ أنَّ هذا التَّمدُّحَ راجِعٌ إلى ذاتِه على ما نقولُه.
فإن قيل: ولِمَ قُلْتُم: إنَّ ما كان نَفيُه مدحًا راجِعًا إلى ذاتِه كان إثباتُه نَقصًا؟
قيل له: لأنَّه لو لم يكنْ إثباتُه نَقصًا لم يكنْ نَفيُه مدحًا، إلَّا أنَّ نَفيَ السِّنةِ والنَّومِ لمَّا كان مدحًا كان إثباتُه نَقصًا، حتَّى لو قال أحدُنا: إنَّه تعالى ينامُ، كان هذا أيضًا نَقصًا، وبَعدُ؛ فإنَّه تعالى إذا لم يُرَ فإنَّما لم يُرَ بما هو عليه في ذاتِه، فلو رُئِي وجَب أن يكونَ قد خرَج عمَّا هو عليه في ذاتِه؛ فكان نَقصًا.
فإن قيل: وأيُّ نَقصٍ في أن يُرى القديمُ تعالى؟ وما وَجهُ النَّقصِ في ذلك؟
قُلْنا: لا يلزَمُنا أن نعلَمَ ذلك مُفصَّلًا، بل إذا علِمْنا على الجُملةِ أنَّه تعالى تمدَّحَ بنَفيِ الرُّؤيةِ عن نَفسِه مَدحًا راجِعًا إلى ذاتِه، وعلِمْنا أنَّ ما كان نَفيُه مَدحًا يرجِعُ إلى الذَّاتِ؛ كان إثباتُه نَقصًا، وهذا كافٍ، فإذا أردْتَ التَّفصيلَ فلأنَّ فيه انقِلابَه وخُروجَه عمَّا هو عليه في ذاتِه.
فإن قيل: وما أنكرْتُم أنَّ المُرادَ بقولِه تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] ، أي: لا تُحيطُ به الأبصارُ؟ فنحن هكذا نقولُ.
قُلْنا: الإحاطةُ ليست هي بمعنى الإدراكِ، لا في حقيقةِ اللُّغةِ ولا في مجازِها، ألا ترى أنَّهم يقولونَ: السُّورُ أحاط بالمدينةِ، ولا يقولونَ: أدرَكها أو أدرَك بها؟ وكذلك يقولونَ: عَينُ الميِّتِ أحاطَت بالكافورِ، ولا يقولونَ: أدركَتْه؟
وبَعدُ؛ فإنَّ هذا تأويلٌ بخِلافِ تأويلِ المُفسِّرينَ فلا يُقبَلُ، على أنَّه كما لا تُحيطُ به الأبصارُ لا يُحيطُ هو بالأبصارِ؛ لأنَّ المانِعَ عن ذلك في الموضِعَينِ واحِدٌ، فلا يجوزُ حَملُ الإدراكِ المذكورِ في الآيةِ على الإحاطةِ لهذه الوُجوهِ.
فإن قيل: لا تعلُّقَ لكم بالظَّاهِرِ؛ لأنَّ الذي يقتضيه الظَّاهِرُ هو أنَّ الأبصارَ لا تراه، ونحن كذلك نقولُ.
قيل له: إنَّه تعالى تمدَّح بنَفيِ الرُّؤيةِ عن نَفسِه، فلا بُدَّ مِن أن يُحمَلَ على وَجهٍ يقعُ به البينونةُ بَينَه وبَينَ غَيرِه مِن الذَّواتِ بهذا الذي قد ذكرْتُموه؛ لأنَّ الأبصارَ كما لا تراه فكذلك لا ترى غَيرَه.
فإن قيل: لو كان المُرادُ بقولِه تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] المُبصِرونَ، لوجَب مِثلُه في قولِه: وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام: 103] أن يكونَ: المُبصِرينَ؛ ليكونَ النَّفيُ مُطابِقًا للإثباتِ، وهذا يقتضي أن يرى القديمُ نَفسَه؛ لأنَّه مِن المُبصِرينَ، وكُلُّ مَن قال: إنَّه تعالى يرى نَفسَه، قال: إنَّه يراه غَيرُه.
قيل له: إنَّه تعالى وإن كان مُبصِرًا فإنَّما يرى ما تصِحُّ رُؤيتُه، ونَفسُه يستحيلُ أن تُرى؛ لِما قد بيَّنَّا أنَّه يُمدَحُ بنَفيِ الرُّؤيةِ مَدحًا يرجِعُ إلى ذاتِه، وما كان نَفيُه راجِعًا إلى ذاتِه فإنَّ إثباتَه نقصٌ، والنَّقصُ لا يجوزُ على اللهِ تعالى.
وبَعدُ؛ فإنَّ المُرادَ بقولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] المُبصِرونَ بالأبصارِ؛ فكذلك في قولِه: وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام: 103] ، فيجِبُ أن يكونَ هذا هو المُرادَ؛ ليكونَ النَّفيُ مُطابِقًا للإثباتِ، واللهُ تعالى ليس مِن المُبصِرينَ بالأبصارِ، فلا يلزَمُ ما ذكرْتُموه.
فإن قيل: قولُه تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] عامٌّ في دارِ الدُّنيا ودارِ الآخِرةِ، وقولُه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22-23] خاصٌّ في دارِ الآخِرةِ، ومِن حقِّ العامِّ أن يُحمَلَ على الخاصِّ، كما أنَّ مِن حقِّ المُطلَقِ أن يُحمَلَ على المُقيَّدِ، وربَّما يُستدَلُّ بهذه الآيةِ ابتداءً على أنَّه تعالى يُرى في دارِ الآخِرةِ.
وجوابُنا: أنَّ العامَّ إنَّما يُبنى على الخاصِّ إذا أمكَن تخصيصُه، وهذه الآيةُ لا تحتمِلُ التَّخصيصَ؛ لأنَّه تعالى يُمدَحُ بنَفيِ الرُّؤيةِ عن نَفسِه مَدحًا يرجِعُ إلى ذاتِه، وما كان نَفيُه مدحًا راجِعًا إلى ذاتِه كان إثباتُه نقصًا، والنَّقصُ لا يجوزُ على اللهِ تعالى على وَجهٍ.
وبَعدُ؛ فإنَّ هذه الآيةَ إنَّما تُخصِّصُ تلك الآيةَ إذا أفادت أنَّه تعالى يُرى في حالٍ مِن الحالاتِ، وليس في الآيةِ ما يقتضي ذلك؛ لأنَّ النَّظرَ ليس هو بمعنى الرُّؤيةِ، هذا هو الجوابُ عنه إذا تعلَّقوا به على هذا الوَجهِ) [727] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 233). .
وزاد الإماميَّةُ على ذلك أيضًا فقالوا: أوهامُ القُلوبِ لا تُدرِكهُ فكيف بأبصارِ العُيونِ؟ فقالوا في قولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، أي: إحاطةُ الوَهمِ، ألا ترى إلى قولِه: قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ليس يعني بَصرَ العُيونِ؟ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ليس يعني مِن البَصرِ بعَينِه وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا [الأنعام: 104] ليس يعني عمى العُيونِ، إنَّما عنى إحاطةَ الوَهمِ، كما يُقالُ: فلانٌ بصيرٌ بالشِّعرِ، وفلانٌ بصيرٌ بالفِقهِ، وفلانٌ بصيرٌ بالدَّراهِمِ، وفلانٌ بصيرٌ بالثِّيابِ، واللهُ أعظَمُ مِن أن يُرى بالعَينِ [728] يُنظر: ((شرح أصول الكافي)) للكليني – شرح المظفر (3/103). .
الرَّدُّ على المُعتَزِلةِ في نَفيِهم رُؤيةَ اللهِ عزَّ وجلَّ:
وبَعدَ استِعراضِ غالِبِ هذه الافتِراضاتِ المُعارِضةِ وردِّهم عليها، والمُحاوَلاتِ الجادَّةِ لكي يسلَمَ لهم الدَّليلُ على نَفيِ رُؤيةِ اللهِ تعالى، يُقالُ: لا حاجةَ إلى تتبُّعِ كُلِّ تلك الافتِراضاتِ ومُناقَشتِها؛ لأنَّها مبنيَّةٌ على وِجهةِ استِدلالٍ خاطِئةٍ، وسيتبيَّنُ -إن شاء اللهُ- الخطأُ في وَجهِ الدَّلالةِ، وهذا كافٍ لإزاحةِ الدَّليلِ عن مُرادِهم؛ فقد بنَوا استِدلالَهم بالآيةِ على وَجهَينِ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ الإدراكَ المقرونَ بالبَصرِ لا يحتمِلُ إلَّا الرُّؤيةَ، وقد نُفِي، والنَّفيُ عامٌّ في جميعِ الأوقاتِ والأزمانِ.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ اللهَ تمدَّح بكونِه لا يُرى -على فَهمِهم- وما كان عَدمُه مدحًا كان وُجودُه نقصًا يجِبُ تنزيهُ اللهِ عنه.
والجوابُ على الوَجهِ الأوَّلِ كالآتي:
أوَّلًا: هذا افتِراءٌ على اللُّغةِ ومُجرَّدُ دعوى لا دليلَ عليها، وقد ردَّ عليها ابنُ حَزمٍ، فقال: (احتجَّت المُعتَزِلةُ بقولِه عزَّ وجلَّ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ...، هذا لا حُجَّةَ لهم فيه؛ لأنَّ اللهَ تعالى إنَّما نفى الإدراكَ، والإدراكُ عندَنا في اللُّغةِ معنًى زائِدٌ على النَّظرِ والرُّؤيةِ، وهو معنى الإحاطةِ ليس هذا المعنى في النَّظرِ والرُّؤيةِ؛ فالإدراكُ منفيٌّ عن اللهِ تعالى على كُلِّ حالٍ في الدُّنيا والآخِرةِ، بُرهانُ ذلك قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 61] ، وأخبَر تعالى أنَّه رأى بعضُهم بعضًا؛ فصحَّت منهم الرُّؤيةُ لبَني إسرائيلَ، ونفى اللهُ الإدراكَ بقولِ موسى عليه السَّلامُ لهم: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 61] ، فأخبَر تعالى أنَّه رأى أصحابُ فِرعَونَ بني إسرائيلَ، ولم يُدرِكوهم، ولا شكَّ في أنَّ ما نفاه اللهُ تعالى غَيرُ الذي أثبَته؛ فالإدراكُ غَيرُ الرُّؤيةِ) [729] ((الفصل في الملل)) (3/2). .
وقال ابنُ القيِّمِ: (لم ينفِ موسى عليه السَّلامُ الرُّؤيةَ، ولم يُريدوا بقولِهم: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ إنَّا لمرئِيُّونَ؛ فإنَّ موسى عليه السَّلامُ نفى إدراكَهم إيَّاهم بقولِه: كَلَّا، وأخبَر اللهُ سُبحانَه أنَّه لا يخافُ دَرَكَهم بقولِه: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [طـه: 77].
فالرُّؤيةُ والإدراكُ كُلٌّ منهما يوجَدُ معَ الآخَرِ وبدونِه؛ فالرَّبُّ تعالى يُرى ولا يُدرَكُ كما لا يُعلَمُ ولا يُحاطُ به، وهذا هو الذي فهِمه الصَّحابةُ والأئمَّةُ مِن بَعدِهم مِن الآيةِ؛ قال ابنُ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لا تُحيطُ به الأبصارُ، وقال قَتادةُ: هو أعظَمُ مِن أن تُدرِكَه الأبصارُ، وقال ابنُ عطيَّةَ: ينظُرونَ إلى اللهِ ولا تُحيطُ أبصارُهم به مِن عَظمتِه، وبَصرُه يُحيطُ بهم) [730] ((حادي الأرواح)) (219). .
ثانيًا: أنَّ قولَه تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] ، وإن عمَّت في الأشخاصِ باستِغراقِ اللَّامِ، فإنَّها لا تعُمُّ في الأزمانِ؛ لأنَّها سالِبةٌ مُطلَقةٌ لا دائِمةٌ، ونحن نقولُ بموجِبِه حيثُ لا يُرى في الدُّنيا [731] يُنظر: ((شرح المواقف)) للجُرْجاني (8/140). ويُنظر أيضًا: ((اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع)) للأشعري (ص: 65). .
ثالثًا: يُقالُ لهم على دعوى العُمومِ في: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ كما قال أبو الحَسنِ الأشعَريِّ: (إذا كان قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ في العُمومِ كقولِه: وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام: 103] ؛ لأنَّ أحدَ الكلامَينِ معطوفٌ على الآخَرِ، فخبِّرونا: أليس الأبصارُ والعُيونُ لا تُدرِكُه رُؤيةً ولا لمَسًا ولا ذَوقًا ولا على وَجهٍ مِن الوُجوهِ؟ فإن قالوا: نعَم، فيُقالُ لهم: فقد انتقَض قولُكم: إنَّ قولَه: وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ في العُمومِ كقولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) [732] ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 18). .
رابعًا: قال الألوسيُّ: (قد يُقالُ: إنَّ قولَه تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ المُرادُ نَفيُ الرُّؤيةِ، وقد عُدِم إذْنُ اللهِ تعالى للأبصارِ بالإدراكِ، والدَّليلُ على صحَّةِ إرادةِ هذا القَيدِ هو أنَّ العِبادَ لا يقدِرونَ على شيءٍ مِن المقدوراتِ إلَّا بإذنِ اللهِ تعالى ومشيئتِه وتمكينِه، فلا تُدرِكُه الأبصارُ إلَّا بإذنِه، وهو المطلوبُ، ويُؤيِّدُ هذا البيانَ ويُشيِّدُ أركانَه أنَّه لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] وقَع بَعدَ قولِه سُبحانَه: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، ووَجهُ التَّأييدِ أنَّ اللهَ تعالى أخبَر بأنَّه على كُلِّ شيءٍ وكيلٌ، أي: مُتوَلٍّ لأمورِه، ومعلومٌ أنَّ الأبصارَ مِن الأشياءِ، وأنَّ إدراكَها مِن أمورِها؛ فهو سُبحانَه وتعالى مُتولِّيها ومُتصرِّفٌ فيها على حسَبِ مشيئتِه، فيُفيضُ عليها الإدراكَ، ويأذَنُ لها إذا شاء كيف شاء، وعلى الحدِّ الذي شاء، ويقبِضُ عنها الإدراكَ قَبضًا كُلِّيًّا أو جُزئيًّا في أيِّ وقتٍ شاء كيف شاء، ولا يخفى على هذا أنَّه غايةُ التَّمدُّحِ بالعِزَّةِ والقَهرِ والغَلبةِ؛ فإنَّ مَن هو على كُلِّ شيءٍ وكيلٌ إذا لم تُدرِكْه الأبصارُ إلَّا بإذِنه معَ كونِه يُدرِكُ الأبصارَ، ولا تخفى عليه خافيةٌ؛ كان ذلك غايةً في عِزَّتِه وقَهرِه، وكونِه غالِبًا على أمرِه) [733] ((روح المعاني)) (7/247-246). .
خامسًا: قال الرَّازيُّ: (هَبْ أنَّ هذه الآيةَ عامَّةٌ، إلَّا أنَّ الآياتِ الدَّالَّةَ على إثباتِ الرُّؤيةِ للهِ تعالى خاصَّةٌ، والخاصُّ مُقدَّمٌ على العامِّ) [734] ((التفسير الكبير)) (13/128). .
وذلك مِثلُ قولِه تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22-23] ، وغَيرِها؛ فإنَّ هذا خاصٌّ بالمُؤمِنينَ، والنَّظرُ هو الرُّؤيةُ البَصريَّةُ قَطعًا، و "إلى" حرفُ جرٍّ لا بمعنى النِّعمةِ، والمنفيُّ في الآيةِ تمدُّحُ غَيرِ الرُّؤيةِ التي يُثبِتُها أهلُ السُّنَّةِ، وهو الإدراكُ على وَجهِ الإحاطةِ، وعلى ذلك يُمكِنُ التَّخصيصُ.
أمَّا الجوابُ عن الوَجهِ الثَّاني، وهو قولُهم: "إنَّ اللهَ تمدَّح بأنْ لا يُرى... إلخ".
فيُقالُ: هذا الكلامُ مُجرَّدُ دعوى، فأين الدَّليلُ عليها؟ وثُبوتُ المدحِ في سياقِ الكلامِ ليس لكم فيه دليلٌ على امتِناعِ الرُّؤيةِ، بل لنا فيه الحُجَّةُ على صحَّةِ الرُّؤيةِ؛ لأنَّه يمتنِعُ حُصولُ التَّمدُّحِ بنَفيِ الرُّؤيةِ لو كان تعالى في ذاتِه بحيثُ تمتنِعُ رُؤيتُه، بل إنَّما يحصُلُ التَّمدُّحُ لو كان بحيثُ تصِحُّ رُؤيتُه، ثُمَّ إنَّه تعالى يحجُبُ الأبصارَ عن رُؤيتِه.
قال ابنُ القيِّمِ: (النَّفيُ يمتنِعُ أن يكونَ سببًا لحُصولِ المدحِ والثَّناءِ؛ لأنَّ المدحَ لا يكونُ إلَّا بالأوصافِ الثُّبوتيَّةِ، وأمَّا العَدمُ المحضُ فليس بكمالٍ، ولا يُمدَحُ الرَّبُّ تبارَك وتعالى بالعَدمِ إلَّا إذا تضمَّن أمرًا وُجوديًّا كتمدُّحِه بنَفيِ السِّنةِ والنَّومِ المُتضمِّنِ كمالَ القيُّوميَّةِ، ونَفيِ الموتِ المُتضمِّنِ كمالَ الحياةِ، ونَفيِ اللُّغوبِ المُتضمِّنِ كمالَ القُدرةِ، ونَفيِ الشَّريكِ والصَّاحِبةِ والوَلدِ والظَّهيرِ المُتضمِّنِ كمالَ رُبوبيَّتِه وإلهيَّتِه وقَهرِه، ونَفيِ الأكلِ والشُّربِ المُتضمِّنِ كمالَ الصَّمَديَّةِ وغِناه، ونَفيِ الشَّفاعةِ عندَه إلَّا بإذنِه المُتضمِّنِ كمالَ توحيدِه وغِناه عن خَلقِه، ونَفيِ الظُّلمِ المُتضمِّنِ كمالَ عَدلِه وعِلمِه وغِناه، ونَفيِ النِّسيانِ وعُزوبِ شيءٍ عن عِلمِه المُتضمِّنِ كمالَ عِلمِه وإحاطتِه، ونَفيِ المِثلِ المُتضمِّنِ لكمالِ ذاتِه وصفاتِه؛ ولهذا لم يتمدَّحْ بعَدمٍ محضٍ لا يتضمَّنُ أمرًا ثُبوتيًّا؛ فإنَّ المعدومَ يُشارِكُ الموصوفَ في ذلك العَدمِ، ولا يوصَفُ الكامِلُ بأمرٍ يشترِكُ هو والمعدومُ فيه، فلو كان المُرادُ بقولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ أنَّه لا يُرى بحالٍ، لم يكن في ذلك مدحٌ ولا كمالٌ لمُشارَكةِ المعدومِ له في ذلك؛ فإنَّ العَدمَ الصِّرفَ لا يُرى ولا تُدرِكُه الأبصارُ، والرَّبُّ جلَّ جلالُه يتعالى أن يُمدَحَ بما يُشارِكُه فيه العَدمُ المحضُ؛ فإذًا: المعنى: أنَّه يُرى ولا يُدرَك ولا يُحاطُ به، كما كان المعنى في قولِه: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ [يونس: 61] أنَّه يعلَمُ كُلَّ شيءٍ، وفي قولِه: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] أنَّه كامِلُ القُدرةِ، وفي قولِه: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا أنَّه كامِلُ العدلِ [الكهف: 49] ، وفي قولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] أنَّه كامِلُ القيُّوميَّةِ، فقولُه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] يدُلُّ على غايةِ عظمتِه، وأنَّه أكبَرُ مِن كُلِّ شيءٍ، وأنَّه لعظمتِه لا يُدرَك بحيثُ يُحاطُ به؛ فإنَّ الإدراكَ هو الإحاطةُ بالشَّيءِ، وهو قَدْرٌ زائِدٌ على الرُّؤيةِ كما مرَّ) [735] ((حادي الأرواح)) (ص: 228). .
ثانيًا: مِن أدلَّةِ المُعتَزِلةِ على نَفيِ الرُّؤيةِ قولُه تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 143] .
فقد استدلُّوا بالآيةِ على عَدمِ الرُّؤيةِ مِن وُجوهٍ؛ منها:
الوَجهُ الأوَّلُ: مجيءُ "لن" في قولِ اللهِ تعالى: لَنْ تَرَانِي و"لن" موضوعةٌ للتَّأبيدِ، وإذا لم يَرَه موسى أبدًا لم يَرَه غَيرُه إجماعًا.
قال الزَّمَخشَريُّ في معنى لَنْ: (إنَّها لتأكيدِ النَّفيِ الذي تُعطيه لا، وذلك أنَّ (لا) تنفي المُستقبَلَ؛ تقولُ: لا أفعَلُ غدًا، فإذا أكَّدْتَ نَفيَها قلْتَ: لن أفعَلَ غدًا، والمعنى أنَّ فِعلَه يُنافي حالي، كقولِه تعالى: لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحـج: 73]؛ فقولُه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] نَفيٌ للرُّؤيةِ فيما يُستقبَلُ، ولَنْ تَرَانِي تأكيدٌ وبيانٌ؛ لأنَّ النَّفيَ مُنافٍ لصفاتِه.
فإن قلْتَ: كيف اتَّصَل الاستِدراكُ في قولِه: وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ بما قَبلَه؟
قُلْتُ: اتَّصَل به على معنى أنَّ النَّظرَ إلَيَّ مُحالٌ، فلا تطلُبْه، ولكن عليك بنظَرٍ آخَرَ، وهو أن تنظُرَ إلى الجبلِ الذي يرجُفُ بك وبمَن طلبْتَ الرُّؤيةَ لأجْلِهم: كيف أفعَلُ به، وكيف أجعلُه دكًّا بسببِ طلبِك للرُّؤيةِ؛ لتستعظِمَ ما أقدَمْتَ عليه بما أُريك مِن عَظيمِ أثَرِه، كأنَّه عزَّ وعلا حقَّق عندَ طلبِ الرُّؤيةِ ما مَثَّلَه عندَ نِسبةِ الولدِ إليه في قولِه: وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم: 90] ) [736] ((الكشاف)) (2/113). .
قال القاضي عبدُ الجبَّارِ: (إن قالوا: أليس أنَّه تعالى قال حاكيًا عن اليهودِ: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ [البقرة: 95] ، أي: لا يتمنَّونَ الموتَ، ثُمَّ قال حاكيًا عنهم: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف: 77] ، فكيف يُقالُ: إنَّ لَن موضوعةٌ للتَّأبيدِ؟
قُلْنا: إنَّ لَن موضوعةٌ للتَّأبيدِ، ثُمَّ ليس يجِبُ ألَّا يصِحَّ استِعمالُها إلَّا حقيقةً، بل لا يمتنِعُ أن تُستعمَلَ مجازًا، وصار الحالُ فيها كالحالِ في قولِهم: أسَدٌ، وخِنزيرٌ، وحمارٌ؛ فكما أنَّ موضِعَها وحقيقتَها لحيواناتٍ مخصوصةٍ، ثُمَّ تُستعمَلُ في غَيرِها على سبيلِ المجازِ والتَّوسُّعِ، واستِعمالُهم في غَيرِها لا يقدَحُ في حقيقتِها؛ كذلك ههنا) [737] ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 264) بتصَرُّفٍ يسيرٍ. .
هذا ما قالوه في وَجهِ الدَّلالةِ بالنِّسبةِ للنَّفيِ بـ لَن وفي أبديَّتِها له، ومُحاوَلاتُ الرَّدِّ على ما يَرِدُ عليه مِن اعتِراضاتٍ.
الرَّدُّ:
قولُهم: إنَّ "لن" موضوعةٌ للتَّأبيدِ هذا افتِراءٌ على اللُّغةِ، وليس يشهَدُ بصحَّتِه كتابٌ مُعتَبرٌ ولا نَقلٌ صحيحٌ، قال الشَّيخُ جمالُ الدِّينِ بنُ مالِكٍ رحِمه اللهُ:
ومَن رأى النَّفيَ بـ (لن) مُؤبَّدًا
فقَولَه ارْدُدْ وخِلافَه اعْضُدا [738] ((الكافية الشافية في علم العربية)) (ص: 68). .
وأهلُ اللُّغةِ قالوا عن "لن": (هو حرفٌ يُفيدُ النَّفيَ بغَيرِ دوامٍ ولا تأبيدٍ إلَّا بقرينةٍ خارِجةٍ عنه، فإذا دخَل على المُضارِعِ نفى معناه في الزَّمنِ المُستقبَلِ المحضِ غالِبًا نَفيًا مُؤقَّتًا يقصُرُ ويطولُ مِن غَيرِ أن يدومَ ويستمِرَّ، فمَن يقولُ: لن أسافِرَ، أو لن أشرَبَ، أو لن أقرَأَ غدًا، أو نَحوَ هذا؛ فإنَّما يُريدُ نَفيَ السَّفرِ أو غَيرِه في قابِلِ الأزمِنةِ مُدَّةً مُعيَّنةً يعودُ بَعدَها إلى السَّفرِ ونَحوِه إن شاء، ولا يُريدُ النَّفيَ الدَّائِمَ المُستمِرَّ في المُستقبَلِ إلَّا إن وُجِدَت قرينةٌ معَ الحرفِ "لَن" تدُلُّ على الدَّوامِ والاستِمرارِ) [739] ((النحو الوافي)) (4/281) لعباس حسن. ويُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/95). .
ويُؤيِّدُ هذا قولُه تعالى حكايةً عن مريمَ: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم: 26] ؛ إذ لو كانت لَنْ هنا تُفيدُ تأبيدَ النَّفيِ لوقَع التَّعارُضُ بَينَها وبَينَ كَلِمةِ الْيَوْمَ في الآيةِ؛ لأنَّ اليومَ مُحدَّدٌ مُعيَّنٌ، وهي غَيرُ محددةٍ ولا مُعيَّنةٍ، ولوقَع التَّكرارُ في قولِه تعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا [البقرة: 95] ، فما فائِدةُ كَلِمةِ أبدًا التي تدُلُّ على التَّأبيدِ إن كانت لَنْ تدُلُّ عليه؟ ثُمَّ معَ تقييدِها بالتَّأبيدِ إن كانت لَنْ تدُلُّ عليه، ثُمَّ معَ تقييدِها بالتَّأبيدِ هنا لم تدُلَّ عليه؛ قال تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف: 77] ، فكيف إذًا أُطلِقَتْ؟
وممَّا يُؤيِّدُ عَدمَ كونِها للتَّأبيدِ المُطلَقِ تحديدُ الفِعلِ بعدَها؛ قال تعالى على لِسانِ ابنِ يعقوبَ: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي [يوسف: 80] ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذِكرِ الدَّجَّالِ: ((تَعلَّموا أنَّه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه عزَّ وجلَّ حتَّى يموتَ)) [740] أخرجه مسلم (169) من حديثِ بعضِ أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ، فهذه الشَّواهِدُ دليلٌ على عَدمِ اقتِضاءِ لَنْ النَّفيَ المُؤبَّدَ.
فإن قيل: كيف دلَّت لَنْ على التَّأبيدِ في قولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحـج: 73].
قُلْنا: لم تدُلَّ لَنْ على التَّأبيدِ هنا إلَّا بسببِ قرينةٍ "خارِجيَّةٍ"؛ هي العِلمُ القاطِعُ المُستمَدُّ مِن المُشاهَدةِ الصَّادِقةِ الدَّائِمةِ، وليس مِن ذاتِ دَلالةِ لَنْ، واللهُ أعلَمُ [741] يُنظر: ((النحو الوافي)) لعباس حسن (4/281). ويُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/95)، ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 133). .
قال الغَزاليُّ: (أمَّا قولُه سُبحانَه: لَنْ تَرَانِي فهو دَفعٌ لِما التمَسه، وإنَّما التمَس في الدُّنيا؛ فلو قال: أرِني أنظُرْ إليك في الآخِرةِ، فقال: لَنْ تَرَانِي؛ لكان ذلك دليلًا على نَفيِ الرُّؤيةِ، ولكن في حقِّ موسى صَلواتُ اللهِ سُبحانَه وسلامُه عليه على الخُصوصِ لا على العُمومِ، وما كان أيضًا دليلًا على الاستِحالةِ، فكيف وهو جوابٌ على السُّؤالِ في الحالِ؟) [742] ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: 38). .
فالحاصِلُ: أنَّ لَنْ هنا لتأكيدِ نَفيِ ما وقَع السُّؤالُ عنه، والسُّؤالُ إنَّما وقَع عن تحصيلِ الرُّؤيةِ في الحالِ، فكان قولُه: لَنْ تَرَانِي نَفيًا لذلك المطلوبِ، فأمَّا أن تُفيدَ النَّفيَ الدَّائِمَ فلا، وأمَّا عن استِشهادِ الزَّمَخشَريِّ على أنَّ لَنْ تُشعِرُ باستِحالةِ المنفيِّ بها عقلًا فمردودٌ بكثيرٍ مِن الآياتِ، كقولِه تعالى: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا [التوبة: 83] ، وقولِه تعالى: لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [هود: 36] ، وقولِه تعالى: لَنْ تَتَّبِعُونَا [الفتح: 15] ؛ فإنَّ الأخبارَ الوارِدةَ في هذه الآياتِ كلِّها جائِزاتٌ عقلًا لولا أنَّ الخبرَ منَع مِن وُقوعِها؛ فالرُّؤيةُ كذلك، فدعوى الاستِحالةِ العقليَّةِ على هذا باطِلةٌ لهذه الآياتِ وغَيرِها [743] يُنظر: ((الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال)) لابن المنير (2/114) من هامش الكشاف. .
أمَّا دعوى المجازِ في قولِ اللهِ تعالى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ [البقرة: 95] ؛ فمردودةٌ بأنَّ المجازَ خلافُ الأصلِ؛ فإنَّ الأصلَ الحقيقةُ، وهذه دعوى لا تقِفُ عندَ حدٍّ، وسَهلةٌ يَسيرةٌ على كُلِّ مَن كان الدَّليلُ ضِدَّه، ومُخالِفًا لرأيِه، فيرُدُّه بدعوى المجازِ، وأنَّ الحقيقةَ ما يدَّعيها، وتنزُّلًا نقولُ: أين القرينةُ الدَّالَّةُ على أنَّ المُرادَ خلافُ الحقيقةِ؟ ولا قرينةَ ههنا؛ فالآيةُ إذًا على حقيقتِها، ولَنْ لا تقتضي النَّفيَ الأبدِيَّ، وإن اقتضَت فليس يدُلُّ على مَنعِ الجوازِ، بل على مَنعِ وُقوعِ الجائِزِ.
الوَجهُ الثَّاني مِن أوجُهِ دَلالةِ الآيةِ على استِحالةِ الرُّؤيةِ عندَ المُعتَزِلةِ:
ما قاله عبدُ الجبَّارِ: (أنَّه علَّق الرُّؤيةَ باستِقرارِ الجبلِ فلا يخلو؛ إمَّا أن يكونَ علَّقها باستِقرارِه بَعدَ تحرُّكِه وتدكْدُكِه، أو علَّقها به حالَ تحرُّكِه، لا يجوزُ أن تكونَ الرُّؤيةُ علَّقها باستِقرارِ الجبلِ؛ لأنَّ الجبلَ قد استقرَّ ولم يَرَ موسى ربَّه، فيجِبُ أن يكونَ قد علَّق ذلك باستِقرارِ الجبلِ بحالِ تحرُّكِه دالًّا بذلك على أنَّ الرُّؤيةَ مُستحيلةٌ عليه، كاستِحالةِ استِقرارِ الجبلِ حالَ تحرُّكِه، ويكونُ هذا بمنزِلةِ قولِه تعالى: وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف: 40] [744] ((شرح الأصول الخمسة)) (265). .
والجوابُ:
أنَّه علَّقها باستِقرارِ الجبلِ مِن حيثُ هو مِن غَيرِ قيدٍ بحالِ الحركةِ أو السُّكونِ، وإلَّا لزِم الاحتِمالُ في الكلامِ، واستِقرارُ الجبلِ مِن حيثُ هو مُمكِنٌ قَطعًا، فلو فُرِض وُقوعُه لَما لزِم منه مُحالٌ لذاتِه، واستِقرارُه عندَ حركتِه ليس بمُحالٍ؛ إذ قد يحصُلُ الاستِقرارُ بَدلَ الحركةِ ولا محذورَ فيه؛ إذ المُحالُ الاستِقرارُ معَ الحركةِ في آنٍ واحِدٍ، لا وُقوعُ شيءٍ منهما في وقتٍ آخَرَ بَدلَ صاحِبِه [745] يُنظر: ((المواقف)) للجُرْجاني (8/121). .
الوَجهُ الثَّالثُ مِن أوجُهِ دَلالةِ الآيةِ على استِحالةِ الرُّؤيةِ عندَ المُعتَزِلةِ:
أنَّ قولَه تعالى حكايةً عن موسى عليه السَّلامُ: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ [الأعراف: 143] معناه: أُنزِّهُك ممَّا لا يجوزُ عليك، وهو رُؤيةُ اللهِ تعالى عندَهم.
قال الرَّازيُّ عندَ حكايتِه للأوجُهِ التي استدلَّ بها المُعتَزِلةُ على نَفيِ الرُّؤيةِ مِن الآيةِ: (قولُه سُبْحَانَكَ: الكَلِمةُ للتَّنزيهِ، فوجَب أن يكونَ المُرادُ منه تنزيهَ اللهِ تعالى عمَّا تقدَّم ذِكرُه، والذي تقدَّم ذِكرُه هو رُؤيةُ اللهِ تعالى، فكان قولُه: سُبْحَانَكَ تنزيهًا له عن الرُّؤيةِ، فثبَت بهذا أنَّ نَفيَ الرُّؤيةِ تنزيهٌ للهِ تعالى، وتنزيهُ اللهِ إنَّما يكونُ عن النَّقائِصِ والآفاتِ، وذلك على اللهِ مُحالٌ، فثبَت أنَّ الرُّؤيةَ على اللهِ مُمتنِعةٌ) [746] ((التفسير الكبير)) (14/233). .
هكذا قالوا في تأويلِها، وصحيحٌ أنَّ المُرادَ هو تنزيهُ اللهِ تعالى وتعظيمُه وإجلالُه عن أن يتحمَّلَ رُؤيتَه مَن كُتِب عليه الفَناءُ، حتَّى لا يتعارَض معَ ما ورَد مِن إثباتِ الرُّؤيةِ عن اللهِ وعن رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في دارِ الآخِرةِ، والرُّؤيةُ ليست مِن النَّقائِصِ على ما يدَّعيه نُفاتُها؛ فهي ليست نَقصًا في المخلوقِ، بل هي كمالٌ، وكُلُّ كمالٍ اتَّصَف به المخلوقُ، وأمكَن أن يتَّصِف به الخالِقُ؛ فالخالِقُ أَولى به، وقد أثبَتها اللهُ لنَفسِه، وأثبَتها له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وطلَبها موسى عليه السَّلامُ، فكيف يصِحُّ أن ندَّعيَ أنَّها مِن النَّقائِصِ؟ ومِن أين لنا القولُ في هذا؟
الرَّابعُ: مِن أوجُهِ دَلالةِ الآيةِ على استِحالةِ الرُّؤيةِ عندَ المُعتَزِلةِ: قولُ اللهِ تعالى حكايةً عن موسى عليه السَّلامُ لمَّا أفاق أنَّه قال: تُبْتُ إِلَيْكَ، ولولا أنَّ طَلبَ الرُّؤيةِ ذنبٌ لَما تاب منه، ولولا أنَّه ذنبٌ يُنافي صحَّةَ الإسلامِ لَما قال: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.
قال الزَّمَخشَريُّ: (تُبْتُ إِلَيْكَ مِن طَلبِ الرُّؤيةِ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنَّك لستَ بمرئيٍّ ولا تُدرَكُ بشيءٍ مِن الحواسِّ) [747] ((الكشاف)) (2/115). .
الجوابُ عليهم:
قال الباقِلَّانيُّ: (يُقالُ لهم في قولِه تعالى: تُبْتُ إِلَيْكَ: إنَّه لم يقُلْ جلَّ اسمُه: إنَّه تاب مِن مسألتِه إيَّاه الرُّؤيةَ، فيُمكِنُ أن يكونَ ذكَر ذنوبًا له قد قدَّم التَّوبةَ منها، فجدَّد التَّوبةَ عندَ ذِكرِها لهولِ ما رأى، كما يُسارِعُ النَّاسُ إلى التَّوبةِ ويُجدِّدونَها عندَ مُشاهَدةِ الهَولِ والآياتِ، ويحتمِلُ أن يكونَ المعنى في قولِه: تُبْتُ إِلَيْكَ مِن تَركِ استِئذاني لك في هذه المسألةِ العظيمةِ، ومِثلُها ما لا يكونُ معَه تكليفٌ لمعرفتِك والعِلمِ بك.
ويحتمِلُ أن يكونَ أراد بقولِه: تُبْتُ إِلَيْكَ أن أسألَك الرُّؤيةَ لهَولِ ما أصابني، لا لأنَّها مُستحيلةٌ عليك، ولا لأنِّي عاصٍ في سُؤالي، كما يقولُ القائِلُ: تُبتُ مِن كلامِ فلانٍ ومُعاملتِه، ورُكوبِ البحرِ، ومِن الحجِّ ماشيًا، إذا ناله في ذلك تَعبٌ ونَصَبٌ وشِدَّةٌ، وإن كان ذلك مُباحًا حَسنًا جائِزًا، والتَّوبةُ هي الرُّجوعَ عن الشَّيءِ، ومِن ذلك سُمِّي الإقلاعُ عن الذُّنوبِ والعَودُ إلى طاعةِ اللهِ تعالى توبةً؛ منها قولُه تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: 118] ، أي: رجَع بهم إلى الفَضلِ والامتِثالِ ليرجِعوا عمَّا كانوا عليه؛ فقولُه: تُبْتُ إِلَيْكَ، أي رجعْتُ عن سُؤالي إيَّاك الرُّؤيةَ، وهذا هو أصلُ التَّوبةِ، وليس الرُّجوعُ عن الشَّيءِ يقتضي كونَه عِصيانًا؛ فبطَل تعلُّقُهم بالآيةِ) [748] ((التمهيد)) (ص: 270). .
وقال القُرطُبيُّ: (قال مُجاهِدٌ في قولِه: تُبْتُ إِلَيْكَ مِن مسألةِ الرُّؤيةِ في الدُّنيا...، وقيل: قاله على جهةِ الإنابةِ والخُشوعِ له عندَ ظُهورِ الآياتِ) [749] ((الجامع لأحكام القرآن)) (7/279). .
ثالثًا: ممَّا استدَلُّوا به على نَفيِ الرُّؤيةِ أنَّ اللهَ تعالى ما ذكَر سُؤالَ الرُّؤيةِ في موضِعٍ مِن كتابِه إلَّا واستعظَمه، وورَد ذِكرُ ذلك في ثلاثِ آياتٍ
الآيةُ الأولى: قولُ اللهِ تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا [الفرقان: 21] .
وطالِبُ المُمكِنِ لا يكونُ عاتِيًا مُستكبِرًا، بل يكونُ بمنزِلةِ طَلبِ سائِرِ المُعجِزاتِ.
الآيةُ الثَّانيةُ: قولُ اللهِ سُبحانَه: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة: 55] .
ولو أمكنَت الرُّؤيةُ لَما عاقَبهم بسُؤالِها في الحالِ.
الآيةُ الثَّالثةُ: قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء: 153] .
فقد سمَّى اللهُ تعالى ذلك السُّؤالَ ظُلمًا، وجازاهم به في الحالِ بأخذِ الصَّاعِقةِ، ولو جاز كونُه مرئِيًّا لكان سُؤالُهم هذا سُؤالًا لمُعجِزةٍ زائِدةٍ، ولم يكنْ ظُلمًا ولا سببًا للعِقابِ [750] يُنظر: ((المختصر في أصول الدين)) (ص: 191)، ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 262) كلاهما لعبد الجبار. .
والجوابُ عن هذا:
إنَّ الاستِعظامَ إنَّما كان لطَلبِهم الرُّؤيةِ تعنُّتًا وعِنادًا.
قال أبو الحَسنِ الأشعَريُّ: (إنَّ بَني إسرائيلَ سألوا رُؤيةَ اللهِ عزَّ وجلَّ عن طريقِ الإنكارِ لنُبوَّةِ موسى، وتَركِ الإيمانِ به حتَّى يَرَوا اللهَ؛ لأنَّهم قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، فلمَّا سألوه الرُّؤيةَ عن طريقِ تَركِ الإيمانِ بموسى عليه السَّلامُ حتَّى يُرِيَهم اللهُ سُؤالَهم مِن غَيرِ أن تكونَ الرُّؤيةُ مُستحيلةً عليه، كما استعظَم اللهُ سُؤالَ أهلِ الكتابِ أن يُنزِّلَ عليهم كتابًا مِن السَّماءِ مِن غَيرِ أن يكونَ ذلك مُستحيلًا، ولكن لأنَّهم أبَوا أن يُؤمِنوا بنبيِّ اللهِ حتَّى يُنزِّلَ عليهم مِن السَّماءِ كتابًا) [751] ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 15). .
كما أنكَر قولَ مَن قال: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا، إلى قولِه أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ [الإسراء: 93] ؛ لأنَّه إنَّما كان على وَجهِ الاستِخفافِ بالرُّسلِ والتَّمرُّدِ، لا على طَلبِ الزِّيادةِ في العِلمِ، ولو كان طَلبُ الرُّؤيةِ مُمتنِعًا في ذاتِه لمنَعَهم موسى عليه السَّلامُ عن ذلك، كما منَعَهم حينَ طلَبوا أمرًا مُمتنِعًا، وهو أن يجعَلَ لهم صنمًا إلهًا يعبدونَه، كما يفعَلُ غَيرُهم؛ إذ قال لهم: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 139] .
ولا يُتصوَّرُ سكوتُ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ عن بيانِ الحقِّ لأُمَمِهم، وخاصَّةً فيما يتعلَّقُ بالذَّاتِ الإلهيَّةِ ممَّا يجوزُ ويمتنِعُ، فلمَّا لم يحصُلْ مِن موسى عليه السَّلامُ إنكارٌ على مَن طلَب الرُّؤيةَ دلَّ ذلك على جوازِها.
رابعًا: مِن أدلَّتِهم السَّمعيَّةِ قولُه تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51] .
ووَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ تبارَك وتعالى نفى كلامَه لأحدٍ مِن البشرِ إلَّا مِن هذه الطُّرقِ الثَّلاثةِ:
1- الوَحيُ:
وهو القَذفُ في الرُّوعِ، أي: إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى يقذِفُ في قلبِ النَّبيِّ شيئًا لا يُتمارى فيه أنَّه مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو مِثلُ ما حصَل لأمِّ موسى عليهما السَّلامُ، أو يكونُ رُؤيا منامِ، ورُؤيا الأنبياءِ عليهم السَّلامُ وحيٌ.
2- الكلامُ بلا واسِطةٍ ومِن وراءِ حِجابٍ:
وذلك كما كلَّم موسى عليه السَّلامُ، وقد سأل الرُّؤيةَ بَعدَ التَّكليمِ، فحُجِب عنها.
3- إرسالُ الرُّسلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ:
وهو الملَكُ الذي ينزِلُ بالوحيِ على الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ.
فقالت المُعتَزِلةُ إذا لم يَرَه مَن يُكلِّمُه في وقتِ الكلامِ لم يَرَه في غَيرِه إجماعًا، وإذا لم يَرَه هو أصلًا لم يَرَه غَيرُه أيضًا؛ إذ لا قائِلَ بالفرقِ [752] ((شرح المواقف)) للجُرْجاني (8/142). ، يُؤيِّدُ هذا ما جاء في حديثِ مسروقٍ؛ قال: (كنْتُ مُتَّكِئًا عندَ عائِشةَ، فقالت: يا أبا عائِشةَ: ثلاثٌ مَن تكلَّم بواحِدةٍ منهنَّ فقد أعظَم على اللهِ الفِريةَ، قُلْتُ: ما هنَّ؟ قالت: مَن زعَم أنَّ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى ربَّه فقد أعظَم على اللهِ الفِريةَ، قال: وكنْتُ مُتَّكِئًا، فجلسْتُ، فقُلْتُ: يا أمَّ المُؤمِنينَ أنظِريني ولا تُعجليني، ألَمْ يقُلِ اللهُ عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير : 23] ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم: 13] ، فقالت: أنا أوَّلُ هذه الأمَّةِ سأل عن ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((إنَّما هو جِبريلُ، لم أرَه على صورتِه التي خُلِق عليها غَيرَ هاتَينِ المرَّتَينِ؛ رأَيتُه مُنهبِطًا مِن السَّماءِ سادًّا عِظَمُ خَلقِه ما بَينَ السَّماءِ والأرضِ ))، فقالت: أولَمْ تسمَعْ أنَّ اللهَ يقولُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51] ؟)) الحديثَ [753] أخرجه البُخاريُّ (4855)، ومُسلمٌ (177) واللَّفظُ له. .
الجوابُ:
قال الإيجيُّ: (إنَّ التَّكليمَ وحيًا قد يكونُ حالةَ الرُّؤيةِ، وماذا فيه مِن الدَّليلِ على نَفيِ الرُّؤيةِ؟) [754] ((شرح المواقف)) (8/143). .
واستِدلالُ عائِشةَ رضِي اللهُ عنها بالآيةِ على نَفيِ الرُّؤيةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لربِّه: هذا حقٌّ؛ لأنَّ النَّفيَ مُنصَبٌّ على وُقوعِ الرُّؤيةِ في الدُّنيا -ولم تقعْ لأحدٍ على الصَّحيحِ-، وليس لنَفيِ جوازِ الرُّؤيةِ مُطلَقًا كما يَستدِلُّ به النُّفاةُ مِن الجَهميَّةِ والمُعتَزِلةِ والإماميَّةِ وغَيرِهم.
وجُمهورُ أهلِ السُّنَّةِ على أنَّ الرُّؤيةَ في الدُّنيا وإن كانت جائِزةً فإنَّها لم تقعْ فيها.

انظر أيضا: