موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: الطَّورُ الأوَّلُ للمُعتَزِلةِ بوَصْفِها فِرقةً مُستقِلَّةً


بدأ فِكرُ المُعتَزِلةِ يتبلوَرُ بوَصْفِها فِرقةً مُستقِلَّةً في البصرةِ على يدِ واصِلِ بنِ عطاءٍ الذي كان يحضُرُ مجالِسَ الحَسنِ البَصريِّ، وقد اعتزَل حَلْقتَه بَعدَ أن سُئِل عن مُرتكِبِ الكبيرةِ الذي يموتُ دونَ توبةٍ، فسكَت الحَسنُ، وأجاب واصِلٌ بأنَّ الفاسِقَ مُرتكِبَ الكبيرةِ في منزِلةٍ بَينَ المنزِلتَينِ، فلا يُقالُ له: مُؤمِنٌ، ولا يُقالُ له: كافِرٌ، ومعَ ذلك فإنَّه قال بتأبيدِه في النَّارِ خالدًا فيها، فوافَق الخوارِجَ في ذلك وإن خالَفهم في عَدمِ إطلاقِ اسمِ الكُفرِ عليه [386] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 89). .
وقد ذهَب واصِلٌ إلى ما ذهبَت إليه مِن قَبلُ "القَدَريَّةُ" أتباعُ مَعبَدٍ الجُهَنيِّ وغَيلانَ، مِن نَفيِ القَدَرِ.
ووافَق "الجَهميَّةَ" أتباعَ الجَعدِ بنِ دِرهَمٍ والجَهمِ بنِ صفوانَ في نَفيِ الصِّفاتِ الإلهيَّةِ -كما سبَق-، ولكن بصورةٍ غَيرِ مُعقَّدةٍ ولا مُلتبِسةٍ بشيءٍ مِن الفلسفةِ ومباحِثِها؛ إذ إنَّ التَّأثُّرَ الخارِجيَّ كان في مُجرَّدِ استيرادِ الفِكرةِ بذاتِها وتطبيقِها على الإسلامِ، أمَّا استِخدامُ المنهَجِ الفلسفيِّ أو الأبحاثِ اللَّاهوتيَّةِ في تقريرِها، فلم يكنْ له أيُّ أثرٍ حتَّى ذلك الحينِ.
إذًا فقد نشأت حَولَ واصِلٍ نواةُ الفِرقةِ الاعتِزاليَّةِ؛ حيثُ أظهَر بعضَ مُعتقداتِها، وتابَعه على ذلك عَمرُو بنُ عُبَيدٍ [387] يُنظر: ((الحور العين)) للحِمْيَري (ص: 206)، ((المُنْية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 34). .

انظر أيضا: