موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: أدِلَّةُ وُقوعِ بَعضِ الرِّفاعيَّةِ في الكَذِبِ على الشَّيخِ الرِّفاعيِّ وغَيرِه


من خِلالِ ما ذَكرَه الرِّفاعيَّةُ منَ الكَراماتِ المَنسوبةِ للرِّفاعيِّ أو لغَيرِه يُلاحَظُ أنَّه تَمَّ اقتِباسُ العَديدِ من كَراماتِ السَّابقينَ المَرويَّةِ في كُتُبِ التَّصَوُّفِ المُتَقدِّمةِ، كالرِّسالةِ القُشَيريَّةِ وغَيرِها. ومن ذلك:
1- قِصَّةُ دَعوةِ الرِّفاعيِّ التي قال فيها: (أتَستَكثِرُ عَليَّ خَصلةً مَن خَصائِلِ الكَلبِ؟) والتي ذَكَرَها الصَّيَّاديُّ، فهذه القِصَّةُ عَينُها مَنسوبةٌ إلى أبي عُثمانَ الحيريِّ كما في (الرِّسالةِ القُشَيريَّةِ) للقُشَيريِّ [858] يُنظر: ((الرسالة)) (2/ 401). ، و(إحياءِ عُلومِ الدِّينِ) للغَزالِّي [859] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) (3/ 71). ، وكِلاهما ماتا قبلَ مَولِدِ الرِّفاعيِّ.
2- قِصَّةُ الأسَدِ الذي أكَل الشَّابَّ، وفيها أنَّ الرِّفاعيَّ قال له: (ألم أقُلْ لك: لا تَتَعَرَّضْ لضيفاني؟) ذَكَرها الصَّيَّاديُّ مَنسوبةً إلى الرِّفاعيِّ، والعِبارةُ في الحَقيقةِ مَذكورةٌ في إحياء عُلومِ الدِّينِ ومَنسوبةٌ إلى إبراهيمَ الدَّقيِّ [860] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) (3/ 28). .
3- قِصَّةُ الأستاذِ الذي أعطى كُلَّ تِلميذٍ من تَلاميذِه عُصفورًا وأمرَ أن يَذبَحَ كُلٌّ منهم عُصفورَه على حِدةٍ بحَيثُ لا يَراهم أحَدٌ، ففعَل كُلٌّ منهم ذلك إلَّا الرِّفاعيَّ؛ فإنَّه جاءَ ولم يَذبَحِ العُصفورَ، فقال له الأستاذُ: لمَ لمْ تَذبَحِ العُصفورَ؟ فقال الرِّفاعيُّ: يا سَيِّدي، شَرَطتُم عَليَّ خُلوَّ المَكانِ، وكُلُّ مَوضِعٍ ذَهَبتُ إليه رَأيتُه مَشغولًا باللهِ! هذه القِصَّةُ ذَكَرَها الرِّفاعيَّةُ [861] يُنظر: ((النجم الساعي)) للعيدروس (ص: 21) مطبوع مع ((الأسرار الإلهية شرح القصيدة الرفاعية للصيادي)). غَيرَ أنَّها مَوجودةٌ في (الرِّسالةِ القُشَيريَّةِ) مَنسوبةً إلى شَيخٍ لم يُذكَرِ اسمُه، لكِنَّها بالطَّبعِ لغَيرِ الرِّفاعيِّ؛ لأنَّ القُشَيريَّ كَتَبَ رِسالتَه قَبل أن يولدَ الرِّفاعيُّ بعَشَراتِ السِّنينَ [862] يُنظر: ((الرسالة)) (1/ 193). !
وقد رَوى الرِّفاعيَّةُ مِن تَواضُعِ الرِّفاعيِّ الشَّيءَ الكَثيرَ، وأنَّه لم يَكُنْ يرى لنَفسِه مقامًا ولا رُتبةً ولا مَشيَخةً، حتَّى إنَّه كان يَحلفُ باللهِ أن يَحشُرَه مَعَ فِرعَونَ وهامانَ إن كان خَطَر ببالِه يَومًا أنَّه شَيخٌ على أحَدٍ منَ النَّاسِ! ويَقولُ: (ما مَثلي إلَّا كمِثلِ ناموسةٍ على الحائِطِ لا قدرَ لها) [863] ((البرهان المؤيد)) (ص: 52). !
وأنَّه قال: (أيْ عَبدَ السَّميعِ، اعمَلْ بنَصيحَتي، ولا تَرَني رَجُلًا، إن قال لك قائِلٌ:إنَّ في مَملكةِ الرَّحمَنِ مَخلوقًا هو أضعَفُ من هذا اللَّاشَيءِ أحَيمِدٍ فلا تُصَدِّقْه! بل أقولُ: يَسَّرَ اللهُ عَليَّ وعَليك الطَّريقَ، وجَعَلَنا وإيَّاكَ والمُسلمينَ منَ المُصطَفينَ الأخيارِ والمُخلِصينَ الأبرارِ، أحبابِ اللهِ ورَسولِه، «وكَفى باللهِ وليًّا» والحَمدُ للَّهِ رَبِّ العالَمينَ) [864] ((الحكم الرفاعية)) (ص: 26). .
إنَّ هذا التَّواضُعَ الذي يَحكيه الرِّفاعيَّةُ عن شَيخِهم لا يَتَّفِقُ مَعَ ما نَسَبوه إليه منَ الخَفضِ والرَّفعِ والعَطاءِ والمَنعِ، وكَونِ الأرضِ في قَبضَتِه والدَّهرِ طائِعٌ لأمرِه، إلى غَيرِ ذلك! ممَّا يَدُلُّ على وُقوعِهم في الكَذِبِ على شَيخِهم.
قال مَحمود شُكري الألوسيُّ: (وما نَقَله النَّبهانيُّ عن شَيخِه الرِّفاعيِّ فإن صَحَّ نَقلُه، وأنَّ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال: مَن كانت له حاجةٌ فليستَقبِلْ عَبَّادانَ نَحوَ قَبري، ويَمشي سَبعَ خُطواتٍ ويَستَغيثُ بي؛ فإنَّ حاجَتَه تُقضى- فليس فيه دَليلٌ؛ لأنَّ الرِّفاعيَّ لم يَكُنْ نبيًّا ولا رسولًا يوحى إليه، بل كان فردًا من أفرادِ الأمَّةِ وواحدًا منهم، وكان من ضُعَفاءَ المُقَلِّدينَ للإمامِ الشَّافِعيِّ رَحِمَه اللهُ، ولو قال صاحِبُ مَذهَبِه قولًا ليس عليه دَليلٌ لرُدَّ عليه، فكَيف بهذا المِسكينِ؟ وكلٌّ يُؤخَذُ منه ويُرَدُّ عليه إلَّا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! وهذا الكَلامُ الذي أسنَدَه النَّبهانيُّ لأحمَدَ الرِّفاعيِّ إن كان قاله جهلًا فالمَرجوُّ منَ اللهِ أن يَغفِرَ له خَطيئَتَه ويَعفوَ عن زَلَلِه، وإن كان قاله بَعدَ قيامِ الحُجَّةِ عليه وظُهورِ البُرهانِ على فسادِه وبُطلانِه فقد ذَكَرنا حُكمَه فيما سَبَقَ، وحُسنُ الظَّنِّ بأحمَدَ الرِّفاعيِّ أن يُنَزَّهَ عن قَولِ الهَذَيانِ ومِثلِ هذا البُهتانِ! كَيف يَدَّعي الرُّبوبيَّةَ وقد كان -رَضِيَ اللهُ عنه- أعورَ العَينِ، وكُلُّ أحَدٍ يَعلمُ أنَّ اللهَ ليس بأعوَرَ؟! وكُلِّ هذه الدَّعاوي الباطِلةِ منَ النَّبهانيِّ الشَّيطانيِّ تقرُّبًا إلى شَيخِه دَجَّالِ العَصرِ يَقصِدُ أبا الهُدى الصَّيَّاديَّ؛ فإنَّه أحَدُ مَرَدَتِه، على أنَّه إن صَحَّت نِسبةُ كِتابِ «البُرهانُ المُؤَيِّدُ» للرِّفاعيِّ، فهو يُبطِلُ ما نَسَبَه إليه النَّبهانيُّ؛ فإنَّ فيه ما هو خِلافُ هذا، وهو حَصرُ أنواعِ العِبادةِ كُلِّها للَّهِ، ولكِنَّ الذي نَسَبَ هذا الكِتابَ إليه دَجَّالُ العَصرِ شَيخُ الضَّلالِ مَنبَعُ الكَذِبِ والافتِراءِ، وكَم له من مِثلِ هذه المَكايِدِ والدَّسائِسِ!... وكَم قدِ انتَحَل له كتابًا وافتَرى له دَعاوى باطِلةً! وتَسميةُ ذلك بالبُرهانِ المُؤَيِّدِ لصاحِب مَدِّ اليَدِ أوضَحُ دَليلٍ على الانتِحالِ؛ فإنَّ أحمَدَ الرِّفاعيَّ لم يَدَّعِ مَدَّ اليَدِ؛ تلك الدَّعوى الكاذِبةَ، حتَّى يَجعَلَها جزءًا مِن علمِ كِتابِه، ودَجَّالُ العَصرِ نَسَبَ إليه وإلى أصحابِه كثيرًا منَ الكُتُبِ المَشحونةِ بالكَذِبِ وقَولِ الزُّورِ، ولم نَرَ أحدًا مِمَّن تَرجَمَه ذَكَر أنَّ له كتابًا سَمَّاه «البُرهانَ المُؤَيِّدَ لصاحِبِ مَدِّ اليَدِ»، ولا ذَكَروا له غَيرَه منَ الكُتُبِ التي انتَحَلها له ذلك الزَّائِغُ... وهذا الخَبيثُ له منَ المكائدِ والحِيَلِ ما يَعجِزُ الشَّيطانُ عن مِثلِها، كما فُصِّل بَعضُ ذلك في كِتابِ المَساميرِ الذي ألِّف في بَيانِ فضائِحِه ومَساويه وخبائِثِه، وقد سَرى شَرُّه إلى جَميعِ مَرَدَتِه والمُنتَسِبينَ إليه، ومنهمُ النَّبهانيُّ... وهو اليَومَ أعظَمُ بلاءً على المُسلمينَ، قد أضَرَّ الدَّولةَ والمِلَّةَ، وبواسِطَتِه تَوسَّدَ الأمورَ غَيرُ أهلِها، وأضَرَّ بَيتَ مالِ المُسلمينَ... ادَّعى الشَّرَفَ، وهو ليس بشَريفٍ، وادَّعى أنَّه شَيخُ الطَّريقةِ، وذِكرُه تَصفيقٌ ورَقصٌ وضَربُ دُفٍّ، وإباحةُ المُحَرَّماتِ والمُنكَراتِ) [865] يُنظر: ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (2/ 341). !



انظر أيضا: