موسوعة الفرق

الفَصلُ العاشِرُ: الصُّوفيَّةُ والسِّحرُ


لا شَكَّ أنَّ ثَمَّةَ عَلاقةً قَويَّةً قديمًا وحَديثًا بَينَ عَدَدٍ مِنَ المُتَصَوِّفةِ أوِ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ وبينَ السِّحرِ، وهذا مُدَوَّنٌ في بَعضِ كُتُبِهم، وهو أيضًا واقِعٌ مُشاهَدٌ لا يُمكِنُ لأحَدٍ إنكارُه، حَتَّى صارَ بَعضُ مَن يَدَّعونَ الوِلايةَ والكَراماتِ وعِلاجَ المَرضى ونَحوَ ذلك هم مُجَرَّدُ سَحَرةٍ [350] يُنظر لهذا الفصل: ((الكشف عن حقيقة الصوفية)) للقاسم (ص: 859- 870)، ((المناظرات العقدية لشيخ الإسلام ابن تيمية)) للحمري (ص: 270- 271)، ((التصوف - المنشأ والمصادر)) لظهير (ص: 146- 147). !
وقد نُسِبَ إلى سَهلِ بنِ عَبدِ اللَّهِ التُّستَريِّ رِسالةٌ في الحُروفِ سَمَّاها بَعضُهم زايرجة -وهيَ جَدولٌ تَنجيميٌّ سِحريٌّ- وهيَ لا تُعرَفُ مِن ضِمنِ قائِمةِ كُتُبِ سَهلٍ التي دَوَّنَها تَلاميذُه، وليس لها سَنَدٌ إليه [351] يُنظر: ((الاتجاهات العقدية عند الصوفية)) للسهلي (ص: 44، 45). .
كما نُسِبَت كذلك بَعضُ الكُتُبِ إلى الجُنَيدِ في مَوضوعاتٍ لا تُعرَفُ عَنه كالطَّلاسِمِ، بَل ما فيها مُخالِفٌ لِما عُرِف عَنه مِن سَدادٍ واستِقامةٍ [352] يُنظر: ((الاتجاهات العقدية عند الصوفية)) للسهلي (ص: 46). .
ومِن أشهَرِ ذلك كِتابُ (شَمسُ المَعارِفِ) للصُّوفيِّ أحمَدَ بنِ عَليٍّ البونيِّ، الذي قال عَنه يوسُفُ النَّبهانيُّ: ("أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُ عَليٍّ البونيُّ" مِن كِبارِ المَشايِخِ ذَوي الأنوارِ والأسرارِ، ومِمَّن أخَذَ عنه المُرسي، فمِن كَراماتِه أنَّه كان مُجابَ الدَّعوةِ... توفِّي سَنةَ "622هـ"، قاله المُناويُّ) [353] ((جامع النبهاني)) (1/508). .
ومِمَّا جاءَ في هذا الكِتابِ: (بابُ رياضةِ قُلْ أُوحِيَ المَشهورةِ:
اعلَم أيُّها الأخُ إذا أرَدتَ ذلك صُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ أوَّلُها الثُّلاثاءُ ثُمَّ الأربعاءُ والخَميسُ، وهو صيامُك عَن غَيرِ ذي روحٍ، وأنتَ تَبخرُ بحصا لبانٍ وجاوي لَيلًا ونَهارًا، وأنتَ تَقرَأُ السُّورةَ الشَّريفةَ في مُدَّةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ ألفَ مَرَّةٍ في تلك المُدَّةِ المَذكورةِ... واجتَهِدْ أن يَكونَ خَتمُك مِن قِراءَتِها لَيلةَ الجُمُعةِ الثُّلُثَ الأوسَطَ مِنَ اللَّيلِ؛ فإنَّه يَحضُرُ لَك خادِمُها، وهو رَجُلٌ قَصيرٌ طَويلُ اليَدَينِ، فيَجلسُ قُدَّامَك، ويَقولُ لك: السَّلامُ عليك، فثَبِّتْ جَنانَك؛ فإنَّ عليه هَيبةً عَظيمةً... والعَزيمةُ والدَّعوةُ هيَ السُّورةُ الشَّريفةُ بتَمامِها، وكذا البَخورُ. واعلَمْ أيُّها الواصِلُ أنَّها مِنَ الأسرارِ المُختَصَّةِ، وأنَّها مِن كُتُبِ الأنبياءِ والأولياءِ وأسرارِهم، وهي هذه، تَقولُ:... يا خُدَّامَ هذه الدَّعوةِ الرُّوحانيِّينَ... أقسَمتُ عليكم بهذه الدَّعوةِ والأسماءِ والسُّورةِ، بحَقِّ أرقوش، كلهوش، بططهوش، كمطهلوش، بهوش، قانوش، أقسمتُ عليك يا روقيائيل الملَكُ الموكَّلُ بفَلَكِ الشَّمسِ) [354] ((شمس المعارف الكبرى)) (ص: 122، 123، 124). .
وقال أيضًا: (فَصلٌ: تُكتَبُ هذه الأسماءُ في وِسادةٍ للمُتَباغِضينِ مِنَ الزَّوجَينِ، وهي أسماءُ أمِّ موسى، يَومَ الجُمُعةِ عِندَ جُلوسِ الإمامِ على المِنبَرِ، أو شَرَعَ في الأذانِ الأوَّلِ، بالزَّعفرانِ وماءِ الوردِ والطِّيبِ والقَرَنفُلِ مَفروكًا في ماءِ وردٍ، ثُمَّ اطوِ الكِتابَ وتُصَمِّغُه بالغاليةِ، وتَجعَلُ الكِتابةَ في جَوفِ الوِسادةِ التي يَنامانِ عليها؛ فإنَّهما يَتَحابَّانِ، وهذا ما تَكتُبُ: طسوم، عيسوم، علوم، كلوم، حيوم، قيوم، ديوم...) [355] ((شمس المعارف الكبرى)) (ص: 213). .
وهذه أسانيدُ عُلومِ البُونيِّ، يَقولُ: (سَنَدي بعِلمِ الحُروفِ إلى الشَّيخِ الإمامِ أبي الحَسَنِ البَصريِّ، وهو أخذَ عَن حَبيبٍ العَجَميِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ داوُدَ الجِيليِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ مَعروفٍ الكَرخيِّ، عَنِ الشَّيخِ سَريِّ الدِّينِ السَّقطيِّ، عَن شَيخِ الوقتِ والطَّريقةِ مَعدِنِ السُّلوكِ والحَقيقةِ الشَّيخِ الجُنَيدِ البَغداديِّ، عَنِ الشَّيخِ حَمَّادٍ الدِّينَوَريِّ، عَنِ الشَّيخِ أحمَدَ الأسودِ، عَنِ الشَّيخِ مُحَمَّدٍ الغَزاليِّ، عَنِ الشَّيخِ أبي النَّجيبِ السُّهرَوَرديِّ، وهو لَقَّنَ الشَّيخَ العارِفَ الفاضِلَ أصيلَ الدِّينِ الشِّيرازيَّ، وهو لَقَّنَ الشَّيخَ عَبدَ اللَّهِ البايانيَّ، وهو لَقَّنَ الشَّيخَ قاسِمًا السِّرجانيَّ، وهو لَقَّنَ الشَّيخَ السِّرجانيَّ، وهو لَقَّنَ الشَّيخَ الإمامَ العارِفَ الصَّمَدانيَّ والهُمامَ النُّورانيَّ جَلالَ الدِّينِ عَبدَ اللَّهِ البِسطاميَّ، وهو لَقَّنَ شَمسَ وصلَتي وبَدرَ قَلبي طَودَ الحَقائِقِ الشَّامِخَ وجَبَلَ المَعارِفِ الرَّاسِخَ شَمسَ العارِفينَ وسِرَّ اللهِ في الأرَضينَ أبا عَبدِ اللَّهِ شَمسَ الدِّينِ الأصفهانيَّ.
"وأيضًا" سَنَدي بعِلمِ الأوفاقِ... وأخذَ مِنه أيضًا عَنِ الشَّيخِ الإمامِ العَلَّامةِ سِراجِ الدِّينِ الحَنَفيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ شِهابِ الدِّينِ القُدسيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ شَمسِ الدِّينِ الفارِسيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ شِهابِ الدِّينِ الهَمدانيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ قُطبِ الدِّينِ الضِّيائيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ مُحيي الدِّينِ بنِ عَرَبيٍّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ أبي العَبَّاسِ أحمَدَ بنِ التُّوريزيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ أبي عَبدِ اللَّهِ القُرَشيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ أبي مَديَنَ الأندَلُسيِّ.
"وأيضًا" أخَذتُ هذه الرِّوايةَ عَنِ الشَّيخِ مُحَمَّد عِزِّ الدِّينِ بنِ جَماعةَ الشَّافِعيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ سيريرٍ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ شِهابِ الدِّينِ الهَمدانيِّ، وهو أخذَ عَن قُطبِ الدِّينِ أيضًا، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ مُحيي الدِّينِ بنِ عَرَبيٍّ.
"وأيضًا" سَنَدي بعِلمِ الحُروفِ والوَفقِ إلى الشَّيخِ الإمامِ العالمِ العَلَّامةِ الفقيهِ الثِّقةِ مُساعِدِ بنِ ساديِّ بنِ مَسعودِ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ رَحمةَ الهَوَّاريِّ الحِميَريِّ القُرَشيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ شِهابِ الدِّينِ أحمَدَ الشَّاذِليِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ تاجِ الدِّينِ عَطاءٍ المالكيِّ الشَّاذِليِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ أبي العَبَّاسِ أحمَدَ بنِ عُمَرَ الأنصاريِّ المُرسي.
و"أيضًا" سَنَدي بعِلمِ الحُروف والوَفقِ إلى الشَّيخِ الإمامِ العَلَّامةِ أبي العَبَّاسِ أحمَدَ بنِ مَيمونٍ القَسطَلَّانيِّ، وهو أخذَ عَنِ الشَّيخِ أبي عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بنِ أحمَدَ القُرَشيِّ، عَنِ الشَّيخِ الإمامِ العَلَّامةِ أُستاذِ العَصرِ وأوحَدِ الدَّهرِ أبي مَديَنَ شُعَيبِ بنِ حَسَنٍ الأنصاريِّ الأندَلُسيِّ؛ رَأسِ السَّبعةِ الأبدالِ، وواحِدِ الأربَعةِ الأوتادِ) [356] ((شمس المعارف الكبرى)) (ص: 530) وما بعدها. .
ومِن أقوالِ ابنِ سَبعينَ في الرِّسالةِ النُّوريَّةِ: (ومِن فضيلَتِه "أي: الذِّكرِ" أنَّه يَنفعُ في سَبعِ خَواصَّ مِنَ السِّيمياءِ... ومَن أرادَ استِعمالَ قُوى الكَواكِبِ بحَسبِ صِناعةِ أهلِ العِلمِ الرِّياضيِّ لا بُدَّ له مِنَ الذِّكرِ، وذلك بَعدَ الدُّستوريَّةِ، أعني أن يَكونَ الكَوكَبُ في بَيتِه أو شَرَفِه في الوتَدِ، ويَنظُرَ الكَوكَبُ إليه مِن بَيتِه أو شَرفِه مِنَ الوتَدِ، كالزُّهَرةِ في الميزانِ في الطَّالعِ، وزُحَلَ في الجَدْيِ أو في الميزانِ، والمِرِّيخِ في الجَدْيِ، واعلَمْ أنَّ الكَوكَبَ إذا كان في الحَيِّزِ أوِ البُرجِ أوِ الدُّستوريَّةِ كان أظهَرَ فِعلًا وأقوى تَأثيرًا، ثُمَّ يَعمِدُ إلى اتِّخاذِ الصُّورةِ والاسمِ والبَخورِ والأفعالِ...) [357] ((رسائل ابن سبعين)) (ص: 160، 161). .
وقال في فصلٍ آخَرَ: (... وهذه السِّيمياءُ تَنقَسِمُ إلى خَمسةِ أقسامٍ: الكاذِبةُ مِنها الذي يَذكُرُها مُسلِمةُ المَجْريطيُّ صاحِبُ "رَسائِل إخوانِ الصَّفا" [358] المشهورُ أنَّ رسائِلَ ((إخوان الصفا)) من تأليفِ جماعةٍ من البَصرةِ. ، والمَشكوكُ مِنها الذي يَزعُمُ ابنُ مَسَرَّةَ أنَّه وصَلَه، والصَّحيحُ مِنها الذي إذا وُصِف للفقيهِ سَمَّاه كَرامةً، وإذا ذُكِرَ للحَكيمِ سَمَّاه تَصريفًا، وإذا ذُكِرَ للمُقَرَّبِ المُحَقِّقِ سَمَّاه فِتنةً) [359] ((رسائل ابن سبعين)) (ص: 253، 254). .
وقال أحمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المالكيُّ الصَّاوي في حاشيَتِه على (شَرحِ الخَريدةِ البَهيَّةِ): (سَيِّدي مُحَمَّدٌ الخَلوتيُّ... أخَذَ عَنِ الشَّيخِ دِمِرداش فأحَبَّه وقَرَّبَه وشَغَلَه بالطَّريقِ وأخلاه -أي: أدخَلَه الخَلوةَ- مِرارًا، وظَهَرَت نَجابَتُه وجَدَّ واجتَهَدَ واشتَهَرَ وتَلَقَّى عنه عِلمَ الأوفاقِ والحَرفِ والزَّايرجا والرَّملِ، فأتقَن ذلك) [360] ((حاشية العلامة الصاوي على شرح الخريدة البهية)) (ص: 149). . والأوفاقُ والحرفُ والزَّايرجا والرَّملُ: هي من أبوابِ السِّحرِ، وأحمدُ الصَّاوي كان شيخَ الطَّريقةِ الخَلَوتيَّةِ.
ومِن كِتابِ (النَّفحةُ العَليَّةُ في أورادِ الشَّاذِليَّةِ): (فصلٌ: في ذِكرِ الدَّائِرةِ والخاتَمِ والحِرزِ والسَّيفِ، وكُلُّها أسماءٌ بمُسَمًّى واحِدٍ، وفي كَيفيَّةِ وَضعِها وما فيها مِنَ الخَواصِّ قِراءةً وحَملًا، وضَبطِ أسمائِها المُعجَمةِ وغَيرِ ذلك. اعلَمْ أنَّ الرِّوايةَ في هذه الدَّائِرةِ مِن طَريقَينِ؛ أحَدُهما: عَن سَيِّدي الإمامِ أحمَدَ أبي العَبَّاسِ المُرسي، والثَّانيةُ: عَن سَيِّدي الإمامِ شِهابِ الدِّينِ وَلَدِ الشَّيخِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ رَضيَ اللهُ عنهم.
أمَّا خَواصُّها فمِنها ما رَواه سَيِّدي الإمامُ شِهابُ الدِّينِ عَن والدِه قال: هذه الدَّائِرةُ ورِثتُها عَن آبائي وأجدادي الكِرامِ، ويُريدُ آباءَه في الطَّريقِ، قال: وكان الشَّيخُ يَكتُبُ هذه الدَّائِرةَ بالسَّنَدِ، وقال: مَن كانت هذه الدَّائِرةُ على رَأسِه لا يَموتُ، أي: ما دامَت على رَأسِه) [361] ((النفحة العلية)) (ص: 191). .
ومَنِ اطَّلَعَ على فُنونِ السِّحرِ يَعرِفُ أنَّ هذا الذي ذَكَروه (الدَّائِرةُ والأسماءُ والحَريرةُ ورَقُّ الغَزالِ...) هو مِن أبوابِ السِّحرِ.

انظر أيضا: