موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: تَعريفُ التَّصَوُّفِ لُغةً


الأصلُ الذي اشتُقَّت منه كَلِمةُ (التَّصَوُّفِ) أو كَلِمةُ (صوفيٍّ)، لم يُعرَفْ له مَصدَرٌ مُحَدَّدٌ من قِبَلِ أكثَرِ الباحِثينَ، سَواءٌ منَ الصُّوفيَّةِ أو من غَيرِهم، ولكِنَّهم ذَكَروا عِدَّةَ احتِمالاتٍ لتَحديدِ الشَّيءِ الذي اشتُقَّت منه [13] يُنظر: ((مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية)) لإدريس (1/25- 29). وللاستزادة يُنظر: ((التجانية: دراسة لأهم عقائد التجانية في ضوء الكتاب والسنة)) لدخيل الله (ص: 29- 35). .
فالاحتِمالُ الأوَّلُ: أنَّ كَلمةَ التَّصَوُّفِ نِسبةٌ إلى الصَّفاءِ، وقد رَدَّ هذه النِّسبةَ القُشَيريُّ [14] يُنظر: ((الرسالة القشيرية)) (ص: 126).  والكلاباذِيُّ [15] يُنظر: ((التعرف لمذهب أهل التصوف)) (ص: 8). .
الاحتمالُ الثَّاني: أنَّها مَنسوبةٌ إلى الصُّفَّةِ؛ نِسبةً إلى أهلِ الصُّفَّةِ الذينَ كانوا يَقعُدونَ في مُؤَخِّرةِ مَسجِدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [16] يُنظر: ((أبو حامد الغزالي والتصوف)) لدمشقية (ص: 136) فقد أبطلها من عدَّةٍ وجوهٍ. ، وهي نِسبةٌ باطِلةٌ لُغَويًّا وواقِعيًّا.
الاحتمالُ الثَّالِثُ: أنَّ التَّصَوُّفَ نِسبةٌ إلى رَجُلٍ يُقالُ له صوفةُ، واسمُه العَونيُّ بنُ مُرٍّ، وإنَّما سُمِّيَ صوفةَ؛ لأنَّ أمَّه نَذَرَت لئِن عاشَ لتُعَلِّقنَ برَأسِه صوفةً ولتَجعَلنَّه رَبيطَ الكَعبةِ، فكان أوَّلَ مَن تَفرَّد بخِدمةِ بَيتِ اللهِ الحَرامِ، وانتَسَبَ إليه قَومٌ في الجاهليَّةِ فسُمُّوا صوفيَّةً، وقدِ انقَطَعوا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ وقَطَنوا الكَعبةَ، فمَن تَشَبَّه بهم فهمُ الصُّوفيَّةُ [17] يُنظر: ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 163). .
الاحتمالُ الرَّابعُ: أن تَكونَ نِسبةُ هذه الكَلمةِ إلى صوفانةَ، وهي بقلةٌ رَعناءُ قَصيرةٌ، ونُسِبوا إليها لاكتِفائِهم بنَباتِ الصَّحراءِ، وهذا أيضًا لا يَصِحُّ لُغَويًّا؛ لأنَّه لو نُسِبوا إليها لقيلَ للواحِدِ منهم: صُوفانيٌّ [18] يُنظر: ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 163). .
الاحتمالُ الخامِسُ: أن تَكونَ نِسبةُ هذه الكَلمةِ إلى الصُّوفِ، وقد ذَهَبَ إلى ذلك ابنُ فارِسٍ [19] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) (3/322). ، وابنُ تَيميَّةَ [20] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/6). ، وابنُ خَلدونَ [21] يُنظر: ((مقدمة ابن خلدون)) (ص: 467). .
ولعَلَّ هذا الاحتِمالَ هو الأرجَحُ، واللهُ تعالى أعلَمُ؛ لأنَّ القَومَ كانوا يَلبَسونَ الصُّوفَ كَثيرًا، رَغمَ أنَّ الإسلامَ لم يَأمُرْ بتَعذيبِ الجَسَدِ ولا بلِباسٍ مُعَيَّنٍ، بل الإسلامُ أباحَ الأكلَ منَ الطَّيِّباتِ، فقال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172] . وقال اللهُ سبُحانَه: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31] .

انظر أيضا: