موسوعة الفرق

المطلبُ الأوَّلُ: الإمامةُ


مِنَ الأصولِ التي قامَ عليها مَذهَبُ الشِّيعةِ عَقيدةُ الإمامةِ؛ حَيثُ تُعتَبَرُ مِنَ العَقائِدِ الأساسيَّةِ التي استَحدَثوها، بل تُعَدُّ ركنًا أساسيًّا تُبنى عليها الآراءُ والمُعتَقداتُ للتَّشَيُّعِ على تَعَدُّدِ فِرَقِه.
وأشارَ الشَّهْرَستانيُّ إلى الاختِلافاتِ التي وقَعَت حَولَ الإمامةِ فقال: (وأعظَمُ خِلافٍ بَينَ الأمَّةِ خِلافُ الإمامةِ؛ إذ ما سُلَّ سَيفٌ في الإسلامِ على قاعِدةٍ دينيَّةٍ مِثلَ ما سُلَّ على الإمامةِ في كُلِّ زَمانٍ) [3168] ((الملل والنحل)) (1/ 22). .
والشِّيعةُ بفَرعَيها الإسماعيليِّ والاثنَي عَشريٍّ يَنُصُّونَ على إمامةِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وأنَّها تَبقى مُسَلسَلةً في أبنائِه على التَّعيينِ واحدًا بَعدَ واحِدٍ [3169] يُنظر: ((صبح الأعشى)) للقلقشندي (1/ 111- 120). .
وقالوا: (إنَّ الإمامةَ ليست قَضيَّة مَصلَحيَّةً تُناطُ باختيارِ العامَّةِ ويَنتَصِبُ الإمامُ بنَصبِهم، بل هي قَضيَّةٌ أصوليَّةٌ، وهى رُكنُ الدِّينِ لا يجـوزُ للرُّسُلِ إغفالُها وإهمالُها، ولا تَفويضُها إلى العامَّةِ وإرسالُها) [3170] يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/ 146). .
غَيرَ أنَّ الإسماعيليَّةَ أشَدُّ غُلوًّا وتَطَرُّفًا في عَقيدَتِهم عن الإمامةِ والأئِمَّةِ، والمطَّلِعُ على كُتُبِ الإسماعيليَّةِ يَرى الإصرارَ العَجيبَ حَولَ مُعتَقَدِ الإمامةِ وتَضخيمِها حتَّى تَطغى على جَميعِ المُعتَقَداتِ والآراءِ لَدَيهم.
وعن ذلك يَقولُ أحَدُ دُعاتِهم: (إنَّ الإمامةَ أحَدُ أركانِ الدِّينِ ودَعائِمِه، بل هي الإيمانُ بعَينِه، وهي أفضَلُ الدَّعائِمِ وأقواها، لا يَقومُ الدِّينُ إلَّا بها، كما أنَّ الدَّائِرةَ التي تَدورُ عليها الفَرائِضُ لا تَصِحُّ إلَّا بوُجودِها) [3171] ((المصابيح في إثبات الإمامة)) للكرماني (ص: 12). .
ويُعَبِّرُ آخَرُ عن هذا المَعنى بقَولِه: (إنَّ الإمامةَ تُعتَبَرُ أفضَلَ الدَّعائِمِ وأقواها ولا يَستَقيمُ الدِّينُ إلَّا بها، فهي مَركَزٌ تَدورُ عليه دائِرةُ الفَرائِضِ، فلا يَصِحُّ وُجودُها إلَّا بوُجودِه، وهي تَستَمرُّ مَدى الدَّهرِ، وإنَّه لَو فُقِدَ الإمامُ ساعةً واحِدةً لَبادَ الكَونُ وتَبَدَّدَ) [3172] ((الإمامة)) لتامر (ص: 65، 66). ، فالإمامةُ هي قيادةُ العالَمِ وحَملُ الحَقيقةِ إليه [3173] يُنظر: ((الحقائق الخفية)) لمحمد الأعظمي (ص: 25). .
ونَتيجةً لهذا الغُلوِّ في عَقيدةِ الإمامةِ فقد بَنَوا على ذلك صِحَّةَ الأعمالِ وقَبولَها، ونُصوُصهم في ذلك كثيرةٌ، منها: قَولُ الدَّاعي الشِّيرازيِّ: (إنَّ اللَّهَ أوجَبَ طَهارةً وصَلاةً وزَكاةً وصَومًا وحَجًّا وجهادًا، وجَعل ماسِكَ الجَميعِ ورابِطَه والمانِعَ من اختِلالِه وِلايةَ الوَصيِّ والأئِمَّةِ التي هي آخِرُ فَرضِ الدِّينِ، وإذا بَطَلَت مِنَ الدِّينِ وِلايةُ الوَصيِّ بَطَلَتِ الطَّهارةُ والصَّلاةُ والزَّكاةُ والصَّومُ والحَجُّ والجِهادُ، وعادَ الدِّينُ جاهِليَّةً، والوِلايةُ مِنَ الدِّينِ العُمدةُ) [3174] يُنظر: ((المجالس المؤيدية)) (1/156). ويُنظر أيضًا: ((ديوان المؤيد في الدين داعي الدعاة)) لحسين (ص: 70). . وقال قاضي الإسماعيليَّةِ النُّعمانُ: (فإن أطاعَ المَرءُ اللَّهَ ورَسولَه وعَصى الإمامَ أو كذَّبَ به، فهو آثِمٌ، وغَيرُ مَقبولةٍ منه طاعةُ اللهِ وطاعةُ رَسولِه) [3175] ((ديوان المؤيد)) (ص: 70). .

انظر أيضا: