موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: سَبَبُ التَّسميةِ بالحَشَّاشينَ


اشتَهَرَت هذه الطَّائِفةُ بلَقَب (الحَشَّاشينَ) وإن كان قد أطلِقَ على أتباعِها ألقابٌ أُخرى مِثلُ المَلاحِدةِ، وهناك عِدَّةُ اتِّجاهاتٍ لتَفسيرِ تَسميةِ فِرقةِ الحَشَّاشينَ بذلك، ولكُلِّ هذه الاتِّجاهاتِ حَظٌّ مُحتَمَلٌ مِنَ النَّظَرِ، ويَصعُبُ الجَزمُ بأحَدِها، خاصَّةً مَعَ عَدَمِ وُرودِ هذا المُصطَلَحِ عِندَ مَن كتَبَ عنهم كالغَزاليِّ وابنِ الجَوزيِّ وابنِ تيميَّةَ.
الاتِّجاهُ الأوَّلُ: أنَّ تَسميَتَهم بذلك تَرجِعُ إلى تَناوُلِهم المادَّةَ المُخَدِّرةَ المَعروفةَ باسمِ الحَشيشِ [3058] يُنظر: ((الشرك في القديم والحديث)) لمحمد زكريا (1/ 813)، ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) بإشراف الجهني (1/ 385). .
الاتِّجاهُ الثَّاني: نَفيُ الصِّلةِ بَينَ الاسمِ ومادَّةِ الحَشيشِ المُخَدِّرةِ؛ فبَعضُ الباحِثينَ يَنفي استِعمالَهم للحَشيشِ، ويَستَبعِدُ ذلك؛ لأنَّ هذه المادَّةَ تُخَدِّرُ الأعصابَ وتُعَطِّلُ الانتِباهَ والانفِعالَ وتُخِلُّ بحاسَّةِ التَّفكيرِ والإدراكِ الحِسِّيِّ، وفِرقةُ الحَشَّاشينَ كانوا خِلافَ ذلك، كانوا في أشَدِّ حالاتِهم مِنَ الأُهبةِ واليَقَظةِ والانتِباهِ والتَّدريباتِ الاحتِرافيَّةِ [3059] يُنظر: ((الحشاشون الجدد)) لفريد الهاشمي (ص: 2). ويُنظر أيضًا: ((لا إسلام بلا مذاهب: أو طروس أخر من التراث)) للخيون (ص: 122، 123). .
واختَلَف أصحابُ هذا الاتِّجاه في مَرجِعِ كلِمةِ حَشَّاشينَ:
فقال بَعضُهم: نِسبةُ هذه التَّسميةِ تَرجِعُ إلى مَواقِفِهم الصُّموديَّةِ التي وقَفوها في مواجَهةِ ضُروبِ الحِصارِ التي تَفرِضُها عليهم الجُيوشُ المُضادَّةُ مُدَدًا طَويلةً، فكان يَصمُدُ رِجالُ الحَركةِ في قِلاعِهم حتَّى بعدَ نَفادِ المُؤَنِ والأطعِمةِ، مُعتَمِدينَ في غِذائِهم فقَط على أكلِ الحَشائِشِ (أي العُشبِ أوِ الكَلَأِ) [3060] يُنظر: ((حركة الحشاشين)) للخشت (ص: 5). .
وقيلَ: نِسبةُ هذه التَّسميةِ تَرجِعُ إلى سوقِ الحشائشيِّينَ، فهي نِسبةٌ إلى جمعِ الحَشائِش البَرِّيَّةِ وهي أدويةٌ، وليست حشيشًا مخدِّرًا.
وقال بَعضُهم: (الحشائشيُّون، وهي الصِّفةُ التي كانت تُطلَقُ في تلك العُهودِ على مَن يَتَعاطَونَ جَمعَ الحَشائِشِ البَرِّيَّةِ، التي تُستَعمَلُ هي نَفسُها أدويةً، أو تُستَقطَرُ منها الأدويةُ. وقد كان يَختَصُّ بذلك أفرادٌ فيهم مَن هم مِنَ الأطِبَّاءِ أوِ الصَّيادِلةِ، كان يُطلَقُ على الواحِدِ منهم لَقَبُ: الحشائِشيِّ حتَّى لقد أصبَحَت هذه المِهنةُ مِنَ المِهَنِ المُشتَهِرةِ، وكان لها أسواقٌ خاصَّةٌ بها، وتُجَّارٌ يَتَعاطَونَ بَيعَ الحَشائِشِ الطِّبِّيَّةِ وشِراءَها) [3061] ((الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي)) للأمين (ص: 106). .
ومِمَّا قد يُؤَكِّدُ صِحَّةَ ذلك أنَّ أحَدَ وُكَلاءِ الحَسَنِ بنِ الصَّبَّاحِ زَعيمِ ومُؤَسِّسِ فِرقةِ الحَشَّاشينَ كان حشائِشيًّا، وهو مَحمودٌ السِّجِستانيُّ. فكان في كُلِّ مَدينةٍ سوقٌ خاصٌّ يُسَمَّى سوقَ الحشائشيِّينَ. وكانتِ الحَشائِشُ تُجمَعُ بأَلَمُوتَ في جوالِق، يُكتَبُ عليها اسمُ المُرسَلةِ إليه واسمُ المَدينةِ مَعَ كلِمةِ سوقِ الحشائشيِّينَ. أمَّا ما يُستَقطَرُ منها فيوضَعُ في قَواريرَ خاصَّةٍ مَحفوظةٍ من عَوامِلِ الكَسرِ، وتُرسَلُ مَعَ أحمالِ الحَشائِشِ [3062] يُنظر: ((الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي)) للأمين (ص: 111). ويُنظر أيضًا: ((لا إسلام بلا مذاهب)) للخيون (ص: 122). .
وقيلَ: نِسبةُ هذه التَّسميةِ إلى الحُشاشةِ بمَعنى بَقيَّةِ الرُّوحِ في المَريضِ أوِ الجَريحِ؛ فرُبَّما لقُدرةِ هؤلاء على الاغتيالِ، وتَمَرُّسِهم في أساليبِه وشُهرَتِهم فيه ارتَبَطَ اسمُهم بالحُشاشةِ، حتَّى ذاعَ صيتُهم بالحَشَّاشينَ، أو نِسبةً إلى عَمَليَّةِ حَشِّ الرِّقابِ لكَثرةِ القَتلِ [3063] ((لا إسلام بلا مذاهب)) للخيون (ص: 122). .
الاتجاهُ الثَّالثُ: أنَّها لَفظةٌ شَعبيَّةٌ استُعمِلَت في البيئةِ السُّوريَّةِ واستُخدِمَت في غَيرِ مَحَلِّها، ويَرَونَ أنَّ الاسمَ هو الذي أوجَدَ القِصَصَ والحِكاياتِ عن مَرجِعِ التَّسميةِ، وليس العَكسُ [3064] يُنظر: ((الحشاشون)) لبرنارد لويس (ص: 28). .
وقد حاوَلَ الكاتِبُ الإسماعيليُّ عارِف تامِر نَفيَ تَسميةِ الحَشَّاشينَ عن هذه الطَّائِفةِ على اعتِبارِ أنَّها حُرِّفَت من كلِمةٍ أخرى، فلم يَكُنِ اسمُ الطَّائِفةِ في رَأيِه (الحَشَّاشينَ)، بل كان لَفظًا آخَرَ تَمَّ تَحريفُه حتَّى صارَ الحَشَّاشينَ، وذَكرَ في ذلك عِدَّةَ احتِمالاتٍ، فقال: (يُفَسِّرُ البَعضُ اللَّفظَ فيَرُدُّه إلى واحِدٍ من خَمسةٍ:
1- حَسَّاسانِ، نِسبةً إلى الحَسَن بنِ الصَّبَّاحِ شَيخِ الجَبَلِ وصاحِبِ المُنَظَّماتِ الفِدائيَّةِ، وهو برَأينا بَعيدٌ، فالنِّسبةُ إن صَحَّت لا تُصاغُ هكذا.
2-‏ حَسَّاسونَ، نِسبةً إلى الحِسِّ والعاطِفةِ، وهذا أيضًا بعيدٌ، فما أنا بالذي يُصَدِّقُ بأن صلببيًّا جِلفًا في مَوقِعِ حَياةٍ أو مَوتٍ يَصِفُ رَجُلًا أقبَلَ عليه يُريدُ اغتيالَه بمِثلِ هذه الرُّومنطقيَّةِ الزَّائِفةِ.

‎4‏- أساسيُّونَ، أي: نِسبةً إلى الأساسِ الذي تَقولُ به الإسماعيليَّةِ، ونَحنُ نَرُدُّ هذا القَولَ، لأنَّ المُصطَلَحَ المَذكورَ لا سَبيلَ لأهلِ البِلادِ مِنَ المُسلِمينَ إليه إلَّا بَعدَ قَبولٍ وعِلمٍ، فما بالُك بالصَّليبيِّينَ؟
‎5‏- عَسَّاسونَ، وهو عِندَنا الأصوَبُ والأرجحُ، ففِدائيَّةُ الجَبَلِ عُرِفوا بخِفَّةِ حَركَتِهم وأنَّهم يَعسُّونَ، أي يَطوفونَ في اللَّيلِ مُراقِبينَ ومُدافِعينَ ومُهاجِمينَ) [3065] يُنظر: ((تاريخ الإسماعيلية)) (201-202). .

انظر أيضا: