موسوعة الفرق

المبحَثُ الثَّالثُ: استيلاءُ الحُوثيِّين على الحُكمِ في اليمَنِ ونَشرُ أفكارِهم وعَقائِدِهمُ الباطِلةِ


بَدَأتِ الحَرَكةُ الحُوثيَّةُ في صَعدةَ في شَمالِ اليمَنِ كتَنظيمٍ شيعيٍّ ثَقافيٍّ يُسَمَّى مُنتَدى الشَّبابِ المُؤمِنِ، وكان يتبَعُه مَراكِزُ عِلميَّةٌ زَيديَّةُ المَذهَبِ، ثُمَّ قَويَ التَّنظيمُ وتَوسَّعَ نُفوذُه حينَ سَيطَرَ عليه حُسَينٌ الحُوثيُّ الشِّيعيُّ الزَّيديُّ الجاروديُّ الرَّافِضيُّ، وتَزَعَّمَ جَماعةً مُسَلَّحةً واجَهَتِ الدَّولةَ اليمَنيَّةَ في سِتَّةِ حُروبٍ شَرِسةٍ استَمَرَّت عِدَّةَ سَنَواتٍ وانتَهَت بسَيطَرةِ الحُوثيِّين على الحُكمِ في صَنعاءَ وبَعضِ المَناطِقِ المُجاوِرةِ لها، وكان من أهدافِ الحُوثيِّين تَحويلُ اليمَنيِّينَ إلى العَقيدةِ الشِّيعيَّةِ التي يظُنُّونَها العَقيدةَ الإسلاميَّةَ الصَّحيحةَ، ويظُنُّونَ أنَّهم يتَّبعونَ أهلَ البَيتِ، وأنَّهم يتَمَسَّكونَ بالقُرآنِ الكريمِ والعِترةِ، وهم في الحَقيقةِ بَعيدونَ كُلَّ البُعدِ عنِ اتِّباعِ القُرآنِ الكريمِ وأهلِ البَيتِ الأخيارِ؛ فمَعلومٌ أنَّ آلَ البَيتِ الأخيارَ يُؤمِنونَ بالسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، ويُعَظِّمونَ الصَّحابةَ، ولا يزعُمونَ لأنفُسِهمُ العِصمةَ، ولا يدَّعونَ لعَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه الوِلايةَ دونَ غَيرِه من صالحي الأُمَّةِ، كما يعتَقِدُ الشِّيعةُ الرَّافِضةُ.
والحُوثيُّون مُنذُ بَدءِ أمرِهم يسعَونَ لتَغييرِ أفكارِ النَّاسِ وعَقائِدِهم بشَتَّى الوسائِلِ المُمكِنةِ، وبَعدَ استيلائِهم على الحُكومةِ اليمَنيَّةِ وتَمَكُّنِهم من إدارةِ مَفاصِلِ الدَّولةِ قاموا بتَغييرِ أسماءِ بَعضِ المَدارِسِ التي كانت بأسماءِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم، مِثلُ مَدرَسةِ خالدِ بنِ الوليدِ، غَيَّروا اسمَها إلى مَدرَسةِ الإمامِ الهادي، ومَدرَسةِ الفاروقِ غَيَّروا اسمَها إلى مَدرَسةِ الإمامِ زَيدِ بنِ عَليٍّ، ومَدرَسةِ عُثمانَ بنِ عَفَّان غَيَّروا اسمَها إلى مَدرَسةِ مالِكٍ الأشتَرِ [2684] قرارٌ إداريٌّ صادرٌ عن مديرِ مكتَبِ التَّربيةِ والتَّعليمِ في مديريَّةِ جحانةَ في محافظةِ صنعاءَ رقْم (9) بتاريخ 4/ 4/ 2020م.
كما قامَ الحُوثيُّون بتَغييرِ المَناهجِ الدِّراسيَّةِ اليمَنيَّةِ بالحَذفِ والإضافةِ والتَّعديلِ بدَعوى أنَّ المَنهَجَ الدِّراسيَّ السَّابقَ يتَضَمَّنُ ثَقافةً مَغلوطةً وهَّابيَّةً وتَكفيريَّةً، فتَدرَّجوا في إحداثِ تَغييراتٍ كثيرةٍ في كُتُبِ المَدارِسِ بهَدَفِ التَّأثيرِ على طُلَّابِ المَدارِسِ، وتَهيِئَتِهم لقَبولِ الفِكرِ الحُوثيِّ الشِّيعيِّ، ومِمَّا حَذَفوه أسماءُ كثيرٍ مِنَ الصَّحابةِ المَذكورينَ في مادَّةِ الحَديثِ الشَّريفِ، وقاموا بحَذفِ التَّعريفِ بالرَّاوي، فمِن عَقيدةِ غُلاةِ الشِّيعةِ أنَّ العِلمَ لا يُتَلقَّى إلَّا عن أهلِ البَيتِ فقَط دونَ غَيرِهم مِنَ الصَّحابةِ وعُلماءِ المُسلمينَ! وحَذَف الحُوثيُّون كثيرًا مِمَّا يتَعَلَّقُ بالخُلفاءِ الرَّاشِدينَ أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ رَضيَ اللهُ عنهم، وإن ذَكرَوهم في بَعضِ الدُّروسِ فيذكُرونَهم باقتِصارٍ بلا تَوسُّعٍ، بخِلافِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ والحَسَنِ والحُسَينِ رَضيَ اللهُ عنهم، فإنَّهم يذكُرونَهم بإسهابٍ وتوسُّعٍ، ويخوضُ الحُوثيُّون في بَعضِ الدُّروسِ فيما جَرى بَينَ الصَّحابةِ من فِتنةٍ، ويطعنونَ في بَعضِهم تَصريحًا أو إشارةً، ويحرِصونَ على عَدَمِ ذِكرِ الآياتِ التي تُخالفُ عَقائِدَهمُ الباطِلةَ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] ، وقولِ اللهِ سُبحانَه: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد: 10] .
ومَن قارَنَ بَينَ المَنهَجِ الدِّراسيِّ القديمِ والمَنهَجِ الدِّراسيِّ الجَديدِ يتَبَيَّنُ له أنَّ الحُوثيِّين الذين قاموا بذلك التَّغييرِ مَن غُلاةِ الشِّيعةِ، وأنَّهم ضالُّونَ مُضِلُّونَ، ويجِدُ عَجائِبَ من تَغييراتِهم وحَذفِهم، حتَّى إنَّهم حَذَفوا ذِكرَ المِعراجِ، واكتَفوا بذِكرِ الإسراءِ! ويذكُرونَ كثيرًا مِنَ الأحاديثِ المَكذوبةِ، مِثلُ حَديثِ: (الحَسَنُ والحُسَينُ أسماءٌ من أسماءِ الجَنَّةِ)!
وحَذَفوا الدَّرسَ الخاصَّ بالتَّعريفِ بعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، وجَعلوا مَكانَه التَّعريفَ بالهادي يحيى بنِ الحُسَينِ إمامِ الزَّيديَّةِ في اليمَنِ، وحَذَفوا الدَّرسَ الخاصَّ بالتَّعريفِ بمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ الشَّوكانيِّ، وجعَلوا مَكانَه التَّعريفَ بالإمامِ الزَّيديِّ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وحَذَفوا الدَّرسَ الخاصَّ بالتَّعريفِ بعُمَرَ المُختارِ اللِّيبيِّ، وجُعِلوا مَكانَه دَرسًا بعُنوانِ: الشَّهيدُ صالح الصماد، وهو الذي نَصَبه الحُوثيُّون رَئيسًا للجُمهوريَّةِ اليمَنيَّةِ بَعدَ انقِلابِهم على الدَّولةِ.
ويُقيمُ الحُوثيُّون دَوراتٍ ثَقافيَّةً إجباريَّةً للموظَّفينِ المَدَنيِّينَ وللعَسكريِّينَ، حتَّى للمُعَلِّمينَ، ولكثيرٍ من مَشايِخِ القَبائِل، ولمَن يستَطيعونَ من عامَّةِ النَّاسِ، وتَستَمِرُّ تلك الدَّوراتُ الطَّائِفيَّةُ عِدَّةَ أيَّامٍ مُتَواصِلةٍ، يُلزِمونَ المُشارِكينَ فيها بالمَبيتِ وعَدَمِ الخُروجِ حتَّى انتِهاءِ الدَّورةِ، ويُقيمونَ تلك الدَّوراتِ للطُّلَّاب الصِّغارِ في العُطلةِ الصَّيفيَّةِ، ويُلقونَ فيها عِدَّةَ مُحاضَراتٍ يُقيمُها بَعضُ المُشرِفينَ الثَّقافيَّينِ، الذين يعتَمِدونَ في مُحاضَراتِهم على ما في مَلازِمِ حُسَينٍ الحُوثيِّ، ويفتَحونَ في تلك الدَّوراتِ بَعضَ مَقاطِعِ الفيديو التي اختيرَت بعِنايةٍ للتَّأثيرِ على المُشاهدينَ، ولا يكادُ يَسلَمُ مِنَ التَّأثُّرِ بها مَن يُشاهِدُها؛ لأنَّهم يخلِطونَ فيها الحَقَّ بالباطِلِ، ويسمَعونَ في تلك الدَّوراتِ كثيرًا مِنَ الأناشيدِ الحَماسيَّةِ التي تُسَمَّى زَوامِل، ولها تَأثيرٌ بالغٌ في عُقولِ مَن يسمَعُها، كما قال اللهُ سُبحانَه: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء: 224] ، وقد صارَ كثيرٌ مِنَ الحُوثيِّين مُدمِنًا على سَماعِها، ويحرِصونَ في تلك الدَّوراتِ الثَّقافيَّةِ على التَّأثيرِ العَقائِديِّ على مُختَلِفِ شَرائِحِ المُجتَمَعِ بأساليبَ مُتَنَوِّعةٍ ظاهرةٍ وخَفيَّةٍ؛ ليُدخِلوا النَّاسَ في مَذهَبِ الشِّيعةِ بمَكرٍ ودَهاءٍ، فهم يُظهِرونَ للنَّاسِ أنَّ تلك الدَّوراتِ ثَقافيَّةٌ تَعليميَّةٌ دَعَويَّةٌ، والمَقصَدُ الأساسيُّ من تلك الدَّوراتِ التَّأكيدُ على أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ هو الوَصيُّ، والدَّعوةُ إلى موالاةِ أهلِ البَيتِ دونَ غَيرِهم مِنَ المُسلمينَ، والطَّعنُ في الصَّحابةِ، والتَّشكيكُ في كُتُبِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، والبَراءةُ من عُلماءِ أهلِ السُّنَّةِ، وتَوجيهُ النَّاسِ إلى الالتِفافِ حَولَ زُعَماءِ الحُوثيِّين بدَعوى أنَّهم هم أهلُ البَيتِ الذين تَجِبُ موالاتُهم، ويصِفونَ حُسَينًا الحُوثيَّ ثُمَّ عَبدَ المَلكِ الحُوثيَّ بأنَّه السَّيِّدُ، وابنُ النَّبيِّ، وأنَّه القُرآنُ النَّاطِقُ، ويُمَجِّدونَ الثَّورةَ الخُمينيَّةَ وحِزبَ اللهِ اللُّبنانيَّ [2685] يُنظر: ((الحوثيون)) للشدوي (ص: 87 - 137، 193 -225، 391 - 398)، ((ألغام سلالية في المناهج الدارسية)) لمجموعة من الباحثين (ص: 4 - 76). .
هذا بالإضافةِ إلى بَثِّهمُ العَديدَ مِنَ الشُّبهاتِ التي تَدعو النَّاسَ إلى بُغضِ السُّنَّةِ وأهلِها بغَيرِ حَقٍّ. وسِلاحُ الشُّبُهاتِ من أهَمِّ وسائِلِ الحُوثيِّين في إقناعِ النَّاسِ بفِكرِهم، وجَذبِهم إليهم، فهم يحرِصونَ على تَشويهِ أهلِ السُّنَّةِ أمامَ العَوامِّ، فيقومونَ ببَثِّ الشُّبُهاتِ الماكِرةِ بَينَ أوساطِ العَوامِّ وطُلَّابِ المَدارِسِ؛ لصَرفِهم عنِ الحَقِّ، ويقومونَ في مَجالسِهم وإعلامِهمُ المَرئيِّ والمَسموعِ والمَقروءِ ببَثِّ الشُّبُهاتِ المُتَنَوِّعةِ لتَشكيكِ النَّاسِ بما عليه أهلُ السُّنَّةِ مِنَ الحَقِّ والهدى، وصَدَقَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إذ يقولُ: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7] .

انظر أيضا: