موسوعة الفرق

المبحَثُ الأوَّلُ: عَرضٌ لمَسلكِهم في خِداعِ أهلِ السُّنَّةِ بتَلاعُبِهم بالألفاظِ والعِباراتِ


مِن خِداعِ الشِّيعةِ لأهلِ السُّنَّةِ أنَّهم يتَلفَّظونَ بعِباراتٍ ظاهِرُها مَدحُ الصَّحابةِ وأهلِ السُّنَّةِ، مَعَ أنَّ مُرادَهم منها الذَّمُّ المُبَطَّنُ كما بَيَّنوا ذلك لأتباعِهم وأهلِ مَذهَبِهم، وقد نَسَبوا كَذِبًا إلى بَعضِ أئِمَّتِهم عِدَّةَ رِواياتٍ في هذا الشَّأنِ. ومِنَ الأمثِلةِ على ذلك:
1- رَوى الشِّيعةُ عن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه سُئِل عن أبي بكرٍ وعُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما فقال: (كانا إمامَينِ قاسِطَينِ عادِلينِ، كانا على الحَقِّ وماتا عليه، فرَحمةُ اللهِ عليهما يومَ القيامةِ، فلمَّا خَلا المَجلسُ قال له بَعضُ أصحابِه: كيف قُلتَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ؟ فقال: نَعَمْ، أمَّا قَولي: كانا إمامَينِ، فهو مَأخوذٌ من قَولِه تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص: 41] ، وأمَّا قَولي: قاسِطَينِ، فهو من قَولِه تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن: 15] ، وأمَّا قَولي: عادِلَينِ، فهو مَأخوذٌ من قَولِه تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: 1] ، وأمَّا قَولي: كانا على الحَقِّ، فالحَقُّ عليٌّ عليه السَّلامُ، وقَولي: ماتا عليه، المُرادُ أنَّه لم يتوبا عن تَظاهرِهما عليه، بل ماتا على ظُلمِهما إيَّاه، وأمَّا قَولي: فرَحمةُ اللهِ عليهما يومَ القيامةِ، فالمُرادُ به أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه ينتَصِفُ له منهما، آخِذًا من قَولِه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] ) [2472] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (30/286). .
2- رَوى الشِّيعةُ أنَّ بَعضَ المُخالفينَ لهم كان بحَضرةِ جَعفرٍ الصَّادِقِ، فقال لرَجُلٍ مِنَ الشِّيعةِ: (ما تقولُ في العَشَرةِ مِنَ الصَّحابةِ؟ قال: أقولُ فيهمُ الخَيرَ الجَميلَ الذي يُحبطُ اللهُ به سَيِّئاتي ويرفعُ به دَرَجاتي، قال السَّائِلُ: الحَمدُ للهِ على ما أنقَذَني من بُغضِك، كُنتُ أظُنُّك رافضيًّا تُبغِضُ الصَّحابةَ، فقال الرَّجُلُ: ألا من أبغَضَ واحِدًا مِنَ الصَّحابةِ فعليه لعنةُ اللهِ، قال: لعَلَّك تَتَأوَّلُ ما تقولُ فيمَن أبغَضَ العَشَرةَ مِنَ الصَّحابةِ؟ فقال: مَن أبغَضَ العَشَرةَ فعليه لعنةُ اللهِ والمَلائِكةِ والنَّاسِ أجمَعينَ، فوثَبَ يُقَبِّلُ رَأسَه، وقال: اجعَلْني في حِلٍّ مِمَّا قَذَفتُك به مِنَ الرَّفضِ قَبلَ اليومِ، قال: أنت في حِلٍّ، وأنت أخي، ثُمَّ انصَرَف السَّائِلُ، فقال له الصَّادِقُ عليه السَّلامُ: جَوَّدتَ! للهِ دَرُّك! لقد عَجِبَتِ المَلائِكةُ في السَّماواتِ من حُسنِ تَوريتِك، وتَلطُّفِك بما خَلَّصَك اللهُ، ولم يَثلَمْ دينُك، وزاد اللهُ في مُخالفينا غَمًّا إلى غَمٍّ، وحَجَب عنهم مُرادَ مُنتَحِلي مَودَّتِنا في تَقيَّتِهم، فقال بَعضُ أصحابِ الصَّادِقِ عليه السَّلامُ: يا ابنَ رسولِ اللهِ، ما عَقَلْنا مِنَ الكلامِ إلَّا موافقةَ صاحِبنا لهذا المُتَعنِّتِ النَّاصِبِ؟ فقال الصَّادِقُ عليه السَّلامُ: لئِن كُنتُم لم تَفهَموا ما عنى فقد فهِمْنا نحن، وقد شَكرَه اللهُ له، إنَّ المُواليَ لأوليائِنا المُعاديَ لأعدائِنا إذا ابتَلاه اللهُ بمَن يمتَحِنُه من مُخالِفيه وفَّقَه لجَوابٍ يَسلَمُ مَعَه دينُه وعِرضُه، ويُعظِّمُ اللهُ بالتَّقيَّةِ ثَوابَه، إنَّ صاحِبَكم هذا قال: مَن عابَ واحِدًا منهم فعليه لعنةُ اللهِ، أي: مَن عابَ واحِدًا منهم، هو أميرُ المُؤمِنينَ عَليُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السَّلامُ، وقال في الثَّانيةِ: مَن عابَهم أو شَتَمَهم فعليه لعنةُ اللهِ، وقد صَدَقَ؛ لأنَّ مَن عابَهم قد عابَ عَليًّا عليه السَّلامُ؛ لأنَّه أحَدُهم، فإذا لم يعِبْ عَليًّا ولم يذُمَّه لم يعِبْهم، وإنَّما عابَ بَعضَهم) [2473] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (72/402). .
3- قال رَجُلٌ لموسى بنِ جَعفرٍ من خَواصِّ الشِّيعةِ وهو يرتَعِدُ بَعدَما خَلا به: (يا ابنَ رسولِ اللهِ، ما أخوَفَني إلَّا أن يكونَ فُلانُ بنُ فُلانٍ يُنافِقُك في إظهارِ اعتِقادِ وصيَّتِك وإمامَتِك، فقال موسى عليه السَّلامُ: وكيف ذاك؟ قال: لأنِّي حَضَرتُ مَعَه اليومَ في مَجلسِ فُلانٍ رَجُلٍ من كِبارِ أهلِ بَغدادَ، فقال له صاحِبُ المَجلِسِ: أنت تَزعُمُ أنَّ موسى بنَ جَعفرٍ إمامٌ دونَ هذا الخَليفةِ القاعِدِ على سَريرِه؟ فقال صاحِبُك هذا: ما أقولُ هذا، بل أزعُمُ أنَّ موسى بنَ جَعفرٍ غَيرُ إمامٍ، وإن لم أعتَقِدْ أنَّه غَيرُ إمامٍ فعَليَّ وعلى مَن لم يعتَقِدْ ذلك لعنةُ اللهِ والمَلائِكةِ والنَّاسِ أجمَعينَ، فقال صاحِبُ المَجلسِ: جَزاك اللهُ خَيرًا، ولعنَ اللهُ مَن وشى بك. قال له موسى بنُ جَعفرٍ عليه السَّلامُ: ليس كما ظَنَنتَ، ولكِنَّ صاحِبَك أفقَهُ مِنك، إنَّما قال: إنَّ موسى غَيرُ إمامٍ، أي: الذي هو عِندَك إمامٌ فموسى غَيرُه، فهو إذًا إمامٌ، فإنَّما أثبَتَ بقَولِه هذا إمامَتي، ونَفى إمامةَ غَيري، يا عَبدَ اللهِ، مَتى يزولُ عنك هذا الذي ظَنَنتَه بأخيك هذا مِنَ النِّفاقِ؟ فتُبْ إلى اللهِ، ففَهِم الرَّجُلُ ما قاله واغتَمَّ، وقال: يا ابنَ رَسولِ اللهِ، ما لي مالٌ فأُرضيَه، ولكِن قد وَهَبتُ له شَطرَ عَمَلي كُلِّه من تَعَبُّدي ومِن صَلواتي عليكم أهلَ البَيتِ ومِن لعنَتي لأعدائِكم، قال موسى عليه السَّلامُ: الآنَ خَرَجتَ مِنَ النَّارِ) [2474] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (72/403). .
4- رَوَوا أنَّه دَخلَ رَجُلٌ على الرِّضا فقال: (يا ابنَ رَسولِ اللهِ، لقد رَأيتُ اليومَ شَيئًا عَجِبتُ منه، رَجُلٌ كان مَعنا يُظهرُ لنا أنَّه مِنَ المُوالينَ لآلِ مُحَمَّدٍ، المُتَبَرِّينَ من أعدائِكم، ورَأيتُه اليومَ وعليه ثيابٌ قد خُلِعَت عليه وهو ذا يُطافُ به ببَغدادَ، ويُنادي المُنادونَ بَينَ يدَيه: مَعاشِرَ النَّاسِ، اسمَعوا تَوبةَ هذا الرَّافِضيِّ، ثُمَّ يقولونَ له: قُلْ، فقال: خَيرُ النَّاسِ بَعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا بكرٍ، فإذا فعَل ذلك ضَجُّوا، وقالوا: قد طابَ، وفَضَّل أبا بكرٍ على عَليِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السَّلامُ، فقال الرِّضا عليه السَّلامُ: إذا خَلوتُ فأعِدْ عليَّ هذا الحَديثَ، فلمَّا خَلا أعاد عليه، فقال: إنَّما لم أُفسِّرْ لك مَعنى كلامِ هذا الرَّجُلِ بحَضرةِ هذا الخَلْقِ المَنكوسِ؛ كراهةَ أن ينتَقِلوا إليه فيَعرِفوه ويُؤذوه، لم يقُلِ الرَّجُلُ: خَيرُ النَّاسِ بَعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلِه أبو بكرٍ، فيكونَ قد فضَّل أبا بكرٍ على عَليِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السَّلامُ، ولكِنْ قال: خَيرُ النَّاسِ بَعدَ رسولِ اللهِ أبا بكرٍ، فجَعَله نِداءً لأبي بكرٍ ليرضى مَن يمشي بَينَ يدَيه مِن بَعضِ هؤلاء ليتَوارى من شُرورِهم، إنَّ اللهَ جَعَل هذه التَّوريةَ مِمَّا رَحِمَ به شيعَتَنا ومُحِبِّينا) [2475] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (72/404). .

انظر أيضا: