موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: التَّشبيهُ عِندَ الإماميَّةِ


قال الرَّازيُّ: (كان بَدءُ ظُهورِ التَّشبيهِ في الإسلامِ مِنَ الرَّوافِضِ، مِثلُ هشامِ بنِ الحَكَمِ، وهشامِ بنِ سالمٍ الجَواليقيِّ، ويونُسَ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ القُمِّيِّ، وأبي جَعفرٍ الأحوَلِ) [1377] ((اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين)) (ص: 97). .
قال ابنُ حَزمٍ: (قال هشامٌ: إنَّ رَبَّه سَبعةُ أشبارٍ بشِبرِ نَفسِه) [1378] ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (5/40). !
وقد جاءَ في كُتُبِ الشِّيعةِ المُعتَمِدةِ ما يدُلُّ على أنَّ مُتَكلِّمي الشِّيعةِ، كهشامِ بنِ الحَكَمِ، وهشامِ بنِ سالمٍ الجَواليقيِّ، ويونُسَ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ القُمِّيِّ، وأمثالِهم، ذَهَبوا إلى القَولِ بالتَّجسيمِ؛ فجاءَ في الكافي للكُلينيِّ، وفي التَّوحيدِ لابنِ بابَويهِ، وفي بحارِ الأنوارِ للمَجلسيِّ ما يدُلُّ على أنَّ الشِّيعةَ سَنةَ 255ه قد اختَلفوا في التَّجسيمِ؛ فمِن قائِلٍ عن اللهِ سُبحانَه: إنَّه صورةٌ، ومِن قائِلٍ: إنَّه جِسمٌ، وقد ذَكَروا خِلافَهم لإمامِهم الحَسَنِ العَسكريِّ، فحَكَمَ عليهم بأنَّهم بمَعزِلٍ عن التَّوحيدِ، ونَصُّ الرِّوايةِ: (عن سَهلٍ قال: كتَبتُ إلى أبي مُحَمَّدٍ سَنةَ 255هـ: قد اختَلف يا سَيِّدي أصحابُنا في التَّوحيدِ؛ منهم مَن يقولُ: هو جِسمٌ، ومنهم مَن يقولُ: هو صورةٌ، فإن رَأيتَ يا سَيِّدي أن تُعَلِّمَني مِن ذلك ما أقِفُ عليه ولا أجوزُه، فعَلتَ متطوِّلًا على عَبدِك. فوقَعَ بخَطِّه: سَألتَ عن التَّوحيدِ، وهذا عنكم مَعزولٌ، اللهُ تعالى واحِدٌ أحَدٌ صَمَدٌ، لم يلِدْ ولم يولَدْ، ولم يكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ. خالقٌ وليسَ بمَخلوقٍ، يخلُقُ تَبارَك وتعالى ما يشاءُ مِنَ الأجسامِ، ويُصَوِّرُ ما يشاءُ، وليسَ بمُصَوَّرٍ، جَلَّ ثَناؤُه وتَقدَّست أسماؤُه، وتعالى أن يكونَ له شَبيهٌ، هو لا غَيرُه، ليس كمِثلِه شَيءٌ وهو السَّميعُ البَصيرُ) [1379] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/103). .
وحينَما جاءَ بَعضُ الشِّيعةِ إلى إمامِهم الحَسَنِ العَسكريِّ، وقال له: إنِّي أقولُ بقَولِ هشامٍ، قال: (ما لكم ولقَولِ هشامٍ؟! إنَّه ليس مِنَّا مَن زَعم أنَّ اللهَ جِسمٌ، ونحن منه براءٌ في الدُّنيا والآخِرةِ) [1380] يُنظر: ((التوحيد)) لابن بابويه (ص: 104). .
وعن إبراهيمَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَرَّازِ ومُحَمَّدِ بنِ الحُسَينِ قالا: (دَخَلنا على أبي الحَسَنِ الرِّضا عليه السَّلامُ، فحَكينا له ما رويَ أنَّ مُحَمَّدًا رَأى رَبَّه في هَيئةِ الشَّابِّ الموفَّقِ في سِنِّ أبناءِ ثَلاثينَ سَنةً، رِجلاه في خُضرةٍ، وقُلنا: إنَّ هشامَ بنَ سالمٍ وصاحِبَ الطَّاقِ والميثَميَّ يقولونَ: إنَّه أجوفُ إلى السُّرَّةِ، والباقي صَمَدٌ، فخَرَّ ساجِدًا، ثُمَّ قال: سُبحانَك ما عَرَفوك ولا وحَّدوك، فمِن أجلِ ذلك وصَفوك! سُبحانَك لو عَرفوك لوصَفوك بما وصَفتَ به نَفسَك!) [1381] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/101). .
والحَقُّ أنَّ لفظَ الجِسمِ وأمثالِه، مِنَ الألفاظِ التي لم يرِدْ نَفيُ لفظِها ولا إثباتُه في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فالواجِبُ التَّوقُّفُ في مِثلِ هذه الألفاظِ، فلا يثبُتُ اللفظُ ولا يُنفى؛ لعَدَمِ وُرودِ دَليلِ النَّفيِ أو الإثباتِ، وأمَّا المَعنى فإن أُريدَ به حَقٌّ أثبَتْناه، وإن أُريدَ به باطلٌ رَدَدْناه، وإن اشتَمَل كلامُه على حَقٍّ وباطِلٍ فلا بُدَّ مِنَ التَّفصيلِ وتَبيينِ الحَقِّ مِنَ الباطِلِ [1382] يُنظر: ((التدمرية)) (ص: 65)، ((مجموع الفتاوى)) (12/316-318) كلاهما لابن تَيميَّةَ. .

انظر أيضا: