موسوعة الفرق

المَسألةُ الثَّانيةُ: النِّياحةُ واللَّطمُ


ألَّف عَبدُ الحُسَينِ شَرَفُ الدِّينِ الموسَويُّ كِتابًا سَمَّاه (المَجالِس الفاخِرة في مَآتِمِ العِترةِ الطَّاهِرة) حاول فيه الدِّفاعَ عن تلك المُمارَساتِ المُستَحدَثةِ التي يتَعَبَّدُ بها الشِّيعةُ، وحاول أن يُثبِتَ جَوازَ إقامةِ المَآتِمِ [1283] ((المجالس الفاخرة)) (ص: 17). .
ومِمَّا قاله عَبدُ الحُسَينِ الموسَويُّ: (استَمَرَّت سيرةُ الأئِمَّةِ على النَّدبِ والعَويلِ، وأمَروا أولياءَهم بإقامةِ مَآتِمِ الحُزنِ على الحُسَينِ جيلًا بَعدَ جيلٍ... ولو عَلِم اللَّائِمُ الأحمَقُ بما في حُزنِنا على أهلِ البَيتِ، والنُّصرةِ لهم، والحَربِ الطَّاحِنةِ لأعدائِهم؛ لخَشعَ أمامَ حُزنِنا الطَّويلِ، ولأكبَرَ الحِكمةَ المَقصودةَ مِن هذا النَّوحِ والعَويلِ) [1284] ((المجالس الفاخرة)) (ص: 26). !
وقَسَّمَ الشِّيعيُّ هادي فضل الله مَواقِفَ عُلماءِ الشِّيعةِ مِنَ اللَّطمِ وغَيرِها مِمَّا يقومُ به الشِّيعةُ في حُسَينيَّاتِهم إلى مَدرَسَتَينِ:
1- المدرسةُ الإصلاحيَّةُ:
وتَضُمُّ فريقَ المُجَدِّدينَ الذي تَزَعَّمَه مُحسِن الأمين، ومِنَ الأُمورِ التي تُرَكِّزُ المَدرَسةُ الإصلاحيَّةُ على الابتِعادِ عنه وتُحَرِّمُه: الإضرارُ بالنَّفسِ بالضَّربِ حتَّى الإدماءِ، واختِلاقُ الأخبارِ، وإقامةُ الشَّبيهِ، أي: تَمثيلِ مَسرَحيَّةٍ لمَلحَمةِ كَرْبَلاءَ [1285] يُنظر: ((رائد الفكر الإصلاحي)) لهادي فضل الله (ص: 137). .
2- المدرَسةُ المحافِظةُ:
وتَضُمُّ فريقَ المُحافِظينَ الذي تَزعَّمه عَبدُ الحُسَينِ صادِق، وهي تُرَكِّزُ على أنَّ كُلَّ شَيءٍ مِن إظهارِ الحُزنِ على الحُسَينِ مُباحٌ، وإن أدَّى إلى الأذى، ما دامَ أنَّه لا نَصَّ على حُرمَتِه [1286] يُنظر: هامش ((رائد الفكر الإصلاحي)) لهادي فضل الله (ص: 138). .
ثُمَّ تَعَرَّضَ هادي فضل الله إلى مَوقِفِ عَبدِ الحُسَينِ شَرَفِ الدِّينِ الموسَويِّ مِنَ المَدرَسَتَينِ، فيقولُ: (لقد راحَ مُفكِّرُنا -أي عَبدُ الحُسَينِ- يُؤَكِّدُ أنَّ المَآتِمَ الحُسَينيَّةَ بجَميعِ مَظاهرِها ليست مِنَ الحَرامِ في شَيءٍ، معتمِدًا على القاعِدةِ الشَّرعيَّةِ التي تَنُصُّ على أنَّ الأصلَ في الأشياءِ الإباحةُ لا الحُرمةُ، فهو لم يُحَرِّمْ مَظاهِرَ المَآتِمِ الحُسَينيَّةِ كما تَفعَلُ المَدرَسةُ الإصلاحيَّةُ) [1287] ((رائد الفكر الإصلاحي)) (ص: 137). .
وقال حَسَن مُغنية: (وأمَّا فيما يتَعَلَّقُ بإقامةِ الشَّعائِرِ الحُسَينيَّةِ في عاشوراءَ فهو أمرٌ له مَظاهِرُه، فإذا جاءَ شَهرُ المُحَرَّمِ رَأيتَ المَساجِدَ العامِليَّةَ والنَّواديَ الحُسَينيَّةَ ومَداخِلَ القُرى مُجَلَّلةً بالسَّوادِ، مُتَسَربِلةً بالحُزنِ، عليها عَلاماتُ الأسى واللَّوعةِ، وتَراءت وُجوهُ العامِلينَ تَعلوها الكآبةُ، وتَتَّشِحُ بالشَّجَنِ، فالنُّفوسُ مُنقَبِضةٌ، والوُجوهُ مُتَجَهِّمةٌ، والقُلوبُ فَزِعةٌ جَزِعةٌ، قد تَملَّكَها الهَلَعُ مِن فاجِعةِ كَرْبَلاءَ، فهنا وهناك عَويلٌ ونُواحٌ يَكربانِ القَلبَ، ويوجِعانِ الصَّدرَ) [1288] ((أدب المنابر الحسينية)) (ص: 176). .
قال الخُمينيُّ موجِّهًا كلامَه إلى خُطَباءِ الشِّيعةِ: (تَكليفُ السَّادةِ الخُطَباء أن يقرَؤوا المَراثيَ، وتَكليفُ النَّاسِ يقتَضي أن يخرُجوا في المَواكِبِ الرَّائِعةِ؛ مواكِبِ اللَّطمِ، لتَخرُجِ المَواكِبُ ولتُلْطَمِ الصُّدورُ، وليفعَلوا ما كانوا يفعَلونَه سابقًا) [1289] ((نهضة عاشوراء)) (ص: 107). .
وقال أيضًا: (إنَّ مَواكِبَ اللَّطمِ هذه هي التي تُمَثِّلُ رمزًا لانتِصارِنا، لتَقُمِ المَآتِمُ والمَجالسُ الحُسَينيَّةُ في أنحاءِ البلادِ، وليُلقِ الخُطَباءُ مَراثيَهم، وليبكِ النَّاسُ، ولتُمارِسْ مَواكِبُ اللَّطمِ والرِّدَّاتِ والشِّعاراتِ الحُسَينيَّةِ ما كانت تُمارِسُه في السَّابقِ، واعلَموا أنَّ حَياةَ هذا الشَّعبِ رَهينةٌ بهذه المَراسِمِ والمَراثي، والتَّجَمُّعاتِ والمَواكِبِ) [1290] ((نهضة عاشوراء)) (ص: 108). .
وقال أيضًا: (إنَّ مَجالِسَ العَزاءِ تُقامُ لدى الشِّيعةِ في كُلِّ مَكانٍ، ومَعَ ما في هذه المَجالسِ مِن نَقصٍ إلَّا أنَّها تُرَوِّجُ تَعاليمَ الدِّينِ وأخلاقيَّاتِه، وتُشيعُ الفضيلةَ ومَكارِمَ الأخلاقِ، والدِّينَ الإلهيَّ، والقانونَ السَّماويَّ المُتَمَثِّلَ بالمَذهَبِ الشِّيعيِّ المُقدَّسِ، الذي يَدينُ به أتباعُ عليٍّ عليه السَّلامُ. ولولا ذلك لكان الشِّيعةُ في عُزلةٍ تامَّةٍ، ولولا هذه المُؤَسَّساتُ الدِّينيَّةُ الكُبرى يعني: نَفسَ المَجالسِ لما كان هناك الآنَ أيُّ أثَرٍ للدِّينِ الحَقيقيِّ المُتَمَثِّلِ في المَذهَبِ الشِّيعيِّ، ولكانتِ المَذاهبُ الباطِلةُ التي وُضِعَت لَبِناتُها في سَقيفةِ بَني ساعِدةَ وهَدَفُها اجتِثاثُ جُذورِ الدِّينِ الحَقيقيِّ، تَحتَلُّ الآنَ مَواضِعَ الحَقِّ. وعِندَما رَأى رَبُّ العالمينَ أنَّ مُغامِري صَدرِ الإسلامِ قد زَعزَعوا بُنيانَ الدِّينِ دَفعَ بعَدَدٍ مِن أعوانِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ الباقينَ؛ لكي يعمَلوا على تَوعيةِ النَّاسِ، ويُقيموا مَجالِسَ العَزاءِ) [1291] ((كشف الأسرار)) (ص: 192). !
وقال عَلي خامنئي مُرشِدُ الجُمهوريَّةِ الإيرانيَّةِ: (هناك أُمورٌ تُقرِّبُ النَّاسَ إلى اللهِ، وتُعَزِّزُ تَمَسُّكَهم بتَعاليمِ الدِّينِ، ومِن هذه الأُمورِ مَراسِمُ العَزاءِ التَّقليديَّةُ، وأنَّ ما أوصانا الإمامُ [1292] أي: الخُميني. بإقامةِ مَواسِمِ العَزاءِ التَّقليديَّةِ هو المُشارَكةُ في المَجالسِ الحُسَينيَّةِ، ونَعيُ الإمامِ الحُسَينِ، والبُكاءُ عليه، واللَّطمُ على الصُّدورِ في مَواكِبِ العَزاءِ، وهي مِنَ الأُمورِ التي تُعَزِّزُ المَشاعِرَ الجَيَّاشةَ إزاءَ أهلِ البَيتِ) [1293] ((فلسفة عاشوراء)) (ص: 8). .
وقال مُحَمَّد حُسَين فضل الله: (أمَّا بالنِّسبةِ إلى ما يُسَمَّى الشَّعائِرَ الحُسَينيَّةَ فإنَّنا نَرى أنَّها تُمَثِّلُ الأساليبَ التَّعبيريَّةَ عن الحُزنِ، وعن الولاءِ، وأساليبُ التَّعبيرِ تَختَلفُ بَيْنَ زَمَنٍ وزَمَنٍ. فالبُكاءُ أُسلوبٌ إنسانيٌّ في التَّعبيرِ عن الحُزنِ) [1294] ((موسوعة الندوة)) (1/289). .
فتوى كِبارِ عُلماءِ الشِّيعةِ المُعاصِرينَ في جَوازِ بدعةِ النِّياحةِ واللَّطمِ وغَيرِها:
قال مُحَمَّد حُسَين النَّائينيُّ عِندَما سُئِل عن شَعائِرِهم وطُقوسِهم التي يُمارِسونَها في مَآتِمِهم وحُسَينيَّاتِهم: (الأولى: خُروجُ المَواكِبِ العزائيَّةِ في عَشرةِ عاشوراءَ ونَحوِها إلى الطُّرُقِ والشَّوارِعِ، مِمَّا لا شُبهةَ في جَوازِه ورُجحانِه، وكونِه مِن أظهَرِ مصاديقِ ما يُقامُ به عَزاءُ المَظلومِ، وأيسَرِ الوسائِلِ لتَبليغِ الدَّعوةِ الحُسَينيَّةِ إلى كُلِّ قَريبٍ وبَعيدٍ، لكِنَّ اللَّازِمَ تَنزيهُ هذا الشِّعارِ العَظيمِ عَمَّا لا يليقُ بعِبادِه مِثلُه، مِن غِناءٍ أو استِعمالِ آلاتِ اللهوِ والتَّدافُعِ في التَّقدُّمِ والتَّأخُّرِ بَيْنَ أهلِ مَحَلَّتَينِ، ونَحوِ ذلك، ولو اتَّفقَ شَيءٌ مِن ذلك، فذلك الحَرامُ الواقِعُ في البَينِ هو المُحَرَّمُ، ولا تَسري حُرمَتُه إلى المَوكِبِ العَزائيِّ، ويكونُ كالنَّاظِرِ إلى الأجنَبيَّةِ حالَ الصَّلاةِ في عَدَمِ بُطلانِها.
الثَّانيةُ: لا إشكالَ في جَوازِ اللَّطمِ بالأيدي على الخُدودِ والصُّدورِ حَدَّ الاحمِرارِ والاسوِدادِ، بل يقوى جَوازُ الضَّربِ بالسَّلاسِلِ أيضًا على الأكتافِ والظُّهورِ إلى الحَدِّ المَذكورِ، بل وإن تَأدَّى كُلٌّ مِنَ اللَّطمِ والضَّربِ إلى خُروجِ دَمٍ يسيرٍ على الأقوى، وأمَّا إخراجُ الدَّمِ مِنَ النَّاصيةِ بالسُّيوفِ والقاماتِ فالأقوى جَوازُ ما كان ضَرَرُه مأمونًا، وكان مِن مُجَرَّدِ إخراجِ الدَّمِ مِنَ النَّاصيةِ بلا صَدمةٍ على عظمِها، ولا يتَعَقَّبُ عادةً بخُروجِ ما يضُرُّ خُروجُه مِنَ الدَّمِ، ونَحوِ ذلك، كما يَعرِفُه المُتَدَرِّبونَ العارِفونَ بكيفيَّةِ الضَّربِ، ولو كان عِندَ الضَّربِ مأمونًا ضَرَرُه بحَسبِ العادةِ، ولكِن اتَّفقَ خُروجُ الدَّمِ قَدْرَ ما يضُرُّ خُروجُه لم يكُنْ ذلك موجبًا لحُرمَتِه، ويكونُ كمَن تَوضَّأ أو اغتَسَل أو صامَ آمنًا مِن ضَرَرِه، ثُمَّ تبَيَّن ضَرَرُه منه، لكِنَّ الْأَولى، بل الأحوطَ، ألَّا يقتَحِمَه غَيرُ العارِفينَ المُتَدَرِّبينَ، ولا سيَّما الشُّبَّانِ الذينَ لا يُبالونَ بما يورِدونَ على أنفُسِهم لعِظَمِ المُصيبةِ، وامتِلاءِ قُلوبِهم مِنَ المَحَبَّةِ الحُسَينيَّةِ، ثَبَّتَهم اللهُ تعالى بالقَولِ الثَّابتِ في الحَياةِ الدُّنيا وفي الآخِرةِ.
الثَّالثةُ: الظَّاهرُ عَدَمُ الإشكالِ في جَوازِ التَّشبيهاتِ والتَّمثيلاتِ التي جَرت عادةُ الشِّيعةِ الإماميَّةِ باتِّخاذِها لإقامةِ العَزاءِ، والبُكاءِ والإبكاءِ مُنذُ قُرونٍ، وإن تَضَمَّنت لُبسَ الرِّجالِ مَلابسَ النِّساءِ على الأقوى، فإنَّا وإن كُنَّا مُستَشكِلينِ سابقًا في جَوازِه، وقَيَّدنا جَوازَ التَّمثيلِ في الفتوى الصَّادِرةِ منه قَبلَ أربَعِ سَنَواتٍ، لكِنَّا لَمَّا راجَعْنا المَسألةَ ثانيًا اتَّضَحَ عِندَنا أنَّ المُحَرَّمَ مِن تَشبيهِ الرَّجُلِ بالمَرأةِ هو ما كان خروجًا مِن زيِّ الرِّجالِ رأسًا، وأخذًا بزيِّ النِّساءِ، دونَما إذا تَلبَّسُ بمَلابسِها مقدارًا مِنَ الزَّمانِ بلا تَبديلٍ لزيِّه، كما هو الحالُ في هذه التَّشبيهاتِ، وقد استَدرَكنا ذلك أخيرًا في حواشينا على العُروةِ الوُثقى. نَعمْ، يلزَمُ تنزيهًا أيضًا عن المُحَرَّماتِ الشَّرعيَّةِ، وإن كانت على فرضِ وُقوعِها لا تَسري حُرمَتُها إلى التَّشبيهِ.
الرَّابعةُ: الدمامُ المُتَعَمَّلُ في هذه المَواكِبِ مِمَّا لم يتَحَقَّقْ لنا إلى الآنَ حَقيقَتُه، فإن كان مَورِدُ استِعمالِه هو إقامةَ العَزاءِ، وعِندَ طَلَبِ الاجتِماعِ تَنبيهَ الرَّاكِبِ على الرُّكوبِ، وفي الهَوساتِ القَريبةِ ونَحوِ ذلك، ولا يُستَعمَلُ فيما يُطلَبُ فيه اللهوُ والسُّرورُ، وكما هو المَعروفُ عِندَنا في النَّجَفِ الأشرَفِ، فالظَّاهِرُ جَوازُه، واللهُ أعلمُ) [1295] يُنظر: ((مقتل الحسين)) لمرتضى عياد (ص: 146). .
وقد وافقَه على هذه الفتوى كُلٌّ مِن:
1- آيةِ اللهِ العُظمى ميرزا عَبد الهادي الشِّيرازيِّ.
2- آيةِ اللهِ العُظمى مُحسِن الحَكيمِ الطَّباطبائيِّ.
3- آيةِ اللهِ العُظمى أبو القاسِمِ الخوئيِّ.
4- آيةِ اللهِ العُظمى الإمامُ مَحمود الشَّاهروديِّ.
5- آيةِ اللهِ الشَّيخُ مُحَمَّد حَسَن المُظَفَّر.
6- آيةِ اللهِ العُظمى حُسَين الحَمامي الموسَويِّ.
7- آيةِ اللهِ مُحَمَّد الحُسَين آل كاشِف الغِطاءِ.
8- آيةِ اللهِ العُظمى مُحَمَّد كاظِم الشِّيرازيِّ.
9- آيةِ اللهِ جَمال الدِّين الكبايكانيِّ.
10- آيةِ اللهِ كاظِم المرعشيِّ.
11- آيةِ اللهِ مَهدي المرعشيِّ.
12- آيةِ اللهِ علي مَدد الموسَويِّ الفاينيِّ.
13- آيةِ اللهِ الشَّيخ يحيى النُّوريِّ.
قال مُرتَضى عَيَّاد: (وقد كتَبَ جَماعةٌ كبيرةٌ مِن عُظَماءِ الفُقَهاءِ فيما سَبَقَ ما يخُصُّ بالمَوضوعِ، ولا يسعُ المَجالُ لذِكرِ كُلِّ ما كتَبوه بهذا الصَّدَدِ).
ثُمَّ ذَكرَ مُرتَضى عَيَّاد فتاوى كثيرةً لكثيرٍ مِن عُلمائِهم تُجيزُ العَمَلَ بتلك المُمارَساتِ [1296] يُنظر: ((مقتل الحسين)) (ص: 188). .
ومِنَ العَجيبِ أنَّ ما يُفعَلُ في الحُسَينيَّاتِ والمَآتِمِ باسمِ الشَّعائِرِ الحُسَينيَّةِ، مِثلُ: اللَّطمِ والنِّياحةِ ولُبسِ السَّوادِ والتَّطبيرِ وغَيرِها، والتي أفتى كثيرٌ مِن عُلمائِهم بجَوازِها، قد ورَدَ تَحريمُها على لسانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعلى ألسِنةِ أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ الكِرامِ في المَصادِرِ الشِّيعيَّةِ القديمةِ والحَديثةِ!
قال ابنُ بابَويهِ القُمِّيُّ: (مِن ألفاظِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم التي لم يُسبَقْ إليها: «النِّياحةُ مِن عَمَلِ الجاهليَّةِ») [1297] ((من لا يحضره الفقيه)) (4/271). .
ورَوى المَجلِسيُّ وغَيرُه عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ أنَّه قال: ((صَوتانِ مَلعونانِ يُبغِضُهما اللهُ: إعوالٌ عِندَ مُصيبةٍ، وصَوتٌ عِندَ نَغمةِ)) يعني النَّوحَ والغِناءَ [1298] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (82/101). .
ومِنَ الرِّواياتِ في كُتُبِ الشِّيعةِ المُعتَمَدةِ عِندَهم حَديثُ: ((وإنِّي نَهَيتُكم عن النَّوحِ، وعن العَويلِ)) [1299] يُنظر: ((جامع أحاديث الشيعة)) للبروجردي (3/372). .
ومنها ما رَوَوه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((وإنِّي نَهَيتُ عن النَّوحِ، وعن صَوتَينِ أحمَقَينِ فاجِرَينِ: صَوتٍ عِندَ نَغمةِ لهوٍ ومَزاميرِ شَيطانٍ، وصَوتٍ عِندَ مُصيبةٍ: خَمشِ وجوهٍ وشَقِّ جُيوبٍ، ورَنَّةِ شَيطانٍ))  [1300]يُنظر: ((مستدرك الوسائل)) للنوري (1/ 145). .
ورَوَوا عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: لمَّا ماتَ إبراهيمُ بنُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ أمَرَني فغَسَّلْتُه، وكفَّنَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحَنَّطَه، وقال لي: احمِلْه يا عَليُّ، فحَمَلتُه حتَّى جِئتُ به إلى البَقيعِ، فصَلَّى عليه، فلمَّا رَآه مُنصبًا بَكى صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ، فبَكى المُسلمونَ لبُكائِه حتَّى ارتَفعت أصواتُ الرِّجالِ على أصواتِ النِّساءِ، فنَهاهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ أشَدَّ النَّهيِ، وقال: ((تَدمَعُ العَينُ، ويحزَنُ القَلبُ، ولا نَقولُ ما يسخِطُ الرَّبَّ، وإنَّا بك لمُصابونَ، وإنَّا عليك لمَحزونونَ)) [1301] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/100). .
وفي كُتُبِهم أنَّه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ (نَهى عن الرَّنَّةِ عِندَ المُصيبةِ، ونَهى عن النِّياحةِ والاستِماعِ إليها) [1302] يُنظر: ((وسائل الشيعة)) للحر العاملي (2/915). .
وجاءَ في كِتابِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه إلى رَفاعةَ بنِ شَدَّادٍ: (وإيَّاك والنَّوحَ على المَيِّتِ ببَلدٍ يكونُ لك به سُلطانٌ) [1303] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/ 101). .
ورَوَوا عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (ثَلاثٌ مِن أعمالِ الجاهليَّةِ لا يزالُ فيها النَّاسُ حتَّى تَقومَ السَّاعةُ: الاستِسقاءُ بالنُّجومِ، والطَّعنُ في الأنسابِ، والنِّياحةُ على المَوتى [1304] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/ 101). .
ومنها ما رَوَوه عن الصَّادِقِ أنَّه قال: (لا يصلُحُ الصِّياحُ على المَيِّتِ، ولا ينبَغي، ولكِنَّ النَّاسَ لا يعرِفونَ [1305] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (3/226). .
ومنها ما رَوَوه عنه أيضًا أنَّه قال: (لا ينبَغي الصِّياحُ على المَيِّتِ، ولا بشَقِّ الثِّيابِ) [1306] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (3/225). .
وقال مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ العامِليُّ المُلقَّبُ بالشَّهيدِ الأوَّلِ: (الشَّيخُ في المَبسوطِ وابنُ حَمزةَ حَرَّما النَّوحَ، وادَّعى الشَّيخُ الإجماعَ) [1307] ((ذكرى الشيعة)) (ص: 72). ويُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/107). .
والمَقصودُ بالشَّيخِ أبو جَعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الطُّوسيُّ، المُلقَّبُ بشَيخِ الطَّائِفة؛ فهو قد حَرَّمَ النَّوحَ، وادَّعى الإجماعَ على تَحريمِه، أي: أنَّه إلى عَصرِ الطُّوسيِّ المُتَوفَّى سَنةَ 460ه كان الشِّيعةُ مَجمِعينَ على تَحريمِ النَّوحِ والعَويلِ، المَوجودِ الآنَ في الحُسَينيَّاتِ!
وقال الحليُّ: (الشَّيخُ استَدَلَّ بالإجماعِ على كراهيتِه -أي الجُلوسِ للتَّعزيةِ- إذ لم يُنقَلْ عن أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ والأئِمَّةِ الجُلوسُ لذلك، فاتِّخاذُه مُخالفةٌ لسُنَّةِ السَّلفِ) [1308] ((المعتبر)) (ص: 94). .
وقال يوسُف البَحرانيُّ معَلِّقًا على رِواياتِ تَحريمِ النِّياحةِ ما نَصُّه: (أكثَرُ الأصحابِ الإعراضُ عن هذه الأخبارِ وتَأويلُها، بل تَأويلُ كلامِ الشَّيخِ أيضًا بالحَملِ على النَّوحِ المُشتَمِلِ على شَيءٍ مِنَ المَناهي، كما هو ظاهرُ سياقِ الحَديثِ الأوَّلِ. قال في الذِّكرى بَعدَ نَقلِ القَولِ بالتَّحريمِ عن الشَّيخِ وابنِ حَمزةَ: والظَّاهرُ أنَّهما أرادا النَّوحَ بالباطِلِ أو المُشتَمِلَ على المُحَرَّمِ كما قَيَّدَه في النِّهايةِ، ثُمَّ نَقَل جُملةً مِن أخبارِ النَّهيِ، وقال: وجَوابُه الحَملُ على ما ذَكَرْناه جمعًا بَيْنَ الأخبارِ، ولأنَّ نياحةَ الجاهليَّةِ كانت كذلك غالبًا، ولأنَّ أخبارَنا خاصَّةٌ، والخاصُّ مُقدَّمٌ. أقولُ: مِنَ المُحتَمَلِ قريبًا حَملُ الأخبارِ الأخيرةِ على التَّقيَّةِ؛ فإنَّ القَولَ بالتَّحريمِ قد نَقَله في المُعتَبَرِ عن كثيرٍ مِن أصحابِ الحَديثِ مِنَ الجُمهورِ) [1309] ((الحدائق)) (4/ 168). .
وبخُصوصِ حُرمةِ اللَّطمِ وغَيرِه عِندَهم رَوَوا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ قال: ((ليسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدودَ، وشَقَّ الجُيوبَ)) [1310] يُنظر: ((مستدرك الوسائل)) للنوري (1/144). .
وجاءَ عن يحيى بنِ خالدٍ: أنَّ رَجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ فقال: ما يُحبطُ الأجرَ في المُصيبةِ؟ قال: ((تَصفيقُ الرَّجُلِ يمينَه على شِمالِه، والصَّبرُ عِندَ الصَّدمةِ الأولى، مَن رَضِيَ فله الرِّضا، ومَن سَخِطَ فله السَّخَطُ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ: ((أنا بَريءٌ مِمَّن حَلقَ وصَلقَ)) [1311] يُنظر: ((جامع أحاديث الشيعة)) للبروجردي (3/489). أي: حَلقَ الشَّعرَ، ورَفعَ صَوتَه.
ومنها: ما رَواه جَعفرُ بنُ مُحَمَّدٍ عن آبائِه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ (أنَّه نَهى عن الرَّنَّةِ عِندَ المُصيبةِ، ونَهى عن النِّياحةِ والاستِماعِ إليها، ونَهى عن تَصفيقِ الوَجهِ) [1312] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (4/3). .
قال الباقِرُ: (أشَدُّ الجَزَعِ الصُّراخُ بالوَيلِ، والعَويلُ، ولطمُ الوَجهِ والصَّدرِ، وجَزُّ الشَّعرِ مِنَ النَّواصي، ومَن أقامَ النَّوَّاحةَ فقد تَرَك الصَّبرَ، وأخَذَ في غَيرِ طَريقِه) [1313] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (3/222، 223). .
وقال جَعفرٌ الصَّادِقُ: (مَن ضَرَبَ يدَه على فخذِه عِندَ المُصيبةِ حَبِطَ أجرُه) [1314] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (3/225). .
وقال مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ العامِليُّ: (يَحرُمُ اللَّطمُ والخَدشُ وجَزُّ الشَّعرِ إجماعًا، قاله في المَبسوطِ، ولِما فيه مِنَ السَّخَطِ لقَضاءِ اللهِ) [1315] ((ذكرى الشيعة)) (ص: 72). .
وأشارَ الشِّيعيُّ مُحَمَّدٌ التِّيجانيُّ السَّماويُّ إلى بُكاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ على عَمِّه أبي طالبٍ وحَمزةَ وزَوجَتِه خَديجةَ، فقال: (ولكِنَّه في كُلِّ الحالاتِ يبكي بُكاءَ الرَّحمةِ، ولكِنَّه نَهى أن يخرُجَ الحُزنُ بصاحِبِه إلى لطمِ الخُدودِ وشَقِّ الجُيوبِ، فما بالُك بضَربِ الأجسامِ بالحَديدِ حتَّى تَسيلَ الدِّماءُ؟!) [1316] ((كل الحلول عِندَ آل الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (ص: 151). .
وقال التِّيجانيُّ عن زَينِ العابدينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ: (إنَّه حَضَرَ محضرًا لم يحضُرْه أحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وشاهدَ بعَينَيه مَأساةَ كَرْبَلاءَ التي قُتِل فيها أبوه وأعمامُه وإخوتُه كُلُّهم، ورَأى مِنَ المَصائِبِ ما تَزولُ به الجِبالُ، ولم يُسَجِّلِ التَّاريخُ أنَّ أحَدَ الأئِمَّةِ عليهم السَّلامُ فَعَل شيئًا مِن ذلك، أو أمَر به أتباعَه وشيعَتَه) [1317] ((كل الحلول عِندَ آل الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (ص: 151). .
وقال أيضًا: (الحَقُّ يُقالُ: إنَّ ما يفعَلُه بَعضُ الشِّيعةِ مِن تلك الأعمالِ ليست هي مِنَ الدِّينِ في شَيءٍ، ولو اجتَهَدَ المُجتَهدونَ، وأفتى بذلك المُفتونَ؛ ليجعَلوا فيها أجرًا كبيرًا وثوابًا عظيمًا، وإنَّما هي عاداتٌ وتَقاليدُ وعَواطِفُ تَطغى على أصحابِها، فتَخرُجُ بها عن المَألوفِ، وتُصبحُ بَعدَ ذلك مِنَ الفولكُلورِ الشَّعبيِّ الذي يتَوارَثُه الأبناءُ عن الآباءِ في تَقليدٍ أعمى، وبدونِ شُعورٍ، بل يشعُرُ بَعضُ العَوامِّ بأنَّ إسالةَ الدَّمِ بالضَّربِ هي قُربةٌ للهِ تعالى، ويعتَقِدُ البَعضُ منهم بأنَّ الذي لا يفعَلُ ذلك لا يُحِبُّ الحُسَينَ!) [1318] ((كل الحلول عِندَ آل الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (ص: 148). .
وقال أيضًا: (لم أقتَنِعْ بتلك المَناظِرِ التي تَشمَئِزُّ منها النُّفوسُ، وينفِرُ منها العَقلُ السَّليمُ، وذلك عِندَما يُعَرِّي الرَّجُلُ جِسمَه، ويأخُذُ بيدِه حديدًا ويضرِبُ نَفسَه في حَرَكاتٍ جُنونيَّةٍ، صائحًا بأعلى صَوتِه: حُسَين حُسَين! والغَريبُ في الأمرِ والذي يبعَثُ على الشَّكِّ أنَّك تَرى هؤلاء الذينَ خَرَجوا عن أطوارِهم، وظَنَنتَ أنَّ الحُزنَ أخَذَ منهم كُلَّ مَأخَذٍ، فإذا بهم بَعدَ لحَظاتٍ وجيزةٍ مِن انتِهاءِ العَزاءِ تَراهم يضحَكونَ ويأكُلونَ الحَلوى ويشرَبونَ ويتَفكَّهونَ! وينتَهي كُلُّ شَيءٍ بمُجَرَّدِ انتِهاءِ المَوكِبِ، والأغرَبُ أنَّ مُعظَمَ هؤلاء غَيرُ مُلتَزِمينَ بالدِّينِ! ولذلك سَمَحتُ لنَفسي بانتِقادِهم مُباشَرةً عِدَّةَ مَرَّاتٍ، وقُلتُ لهم: إنَّ ما يفعَلونَه هو فُلكُلورٌ شَعبيٌّ، وتَقليدٌ أعمى!) [1319] ((كل الحلول عِندَ آل الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (ص: 149). .
وقال حَسَن مُغنية: (الواقِعُ أنَّ ضَربَ الرُّؤوسِ بالخَناجِرِ والسُّيوفِ وإسالةَ الدِّماءِ ليست مِنَ الإسلامِ في شَيءٍ، ولم يرِدْ فيها نَصٌّ صَريحٌ، ولكِنَّها عاطِفةٌ نَبيلةٌ تَجيشُ في نُفوسِ المُؤمِنينَ لِما أُريقَ مِنَ الدِّماءِ الزَّكيَّةِ على مَذابحِ فاجِعةِ كَربَلاءَ) [1320] ((أدب المنابر الحسينية)) (ص: 182). .
ويقومُ الشِّيعةُ بلُبسِ السَّوادِ في عاشوراءَ، مَعَ أنَّه في كُتُبِهم أنَّه لباسُ أهلِ النَّارِ؛ فقد رَوَوا عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه (كان يَكرَهُ السَّوادَ إلَّا في ثَلاثةٍ: العِمامةِ، والخُفِّ، والكِساءِ) [1321] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (1/163). .
ورَوَوا عن جِبريلَ عليه السَّلامُ أنَّه هَبَطَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَباءٍ أسودَ، ومِنطَقةٍ فيها خِنجَرٌ، فقال صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ: ((ما هذا الزِّيُّ؟! فقال: زيُّ وَلَدِ عَمِّك العَبَّاسِ يا مُحَمَّدُ، وَيلٌ لوَلَدِك مِن وَلَدِ عَمِّك العَبَّاسِ! فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى العَبَّاسِ، فقال: يا عَمِّ، وَيلٌ لوَلَدي مِن وَلَدِك! فقال: يا رَسولَ اللهِ أفأجُبُّ نَفسي؟ قال: جَرى القَلمُ بما فيه)) [1322] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (1/163). .
ورَوَوا عن أميرِ المُؤمِنينَ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (لا تَلبَسوا السَّوادَ؛ فإنَّه لباسُ فِرعَونَ [1323] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (1/ 163). .
وسُئِل أبو عَبدِ اللهِ جَعفرٌ الصَّادِقُ عن الصَّلاةِ في القَلنسُوةِ السَّوداءِ، فقال: (لا تُصَلِّ فيها؛ فإنَّها لباسُ أهلِ النَّارِ) [1324] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (1/ 162). .
قال الحاجُّ مُحَمَّد رِضا الحُسَينيُّ الحائِريُّ: (المَشهورُ بَيْنَ أصحابِنا الإماميَّةِ شُهرةً عَظيمةً، بل المُدَّعى عليه الإجماعُ كما في الخِلافِ: كراهةُ لُبسِ الثِّيابِ السُّودِ في الصَّلاةِ، بل مُطلقًا، إلَّا في الخُفِّ والعِمامةِ والكِساءِ، وفي المُعتَبَرِ الاقتِصارُ على استِثناءِ العِمامةِ والخُفِّ، ونُسِبَ ذلك إلى الأصحابِ، وفي المُنتَهى نِسبَتُه إلى عُلمائِنا، وعليه اقتَصَرَ في الشَّرائِعِ والقَواعِدِ والإرشادِ وفي الدُّروسِ، وعن اقتِصارِ المُفيدِ وسلارٍ وابنِ حَمزةَ الاقتِصارُ على العِمامةِ فقَط، وعن الذِّكرى عَدَمُ الاستِثناءِ في كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ، وفي كشفِ اللِّثامِ أنَّ الكِساءَ لم يستَثنِه أحَدٌ مِنَ الأصحابِ إلَّا ابنُ سَعيدٍ) [1325] ((نجاة الأمة في إقامة العزاء على الحسين والأئمة)) (ص: 83). .
ويختَتِمُ الحائِريُّ كلامَه بقَولِه: (هذه هي الرِّواياتُ التي استَدَلَّ بها الأصحابُ لكراهةِ لُبسِ الثِّيابِ السُّودِ والصَّلاةِ فيها مُضافًا إلى ما عَرَفتَ مِن دَعوى شُهرةِ الإجماعِ في المَسألةِ) [1326] ((نجاة الأمة في إقامة العزاء على الحسين والأئمة)) (ص: 85). .
فإذا كانت هذه الرِّواياتُ رِواياتِهم، والإجماعُ إجماعَهم، فلماذا يقومُ شيعةُ اليومِ بلُبسِ السَّوادِ في الأيَّامِ العَشرِ الأُولى مِن مَحرَّمٍ [1327] يُنظر: ((من قتل الحسين رَضِيَ اللهُ عنه؟)) لعبد اللهِ بن عبد العزيز (ص: 83). ؟!
وتَذكُرُ كُتُبُ الشِّيعةِ المُعتَمَدةُ عِدَّةَ رِواياتٍ فيها نَهيُ النِّساءِ بشَكلٍ خاصٍّ عن النِّياحةِ والمَآتِمِ، فرَوَوا عن عُمَرَ بنِ أبي المِقدامِ قال: سَمِعتُ أبا الحَسَنِ وأبا جَعفرٍ عليهما السَّلامُ يقولانِ في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة: 12] قال: (إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لفاطِمةَ عليها السَّلامُ: (إذا أنا مِتُّ فلا تخمِشي عَليَّ وجهًا، ولا تُرخي عَليَّ شعرًا، ولا تُنادي بالوَيلِ، ولا تُقيمي عليَّ نائِحةً. ثُمَّ قال: هذا هو المَعروفُ الذي قال اللهُ عزَّ وجلَّ: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة: 12] ) [1328] يُنظر: ((معاني الأخبار)) لابن بابويه (ص: 390). .
وعن أبي سَعيدٍ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ (لعنَ النَّائِحةَ والمُستَمِعةَ) [1329] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/93). .
وعن جَعفرِ بنِ مُحَمَّدٍ عن آبائِه عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ: ((أربَعةٌ لا تَزالُ في أُمَّتي إلى يومِ القيامةِ: الفَخرُ بالأحسابِ، والطَّعنُ في الأنسابِ، والاستِسقاءُ بالنُّجومِ، والنِّياحةُ، وإنَّ النَّائِحةَ إذا لم تَتُبْ قَبلَ مَوتِها تَقومُ يومَ القيامةِ وعليها سِربالٌ مِن قَطِرانٍ، ودِرعٌ مِن جَرَبٍ)) [1330] يُنظر: ((الخصال)) لابن بابويه (ص: 226). .
وعن أبي جَعفرٍ الثَّاني عن آبائِه رَضِيَ اللهُ عنهم قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ: ((لَمَّا أُسرِيَ بي إلى السَّماءِ رَأيتُ امرَأةً على صورةِ كَلبٍ، والنَّارُ تَدخُلُ في دُبُرِها وتَخرُجُ مِن فيها، والمَلائِكةُ يَضرِبونَ رَأسَها وبَدَنَها بمَقامِعَ مِن نارٍ، فسُئِلَ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ عنها فقال: إنَّها كانت قَينةً نَوَّاحةً حاسِدةً)) [1331] يُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه القمي (2/11). .
ورَوَوا أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ لعنَ أربَعةً: (امرَأةٌ تَخونُ زَوجَها في مالِه أو في نَفسِها، والنَّائِحةُ، والعاصيةُ لزَوجِها، والعاقُّ) [1332] يُنظر: ((مستدرك الوسائل)) للنوري (2/ 431). .
وعن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (أخَذَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ البَيعةَ على النِّساءِ أن لا يَنُحْنَ، ولا يخمِشْنَ، ولا يقعُدْنَ مَعَ الرِّجالِ في الخَلاءِ) [1333] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/ 101). .
وعِندَما سَمِعَ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه بُكاءَ النِّساءِ على قَتلى صِفِّينَ، وخَرَجَ إليه حَربُ بنُ شُرَحبيلَ الشَّاميُّ، وكان مِن وُجوهِ قَومِه، قال عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: (أتَغلِبُكنَّ نِساؤُكم على ما أسمَعُ؟! ألا تَنهَونَهنَّ عن هذا الرَّنينِ؟) [1334] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/ 89). .
وعن الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال لأُختِه زَينَبَ عِندَما لطَمت وجهَها وأهوَت إلى جَيبِها فشَقَّتْه وخَرَّت مَغشيًّا عليها: (يا أُخَيَّةُ، اتَّقي اللهَ، وتَعَزَّي بعَزاءِ اللهِ، واعلَمي أنَّ أهلَ الأرضِ يموتونَ، وأنَّ أهلَ السَّماءِ لا يَبقَونَ، وأنَّ كُلَّ شَيءٍ هالكٌ إلَّا وجهَ اللهِ تعالى، الذي خَلقَ الخَلقَ بقُدرَتِه فيعودونَ، وهو فردٌ وحدَه، أبي خَيرٌ منِّي، وأُمِّي خَيرٌ منِّي، وأخي خَيرٌ منِّي، ولي ولكُلِّ مُسلمٍ برَسولِ اللهِ أُسوةٌ... يا أُختاه إنِّي أقسَمتُ عليك فأبِرِّي قَسَمي، إذا أنا قُتِلتُ فلا تَشُقِّي عليَّ جَيبًا، ولا تخمِشي عَليَّ وَجهًا، ولا تَدعي عليَّ بالوَيلِ والثُّبورِ [1335] يُنظر: ((الملهوف)) لابن طاووس (ص: 50). .
وفي رِوايةٍ أُخرى أنَّه قال: (يا أُختاه يا أُمَّ كُلثومٍ يا فاطِمةَ يا رَبابُ، انظُرنَ إذا قُتِلتُ فلا تَشقُقنَ عليَّ جَيبًا، ولا تَخمِشنَ وجهًا) [1336] يُنظر: ((مقتل الحسين)) لعبد الرزاق الموسوي (ص: 218). .
وعن جَعفرِ بنِ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه أوصى عِندَما احتُضِرَ فقال: (لا يُلطَمنَ عليَّ خَدٌّ، ولا يُشَقَّنَّ عليَّ جَيبٌ؛ فما مِنَ امرأةٍ تَشُقُّ جَيبَها إلَّا صُدع لها في جَهَنَّمَ صَدعٌ، كُلَّما زادت زيدَت) [1337] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/101). .
وعن أبي عَبدِ اللهِ أنَّه قال في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة: 12] : (المَعروفُ: ألَّا يشقُقنَ جيبًا، ولا يَلطُمنَ وَجهًا، ولا يدعونَ وَيلًا، ولا يُقِمنَ عِندَ قَبرٍ) [1338] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/ 77). .
وعن أبي عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ قال: (مَن أنعَمَ اللهُ عليه بنِعمةٍ فجاءَ عِندَ تلك النِّعمةِ بمِزمارٍ فقد كفَرَها، ومَن أُصيبَ بمُصيبةٍ فجاءَ عِندَ تلك المُصيبةِ بنائِحةٍ فقد أَحبَطَها) [1339] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (82/103). .

انظر أيضا: