موسوعة الفرق

المَطلَبُ الرَّابعُ: وَسَطيَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ بَينَ الفِرَقِ التي تنتَسِبُ إلى الإسلامِ في مَوقِفِهم من الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم


وقَف أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ بالنِّسبةِ للصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم مَوقِفًا وَسَطًا بَينَ غُلُوِّ الغالين وتقصيرِ المُخالِفين.
وقد تميَّز مَوقِفُهم نحوَ الصَّحابةِ بعِدَّةِ أمورٍ؛ منها:
1- الاعترافُ بكُلِّ ما ذُكِرَ عنهم من الفضائِلِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ.
2- الشَّهادةُ بالجنَّةِ لِمَن شَهِد له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بها.
3- الاعترافُ بأنَّهم جميعًا ذوو فَضلٍ لكِنَّهم يتفاضَلون فيما بَينَهم؛ فأفضَلُهم على الإطلاقِ أبو بكرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثمَّ عُثمانُ، ثمَّ عَليٌّ، رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا، دونَ انتقاصٍ لفَضلِ كُلٍّ منهم، كما أنَّ خلافةَ كُلِّ واحدٍ منهم ثابتةٌ على النَّهجِ الصَّحيحِ. مع الاعترافِ بأنَّ مَن أسلَم قَبلَ الفتحِ وبَيعةِ الرِّضوانِ أفضَلُ ممَّن أسلم بَعدَ ذلك.
4- عَدَمُ رَفعِ أحَدٍ منهم فَوقَ مَنزلتِه، أو ادِّعاءِ فضائِلَ له لم تَثبُتْ.
5- الاقتداءُ بهم والتَّحَلِّي بفضائِلِهم واقتفاءُ آثارِهم.
6- توَلِّي الصَّحابةِ جميعًا والتَّرضِّي عنهم.
7- السُّكوتُ عمَّا شَجَر بَينَهم من اختلافٍ وفِتَنٍ داخليَّةٍ، فلا يُذكَرون إلَّا بخَيرٍ.
8- عدَمُ تكفيرِ أيِّ أحَدٍ من الصَّحابةِ، ولا اعتبارَ للمُرتَدِّينَ بَعدَ وَفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
9- الإيمانُ بأنَّ زَوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاهِراتٌ مُطَهَّراتٌ، وأنَّهنَّ أمَّهاتُ المؤمِنين، مع الإيمانِ بوُجوبِ محبَّةِ أهلِ البيتِ وتقديمِهم وَفْقَ وَصيَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهم، دونَ إفراطٍ ولا تفريطٍ.
وبهذه المزايا التي اتَّسَم بها أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ كانوا وَسَطًا فيما يتعَلَّقُ بجانبِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم.
وتتَّضِحُ وَسَطيَّتُهم من خلالِ ملاحظةِ مواقِفِ المُخالِفين لهم فيما يأتي:
الخوارجُ كَفَّروا عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وكَفَّروا كُلَّ من شارَك في قضيَّةِ التَّحكيمِ، وتبَرَّؤوا منهم، بل أوجبوا لهم النَّارَ، كما تبَرَّؤوا من الحَسَنِ والحُسَينِ، وكَفَّروا عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه وطَلحةَ والزُّبَيرَ وعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا، وتَبِعَهم المُعتَزِلةُ ففَسَّقوا كثيرًا من الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولم يَسْتَغفِروا لهم كما أمرَهم اللهُ في كتابِه.
وأمَّا الرَّافضةُ فشَتَموا ولَعَنوا الصَّحابةَ الذين أخبَرَ اللهُ تعالى في كتابِه أنَّه رَضِيَ عنهم، ووعدَهم بالمغفرةِ لذُنوبِهم، وأخبر أنَّه أعَدَّ لهم الجنَّةَ، وزكَّاهم وأثنى عليهم في كِتابِه [125] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (2/ 74 - 76)، ((وسطية أهل السنة بين الفرق)) لمحمد باكريم (ص: 391 - 425). .
وقد غَلا الرَّافِضةُ غُلُوًّا فاحِشًا في حَقِّ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، ورَفَعه بعضُهم إلى دَرَجةِ تأليهِهم له!
وفَضَّلوه على سائِرِ الصَّحابةِ وادَّعَوا أنَّه سيَرجِعُ قبلَ يومِ القيامةِ وأنَّه خيرُ الأوصياءِ، وأنَّه لم يَجمَعِ القرآنَ كما أُنزِلَ إلَّا هو!
وأنَّ أهلَ بيتِه كُلَّهم من الأئمَّةِ المعصومين عن الذُّنوبِ والخطايا، وأنَّهم يَعلَمون الغَيبَ، وأنَّهم لا يموتون إلَّا بإذنِهم وإرادتِهم، وأنَّهم أفضَلُ من الأنبياءِ والمُرسَلين، وغَيرَ ذلك من غُلُوِّهم الفاحِشِ المدَوَّنِ في كتُبِهم، يتوارَثونَه خَلَفًا عن سَلَفٍ، كما في كتابِهم: "الكافي" للكُلينيِّ وغَيرِه.
وفي المقابِلِ صَبُّوا جامَ غَضَبِهم على الخُلَفاءِ الثَّلاثةِ وأمِّ المؤمِنين عائِشةَ وَحفصةَ، وسائِرِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وزَعَموا أنَّهم قد ارتدُّوا عن الإسلامِ، وخُصوصًا مَن حَضَر منهم غديرَ خُمٍّ؛ لعَدَمِ مُبايعتِهم عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [126] يُنظر: ((فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام)) لعواجي (1/192). .

انظر أيضا: