موسوعة الفرق

المطلَبُ الثَّاني: أبرَزُ الأفكارِ والمُعتَقَداتِ عِندَ الزَّيديَّةِ


أوَّلًا: لا يُجيزُ الزَّيديَّةُ الإمامةَ إلَّا في أولادِ فاطِمةَ رضي اللَّهُ عنها، سواءٌ أكانوا من نَسلِ الحَسَنِ أم من نَسلِ الحُسَينِ رضي اللَّهُ عنهما.
ثانيًا: الإمامةُ لديهم ليست بالنَّصِّ، أي: لا يُشتَرَطُ فيها أن يَنُصَّ الإمامُ السَّابقُ على الإمامِ اللَّاحِقِ، بمعنى أنَّها ليست وراثيَّةً، بل تقومُ على البَيعةِ، فمَن كان من أولادِ فاطمةَ رضي اللَّهُ عنها وفيه شروطُ الإمامةِ كان أهلًا لها.
ثالثًا: يجوزُ لديهم وجودُ أكثَرَ من إمامٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ، ولكِنْ في قُطرينِ مختَلِفينِ [262] ومن ذلك أنَّه ظهَر في عصرِ الإمامِ يحيى بنِ حمزةَ ثلاثةُ أئمَّةٍ آخَرون يعارِضونه، وهم: عليُّ بنُ صلاحِ بنِ إبراهيمَ بنِ تاجِ الدِّينِ، والمطَهَّرُ بنُ محمَّدِ بنِ المطَهَّرِ بنِ يحيى، وأحمدُ بنُ عليٍّ الفتحيُّ. .
رابعًا: تقولُ الزَّيديَّةُ بصِحَّةِ الإمامِ المفضولِ مع وُجودِ الأفضَلِ، فلا يشترطون أن يكونَ الإمامُ أفضلَ المسلمين، وقد أوجز الإمامُ يحيى بنُ حمزةَ شُروطَ الإمامةِ عِندَ الزَّيديَّةِ في قَولِه: (أن يكونَ عالمًا بأصولِ الشَّريعةِ، ومتمَكِّنًا من الفتوى في أحكامِ الشَّرعِ، أن يكونَ ذا رأيٍ وسياسةٍ للحَربِ والسِّلمِ، أن يكونَ شُجاعًا مجتَمِعَ القلبِ، لا يَضعُفُ عِندَ لقاءِ عَدُوِّه، أن يكونَ له وَرَعٌ يحجُزُه عن الوقوعِ في المحَرَّماتِ، ويمنَعُه عن الإخلالِ بشَيءٍ من الواجباتِ) [263] ((المعالم الدينية)) (ص: 144). على أنَّه قد وليَ الإمامةَ كثيرٌ من الأئمَّةِ الزيديةِ، وهم عاطلون عن العِلمِ والعَدلِ، واللهُ المستعانُ. .
خامسًا: إذا خلت البلادُ عِندَ الزَّيديَّةِ من إمامٍ تتحقَّقُ فيه شروطُ الإمامةِ كُلُّها أو أكثَرُها فيُجَوِّزون قيامَ رَجُلٍ على طريقِ الاحتِسابِ بالنَّهيِ عن المُنكَرِ بلِسانِه وسَيفِه على مراتبِه، والأمرِ بالمعروفِ بلِسانِه دونَ سَيفِه، وسَدِّ الثُّغورِ، وتجييشِ الجُيوشِ للدَّفعِ عن المسلِمين، وحِفظِ ضعيفِهم، وحِفظِ الأوقافِ، وتفقُّدِ المناهِلِ والمساجِدِ والسُّبُلِ، والمنعِ من التَّظالمِ، ولا يشتَرَطُ فيه أن يكونَ عَلَويًّا فاطميًّا، ويجبُ على المحتَسِبِ أن ينعَزِلَ عِندَ ظهورِ الإمامِ؛ لأنَّ الإمامةَ رئاسةٌ عامَّةٌ لشَخصٍ في الدِّينِ والدُّنيا.
سادسًا: مُعظَمُ الزَّيديَّةِ يُقرُّون بخلافةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ، ويترَضَّون عنهما، ما عدا فِرْقةَ الجاروديَّةِ منهم، وفي عَصرِنا الحاضِرِ أخَذ الرَّفضُ يغزو الزَّيديَّةَ بواسِطةِ رافِضةِ إيرانَ، فصار كثيرٌ من الزَّيديَّةِ غلاةً رافِضةً.
سابعًا: الزَّيديَّةُ يخالِفون الشِّيعةَ الإماميَّةَ في أشياءَ كثيرةٍ، كالقَولِ بعِصمةِ الأئمَّةِ الاثني عَشَر [264] إلا أنَّ بعضَ غُلاةِ الزَّيديَّةِ يقولون بعِصمةِ عليٍّ والحسَنِ والحُسَينِ وفاطمةَ رَضِيَ اللهُ عنهم. ، والقَولِ بحِلِّ نِكاحِ المُتعةِ.
ثامنًا: الزَّيديَّةُ مُعتَزِلةٌ في العقيدةِ فيما يتعلَّقُ بصفاتِ اللَّهِ سُبحانَه، وينكِرون رؤيةَ اللَّهِ في الآخِرةِ، ويُنكِرون الشَّفاعةَ، ومُرتَكِبُ الكبيرةِ عِندَهم في منـزلةٍ بَيْنَ المنـزلتينِ كما تقولُ المُعتَزِلةُ.
تاسعًا: يتَّفِقُ الزَّيديَّةُ مع أهلِ السُّنَّةِ في الفِقهِ، لا سِيَّما مع مَذهَبِ الأحنافِ، ولهم أقوالٌ تخالِفُ المذاهِبَ الفِقهيَّةَ الأربعةَ المشهورةَ عِندَ أهلِ السُّنَّةِ، مثلُ قولِهم: حَيَّ على خيرِ العَمَلِ، في الأذانِ، ويرسِلون أيديَهم في الصَّلاةِ.
عاشرًا: يفتَحون بابَ الاجتهادِ لكُلِّ مَن يريدُ الاجتهادَ من أهلِ العِلمِ، وقد ظهَر فيهم عُلَماءُ مجتَهِدون، كابنِ الوَزيرِ والمُقبليِّ.
حادِيَ عَشَرَ: يقولون بوجوبِ الخُروجِ على الإمامِ الظَّالمِ الجائِرِ، وعَدَمِ وُجوبِ طاعتِه.
ثاني عَشَرَ: يتمسَّكون بالعديدِ من القضايا التي يتمسَّكُ بها الشِّيعةُ، كأحقِّيَّةِ أهلِ البيتِ في الخلافةِ، والغُلُوِّ في أهلِ البيتِ، وتفضيلِ عُلَماءِ أهلِ البيتِ على غَيرِهم من العُلَماءِ بمُجَرَّدِ النَّسَبِ؛ فالملامِحُ الشِّيعيَّةُ واضِحةٌ في مَذهَبِ الزَّيديَّةِ [265] يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/155)، ((الإمام زيد)) لأبي زهرة (ص: 188)، ((فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام)) لغالب عواجي (1/334 - 343)، ((الزيدية نشأتها ومعتقداتها)) لإسماعيل الأكوع (ص: 25 -73)، ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) (1/ 76 - 80). .
قال عبدُ الصَّمَدِ بنُ عبدِ اللَّهِ الدَّامِغانيُّ [266] نسبة إلى دامغان: من مُدُنِ خراسانَ، بين الرَّيِّ ونَيسابورَ. يُنظر: ((البلدان)) لليعقوبي (ص: 90)، ((معجم البلدان)) للحموي (2/ 433). : (وأمَّا ما نُقِم على الزَّيديَّةِ فأمورٌ كثيرةٌ.
منها: اعتقادُهم -ومعهم أكثَرُ المُعتَزِلةِ- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَشفَعُ لعُصاةِ الأُمَّةِ، وهذا مخالِفٌ للعَقلِ والنَّقلِ؛ فالعَقلُ ظاهرٌ بلا مِريةٍ؛ لأنَّ العاصيَ في الآخرةِ كالغريقِ في البحرِ يحتاجُ إلى استنقاذٍ، والمطيعُ كالذي في البَرِّ سالِمًا يريدُ أن يرتقيَ إلى منزلةٍ عاليةٍ، فالغريقُ أَولى بالاستنقاذِ من ترقيةِ السَّليمِ، ولا يظهَرُ فَضلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الآخِرةِ على المورودِ، وأمَّا النَّقلُ فأحاديثُ كثيرةٌ تقضي بأنَّ الشَّفاعةَ ثابتةٌ لعُصاةِ الأمَّةِ، ومنه الحديثُ الذي يتَّخِذُه المؤذِّنُ في دعائِه قبلَ الإقامةِ، وهو: ((اللَّهُمَّ وابعَثْه المقامَ المحمودَ الذي وعَدْتَه، وشَفِّعْه في أمَّتِه)) [267] أخرج البخاري (614) من حديثِ جابِر بن عَبدِ الله رَضِيَ الله عنهما أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن قال حينَ يَسمَعُ النِّداءَ: اللهُمَّ رَبَّ هذه الدَّعوةِ التَّامَّةِ والصَّلاةِ القائِمةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسيلةَ والفَضيلةَ، وابعَثْه مَقامًا مَحمودًا الذي وَعَدْتَه؛ حَلَّت له شفاعتي يَومَ القيامةِ)). ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ المؤذِّنَ بذلك.
وما يتعلَّقون به -أي: الزَّيديَّةُ- من قولِه تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] ، وقَولِه تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] فلا يصِحُّ التَّعلُّقُ به؛ لأنَّه واردٌ في الكُفَّارِ؛ إذ لا شفاعةَ لهم بالإجماعِ.
ومنها: اعتقادُهم والمُعتَزِلةِ أنَّ الإنسانَ لا يدخُلُ الجنَّةَ إلَّا بعَمَلِه، وهذا من أبعَدِ ما يكونُ، وما يكونُ عَمَلُه في جَنبِ معاصيه لو خَلَص، وفي جنبِ نِعَمِ اللَّهِ تعالى عليه؟! كيف وشوائِبُ الأعمالِ فائِتةٌ للحَصرِ والتَّعدادِ؟! والحديثُ كُلُّه قاضٍ بأنَّ الجنَّةَ لا تُستحَقُّ إلَّا بالتَّجاوُزِ والرَّحمةِ، لا بمجَرَّدِ العَمَلِ؛ ولذلك أراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تقريرَ أمَّتِه على ذلك بقَولِه: ((لا يَدخُلُ الجنَّةَ أحَدٌ بعَمَلِه، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللَّهِ؟! قال: ولا أنا، إلَّا أن يتغَمَّدَني اللَّهُ بعَفوِه)) [268] أخرج البخاري (5673) ومسلم (2816) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ مسلمٍ: ((لن يُدخِلَ أحدًا منكم عَمَلُه الجنَّةَ. قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَني اللهُ منه بفَضلٍ ورحمةٍ)). ، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنبِه وما تأخَّر، مع أنَّه معصومٌ لا يجوزُ عليه ما يستحِقُّ به النَّارَ! وإنما أراد أن توطِّنَ أمَّتُه أنفُسَها على ذلك، وإنما يقالُ: إنَّ الرَّحمةَ والتَّجاوُزَ مع العَمَلِ لِقَولِه تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] ، لا المتمَرِّدين.
ومنها: أنَّهم وبعضَ المُعتَزِلةِ يعتَقِدون بكُفرِ كثيرٍ من المخالِفِ لهم في العقيدةِ، ويجاهِدونَهم كما يجاهَدُ المُشرِكون، وهذا مخالِفٌ للشَّريعةِ النَّبويَّةِ؛ فإنَّ الأحاديثَ قضَت بأنَّ المُقِرَّ بالشَّهادتينِ يُحقَنُ مالُه ودَمُه، ووافقهم في ذلك بعضُ أهلِ السُّنَّةِ كالمَّالكيَّةِ؛ فإنَّهم يُكَفِّرون مَن سَبَّ صحابيًّا ويوجِبون قَتْلَه، ولا دليلَ معهم عليه؛ لأنَّهم وقعوا بعضُهم في بعضٍ في الفتنةِ باليَدِ واللِّسانِ، كحالِ عليٍّ ومعاويةَ؛ لأنَّ العِلَّةَ في ذلك واحِدةٌ، وهي الوقيعةُ في صحابيٍّ، والذَّنبُ عظيمٌ لا يزالُ عظيمًا ممَّن وقع، وغيرُ العظيمِ لا يَبلُغُ مبلَغَ العظيمِ ممَّن وقَع أيضًا، ولا يقولُ أحدٌ من الأئمَّةِ: إنَّ بعضَ الصَّحابةِ قد كَفَر بوقيعتِه في صحابيٍّ آخَرَ بحالٍ.
ومنها: أنَّهم يشتَرِطون في الخلافةِ شُروطًا لم يَرِدِ الشَّرعُ بأكثَرِها، وكذا يشتَرِطونها في إمامةِ الصَّلاةِ؛ ولذلك لا يدومُ لهم إمامٌ، لعَدَمِ كَمالِ الشُّروطِ.
ومنها: أنَّهم يُجَوِّزون خليفتينِ في زمانٍ واحدٍ إذا تباعد قُطراهما، كما كان ناصِرٌ الأُطْروشُ بالعَجَمِ، وهادي اليَمَنِ في اليَمَنِ، ويعتَقِدون أنَّ قولَ كُلِّ واحدٍ منهما نافذٌ، حتى ولو أفتى أحَدُهما بقَتلِ الآخَرِ نَفَذت فَتواه! وهذا جُرمٌ عظيمٌ في الدِّينِ، مع مخالفتِه للدَّليلِ الواضِحِ المُبينِ؛ فإنَّه قد صَحَّ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا قام خليفتانِ فاقتُلوا الآخِرَ منهما)) [269] أخرجه مسلم (1853) من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، بلفظ: ((إذا بويعَ لخليفتينِ فاقتُلوا الآخِرَ منهما)). ، ولأنَّ ذلك يُفَرِّقُ أمرَ الأمَّةِ، ويُشَتِّتُ كَلِمتَهم، وينثُرُ نظامَهم، ويَمحَقُ جماعتَهم، ويُسْطي عليهم العَدُوَّ؛ ولذلك قيل في المثَلِ: سيفانِ في غِمدٍ لا يجتَمِعانِ.
ومنها: أنَّ فيهم الوَسْواسَ في وضوئِهم وصلاتِهم وعقيدتِهم، وكُلُّ ذلك مخالِفٌ للشَّريعةِ.
ومنها: أنَّهم يخالِفون زيدَ بنَ عَليٍّ إمامَهم في أكثَرِ الفروعِ، مع انتسابِهم إليه، ويزعُمون أنَّهم أخذوا بفروعِ أتباعِه، كما أخذت الشَّافعيَّةُ بفروعِ أصحابِ الشَّافعيِّ، والمَّالكيَّةُ بفُروعِ أصحابِ مالِكٍ، والحَنَفيَّةِ بفُروعِ مُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ الشَّيبانيِّ وأبي يوسُفَ وزُفَرَ أصحابِ أبي حنيفةَ، وليس بصحيحٍ؛ لأنَّ أصحابَ كُلِّ فقيهٍ ممَّن رَوَوا زادوا على فرعِ إمامِهم وفَرَّعوها، ونَقَّحوا الصَّحيحَ منها، والزَّيديَّةُ لم يفعَلوا ذلك في فِقهِ زَيدِ بنِ عَليٍّ، بل جعلوه كآحادِ المخالِفين في مسائِلِ الفِقهِ، وجعلوا عُمدتَهم في المَذهَبِ ثلاثةَ أئمَّةٍ: من أولادِ الحَسَنِ اثنينِ، ومن أولادِ الحُسَينِ واحدًا، وكُلُّهم من أتباعِ زيدٍ في العقيدةِ والإمامةِ، وفُروعُهم توافِقُ الحَنَفيَّةَ أكثَرَ مِن غَيرِهم من الفُقَهاءِ) [270] ((الجوهرة الخالصة)) (ص: 105-112). .

انظر أيضا: