موسوعة الفرق

المطلَبُ الثَّاني: النَّشأةُ والجُذورُ التَّاريخيَّةِ


كانت بدايةُ ظُهورِ هذه الفِرْقةِ بعدَ استشهادِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، وبعد تنازُلِ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ عن الخلافةِ لمعاويةَ رضي اللَّهُ عنهم جميعًا، واشتَهَروا بموالاتهم لمُحمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ الملقَّبِ بابنِ الحَنَفيَّةِ.
فحين تمَّ الصُّلحُ بَيْنَ الحَسَنِ ومعاويةَ رضي اللَّهُ عنهما مال بعضُ الشِّيعةِ عن الحَسَنِ والحُسَينِ وقالوا بإمامةِ مُحمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ، وقالوا: إنَّه أولى بالخلافةِ بعد عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ وهو وصِيُّه، وليس لأحدٍ من أهلِ بيتِه أن يخالِفَه أو يخرُجَ بغيرِ إذنِه، وكان من غُلُوِّهم وكَذِبِهم أن قالوا: إنَّ الحَسَنَ خرج لقتالِ مُعاويةَ بأمرِ مُحمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ، وإنَّ الحُسَينَ خَرَج لقتالِ يَزيدَ بإذنِ ابنِ الحَنَفيَّةِ [214] يُنظر: ((المقالات والفرق)) للقمي (ص: 23). .
ترجمةٌ مختَصَرةٌ لابنِ الحَنَفيَّةِ:
هو مُحمَّدُ بنُ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ تابِعيٌّ جليلٌ، كان من أفاضِلِ أهلِ البَيتِ عِلمًا وشجاعةً، يُعرَفُ بابنِ الحَنَفيَّةِ نِسبةً إلى أمِّه التي كانت من سَبيِ بني حنيفةَ، وأصابته محَنٌ كثيرةٌ وشِدَّةٌ وبلاءٌ بعدَ استِشهادِ أخيه الحُسَينِ بنِ عَليٍّ من جهةِ شيعتِه الذين كانوا مع المُختارِ بنِ أبي عُبيدٍ في العِراقِ، ومن جهةِ عبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ في مكَّةَ، ومن جهةِ عبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ في الشَّامِ، حتَّى توفِّيَ في جَبَل رَضوى بَيْنَ يَنبُعَ والمدينةِ سنةَ 81 هـ، ودُفِنَ بالبَقيعِ [215] يُنظر: ((مشاهير علماء الأمصار)) لابن حبان (ص: 103)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (2/ 994 - 1003)، ((الأعلام)) للزركلي (6/ 270). .
ترجمةٌ مختَصَرةٌ للمُختارِ الثَّقَفيِّ:
هو المُختارُ بنُ أبي عُبَيدِ بنِ مَسعودٍ الثَّقَفيُّ، أبو إسحاقَ، من أهلِ الطَّائِفِ، انتقل منها إلى المدينةِ مع أبيه في زَمَنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه، وتزوَّج عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ أختَه (صفيَّةَ بنتَ أبي عُبَيدٍ) ثُمَّ كان مع عليٍّ بالعراقِ، وسَكَن البَصرةَ بعدَ مَقتَلِه رضي اللَّهُ عنه. وَّلما قُتل الحُسَينُ سنة 61هـ قَبَض عليه عُبَيدُ اللَّهِ بنُ زيادٍ أميرُ البَصرةِ وجَلَدَه وحَبَسَه، ثُمَّ نفاه إلى الطَّائِفِ، ولمَّا مات يزيدُ بنُ معاويةَ سنة 64هـ وقام عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيرِ في المدينةِ بطَلَبِ الخلافةِ، ذهب إليه المُختارُ ليَنصُرَه، استأذنه في التَّوجُّهِ إلى الكوفةِ ليدعوَ النَّاسَ إلى طاعتِه، فوَثِق به، وأرسله إلى الكوفةِ، فلمَّا دخلها أبدى رغبتَه في قَتلِ من قاتلوا الحُسَينَ وقَتَلوه، فدعا إلى إمامةِ محمَّدِ ابنِ الحَنَفيَّةِ، وادَّعى أنَّه استخلفَه، فبايعه زُهاءُ سَبعةَ عَشَرَ ألفَ رَجُلٍ سِرًّا، فخَرَج بهم على والي الكوفةِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مُطيعٍ، فغَلَب عليها، واستولى على المَوصِلِ، وعَظُم شأنُه، وتتَبَّع قَتَلةَ الحُسَينِ فقتَلَهم، ثُمَّ قاتَلَ مُصعَبُ بنُ الزُّبَيرِ المختارَ حتَّى قتَلَه في الكوفةِ سنة 67هـ [216] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (7/ 192). .
قال المُبَرِّدُ: (كان المختارُ لا يُوقَفُ له على مَذهَبٍ، كان خارجيًّا، ثُمَّ صار زُبَيريًّا، ثُمَّ صار رافِضيًّا في ظاهِرِه) [217] ((الكامل في اللغة والأدب)) (3/ 193). .
وقال الذَّهبيُّ: (لا ينبغي أن يُروى عنه شيءٌ؛ لأنَّه ضالٌّ مُضِلٌّ. كان يزعُمُ أنَّ جبرائيلَ عليه السَّلامُ يَنزِلُ عليه!) [218] ((ميزان الاعتدال)) (4/ 80). .
وقال أيضًا: (قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يكونُ في ثَقيفٍ كَذَّابٌ ومُبِيرٌ)) [219] أخرجه مسلم (2545) من حديثِ أسماء بنتِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، بلفظِ: ((أنَّ في ثقيفٍ كذابًا ومُبيرًا)). ، فكان أحدُهما المختارَ، كَذَب على اللَّهِ، وادَّعى أنَّ الوَحيَ يأتيه، والآخَرُ: الحَجَّاجَ) [220] ((تاريخ الإسلام)) (2/ 706). .

انظر أيضا: