موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: شُبهةُ المُرجِئةِ في أنَّ الإيمانَ شيءٌ واحِدٌ لا يتبعَّضُ


تعلَّق المُرجِئةُ بشُبَهٍ نظريَّةٍ وحُجَجٍ عقليَّةٍ، احتكَموا إليها في هذه المسألةِ، وردُّوا النِّزاعَ إليها، وهي في الحقيقةِ حُجَجٌ إذا تدبَّرها العاقِلُ بحقٍّ وجَدها دعاوى لا تقومُ على دليلٍ، وحُجَجًا لا تعتمِدُ على بُرهانٍ، وإنَّما تعتمِدُ أوَّلًا وآخِرًا على رأيِهم القاصِرِ، وعلى ما تأوَّلوه بفَهمِهم للُغةِ العَربِ، فمَنشَأُ الغَلطِ في هذه المسألةِ عائِدٌ إلى أصلِهم البِدعيِّ المشهورِ؛ أنَّ الإيمانَ شيءٌ واحِدٌ لا يتبعَّضُ، بل إذا ذهَب بعضُه ذهَب كُلُّه [428] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/52)، ((زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه)) لعبد الرزاق البدر (ص: 371). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (هذا مِن أصولِ غَلطِ المُرجِئةِ؛ فإنَّهم ظنُّوا أنَّه شيءٌ واحِدٌ، وأنَّه يستوي فيه جميعُ المُكلَّفينَ، فقالوا: إيمانُ الملائِكةِ والأنبِياءِ وأفسَقِ النَّاسِ سَواءٌ، كما أنَّه إذا تلفَّظ الفاسِقُ بالشَّهادتَينِ، أو قرأ فاتِحةَ الكتابِ كان لفظُه كلفظِ غَيرِه مِن النَّاسِ، فيُقالُ لهم: قد تبيَّن أنَّ الإيمانَ الذي أوجَبه اللهُ على عِبادِه يتنوَّعُ ويتفاضَلُ، ويتبايَنونَ فيه تبايُنًا عظيمًا، فيجِبُ على الملائِكةِ مِن الإيمانِ ما لا يجِبُ على البَشرِ، ويجِبُ على الأنبِياءِ مِن الإيمانِ ما لا يجِبُ على غَيرِهم، ويجِبُ على العُلَماءِ ما لا يجِبُ على غَيرِهم، ويجِبُ على الأمَراءِ ما لا يجِبُ على غَيرِهم، وليس المُرادُ أنَّه يجِبُ عليهم مِن العَملِ فقط، بل ومِن التَّصديقِ والإقرارِ) [429] ((مجموع الفتاوى)) (13/52). .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا عن المُرجِئةِ: (أصلُ هؤلاء أنَّ الإيمانَ لا يتبعَّضُ ولا يتفاضَلُ، بل هو شيءٌ واحِدٌ يستوي فيه جميعُ العِبادِ فيما أوجَبه الرَّبُّ مِن الإيمانِ، وفيما يفعَلُه العبدُ مِن الأعمالِ) [430] ((مجموع الفتاوى)) (13/55). .
وقال أيضًا: (كانت المُرجِئةُ تَنفِرُ مِن لفظِ النَّقصِ أعظَمَ مِن نُفورِها مِن لفظِ الزِّيادةِ؛ لأنَّه إذا نقَص لَزِم ذَهابُه كُلِّه عندَهم إن كان مُتبعِّضًا مُتعدِّدًا) [431] ((مجموع الفتاوى)) (7/404). .

انظر أيضا: