موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: أثَرُ مقالةِ الجَهْميَّةِ على المُعتَزِلةِ


أثَّرت الجَهْميَّةُ في المُعتَزِلةِ في عِدَّةِ أصولٍ، منها:
1- مُعارَضةُ نُصوصِ الوَحيِ بالعَقلِ:
فلئِن كان الجَهْمُ أوَّلَ من عارَضَ النُّصوصَ بما يزعُمُ أنَّه عقلٌ، فإنَّ المُعتَزِلةَ هم الذين أشهَروا هذه المقالةَ بَينَ الفِرَقِ الكلاميَّةِ بمُجرَّدِ شُبُهاتِهم التي سمَّوها معقولاتٍ. وداءُ ردِّ النُّصوصِ داءٌ قديمٌ عِندَ المُعتَزِلةِ، بل مُؤسِّسُ مَذهَبِهم واصِلُ بنُ عطاءٍ أسَّس المَذهَبَ، وخالف إجماعَ المُسلِمينَ قَبلَه، وابتدَع القَولَ بالمنزلةِ بَينَ المنزلتَينِ؛ من أجلِ أصولٍ عَقليَّةٍ رآها [338] يُنظر: (مقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية)) لياسر قاضي (1/ 168). .
2- نَفيُ الصِّفاتِ:
قال ابنُ تيميَّةَ: (‌مقالةُ ‌الجَهْميَّةِ: وهي نَفيُ صِفاتِ اللهِ تعالى، فإنَّهم يقولونَ: إنَّ اللهَ لا يُرى في الآخِرةِ ولا يُكلِّمُ عبادَه، وإنَّه ليس له عِلمٌ ولا حياةٌ ولا قُدرةٌ، ونحوُ ذلك من الصِّفاتِ، ويقولونَ: القُرآنُ مخلوقٌ. ووافق الجَهْمَ على ذلك "المُعتَزِلةُ" أصحابُ عَمرِو بنِ عُبَيدٍ، وضمُّوا إليها بِدعًا أخرى في القَدَرِ وغيرِه، لكِنَّ المُعتَزِلةَ يقولونَ: إنَّ اللهَ كلَّم موسى حقيقةً، وتكَلَّم حقيقةً، لكِنْ حقيقةُ ذلك عِندَهم أنَّه خلَقَ كلامًا في غيرِه إمَّا في شجَرةٍ وإمَّا في هواءٍ وإمَّا في غيرِ ذلك، مِن غيرِ أن يقومَ بذاتِ اللهِ عِندَهم كلامٌ ولا علمٌ ولا قُدرةٌ ولا رحمةٌ ولا مشيئةٌ ولا حياةٌ، ولا شيءٌ من الصِّفاتِ) [339] ((مجموع الفتاوى)) (12/ 503). .
3- دليلُ الأعراضِ وحُدوثُ الأجسامِ:
فأوَّلُ من أدخلَه على المُسلِمينَ الجَهْمُ بنُ صَفوانَ؛ فقد أخذه عن فلاسفةِ اليونانِ، ثُمَّ جاء أبو الهُذَيلِ العَلَّافُ وقعَّده وجعَله في صورتِه المعروفةِ، فأخَذ المُعتَزِلةُ والزَّيديَّةُ والإباضيَّةُ والرَّافضةُ منه هذا الدَّليلَ، وقد التزم الجَهْمُ من أجلِ هذا الدَّليلِ نفيَ جميعِ الأسماءِ والصِّفاتِ، ووافقه على هذا النَّفيِ المُعتَزِلةُ والزَّيديَّةُ والإباضيَّةُ، وجعله الجَهْمُ أساسَ الإيمانِ باللهِ تعالى، واعتَبَر أنَّ من لم يسلُكْه فليس بمُؤمِنٍ حقيقةً، ثُمَّ تبِعَه على ذلك المُعتَزِلةُ والإباضيَّةُ ومَن تبِعَهم، فأوجبوا على المُكلَّفينَ مَعرفةَ اللهِ بالأدِلَّةِ العقليَّةِ، وفسَّقوا أو كفَّروا من لم يفعَلْ ذلك [340] يُنظر: ((مقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية)) لياسر قاضي (1/ 359). .
4- فَناءُ الجَنَّةِ والنَّارِ:
قال ابنُ تيميَّةَ عن الجَهْمِ إنَّه (قال بفَناءِ الجَنَّةِ والنَّارِ، ووافقَه أبو الهُذَيلِ إمامُ المُعتَزِلةِ على هذا، لكِنْ قال: تتناهى الحَركاتُ) [341] ((مجموع الفتاوى)) (8/ 227). .

انظر أيضا: