الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّلُ: حُكم زكاةِ الخارِجِ مِنَ البحرِ


لا زكاةَ في المُستخرَجِ مِنَ البَحرِ، كاللُّؤلؤِ والمَرجانِ والعَنبرِ، ونحوه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/291)، ويُنظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) للطحاوي (1/461). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/340)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/492). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/ 6)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/280)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/281). ، والحَنابِلَة ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/79)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/55). ، وبه قال أكثرُ العُلَماءِ قال أبو عُبَيد: (إنما اختلَفَ الناسُ في العَنبرِ واللُّؤلؤ؛ فالأكثَرُ مِنَ العُلَماءِ على أنْ لا شيءَ فيهما، كما يُروَى عن ابنِ عَبَّاسٍ، وجابر، وهو رأي سفيان، ومالك جميعًا، ومع هذا فإنَّه قد كان ما يخرُجُ مِنَ البَحرِ على عهدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلم تأتِنا عنه فيه سُنَّةٌ عَلِمناها، ولا عن أحدٍ مِنَ الخُلفاءِ بَعدَه مِن وَجهٍ يصحُّ، فنراه ممَّا عفا عنه، كما عفا عن صدقةِ الخَيلِ والرَّقيقِ). ((الأموال)) (ص: 434). وقال ابنُ بطَّال: (جمهورُ العُلَماءِ على أنْ لا شيءَ فيهما، وأنَّهما كسائرِ العُروض، وهذا قَولُ أهلِ المدينةِ، والكوفيِّين، والليث، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وقال أبو يوسف: في اللُّؤلؤِ والعَنبرِ وكُلِّ حِليةٍ تَخرجُ مِنَ البَحرِ خَمْسٌ، وهو قول عُمَرَ بنِ عبد العزيز، والحسَنِ البصري، وابن شهاب). ((شرح صحيح البخاري)) (3/550). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (أمَّا اللُّؤلؤ والمِسكُ والعنبر؛ فلا خلافَ أنَّه لا زكاةَ في أعيانِها، كسائِرِ العُروض... واختلفوا في العَنبرِ واللؤلؤ؛ هل فيهما الخُمُسُ حين يُخرَجانِ مِنَ البحرِ أو لا؟ فجمهورُ الفُقَهاءِ على أنْ لا شيءَ فيهما، وهو قَولُ أهل ِالمدينة وأهلِ الكوفة، والليث والشافعي وأحمد، وأبي ثور وداودَ، وقال أبو يوسف: في اللُّؤلؤِ والعنبرِ وكُلِّ حِليةٍ تَخرُجُ مِن البحرِ. وهو قولُ عمر بن عبد العزيز، لم يُختلَف عنه في ذلك، وكان يكتُبُ إلى عمَّاله. واختُلف فيه عن ابنِ عُبَّاس؛ فرُوِيَ عنه أنَّه لا شيءَ فيه؛ لأنَّه شيء دسَرَه البحرُ). ((الاستذكار)) (3/154). وقال ابنُ قدامة: (لا زكاةَ في المُستخرَجِ مِنَ البَحرِ، كاللؤلؤِ والمَرجانِ والعَنبرِ ونحوه، في ظاهِرِ قول الخِرَقي، واختيار أبي بكر. ورُوِيَ نحوُ ذلك عن ابن عباس. وبه قال عُمَرُ بن عبد العزيز، وعطاءٌ، ومالك، والثوري، وابنُ أبي ليلى، والحسَنُ بن صالح، والشَّافعي، وأبو حنيفة، ومحمَّدٌ، وأبو ثَور، وأبو عُبَيدٍ). ((المغني)) (3/55).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُ اللهِ تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة: 103]
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ فرَض الزَّكاةَ، فأخذَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم مِن بَعضِ الأموالِ دُونَ بَعضٍ، فعَلِمْنا أنَّ اللهَ تعالى لم يُرِدْ جميعَ الأموالِ، وإنَّما أراد البعضَ، وإذا كنَّا على يقينٍ مِن أنَّ المرادَ هو البَعضُ مِنَ الأموالِ، فلا سبيلَ إلى إيجابِ زَكاةٍ إلَّا فيما أخَذَه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، ووقَف عليه أصحابُه ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطَّال (3/550، 551)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (3/155).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: ((العَجْماءُ جُبَارٌ، والبِئرُ جُبارٌ، والمعدِنُ جُبارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ )) رواه البخاري (1499)، ومسلم (171)
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مفهومَ الحديثِ أنَّ غيرَ الرِّكازِ لا خُمُسَ فيه، والبَحرُ لا يُطلَقُ عليه اسمُ رِكازٍ قال البخاري في صحيحه: (فإنَّما جعَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في الرِّكازِ الخُمُسَ ليس في الذي يُصابُ في الماءِ). وينظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطَّال (3/550)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/363).
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: ((إنَّ رجلًا مِن بني إسرائيلَ سأل بعضَ بني إسرائيلَ بأنْ يُسلِفَه ألفَ دِينارٍ فدفَعها إليه، فخرَج في البَحرِ، فلمْ يجِد مَركبًا، فأخذ خشَبةً فنَقَرَها فأدْخَل فيها ألفَ دِينارٍ، فرمَى بها في البحرِ، فخرَجَ الرجلُ الذي كان أسْلَفَه، فإذا بالخَشَبةِ فأخَذها لأهلِه حَطَبًا- فذكر الحديثَ- فلمَّا نشرَها وجَد المالَ... )) رواه البخاري (1498)
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ في أخْذِ الرَّجُلِ الخشَبةَ حطبًا لأهلِه؛ دليلًا أنَّ ما يُوجَدُ في البحرِ مِن متاعِ البَحرِ وغَيرِه، أنَّه لا شيءَ فيه، وهو لِمَن وجَدَه حتى يستحقَّ ما ليس مِن متاعِ البَحرِ مِنَ الأموالِ كالدَّنانيرِ والثِّياب، وشِبْهِ ذلك وبذلك ترجَم البخاريُّ في صحيحِه: (بابُ ما يُستخرجُ مِنَ البَحرِ، وقال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ليس العَنبرُ برِكازٍ؛ هو شيءٌ دَسَره البحرُ. وقال الحسَنُ في العنبَرِ واللُّؤلؤ: الخُمُس؛ فإنَّما جعَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في الرِّكازِ الخُمُسَ، ليس في الذي يُصابُ في الماءِ).((فتح الباري)) لابن حجر (3/363).
ثالثًا: أنَّه قد كان يخرُجُ مِنَ البَحرِ على عهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وخُلَفائِه، فلم يأتِ فيه سُنَّةٌ عنه، ولا عن أحدٍ مِن خُلفائِه مِن وَجهٍ يصِحُّ ((المغني)) لابن قدامة (3/56).
رابعًا: أنَّ الأصلَ عدمُ الوُجوبِ فيه قال الشوكانيُّ: (اعلم أنَّ هذه الشَّريعةَ المطَهَّرة وردتْ بعصمةِ أموالِ العِبادِ، وأنَّه لا يحِلُّ شيءٌ منها إلَّا بطِيبةٍ مِن أنفُسِهم، وأنَّ خلافَ ذلك مِن أكْلِ أموالِ النَّاسِ بالباطل، وقد ثبتَ في الكِتابِ والسُّنةِ أنَّ الله سبحانه أحلَّ لعبادِه صَيدَ البَرِّ والبحرِ، فما صادُوه منهما فهو حلالٌ لهم، داخِلٌ في أملاكِهم، كسائرِ ما أحلَّ الله لهم؛ فمن زعَمَ أنَّ عليهم في هذا الصَّيدِ الحلالِ خُمُسَه أو أقلَّ أو أكثَرَ، لم يُقبلْ منه ذلك إلَّا بدليلٍ يَصلُحُ لتخصيصِ الأدلَّة القاضِيَةِ بعِصمةِ أموالِ النَّاسِ، ويَنقُل عن الأصلِ المعلومِ بالضَّرورةِ الشَّرعيةِ، ولم يكن هاهنا دليلٌ قطُّ، بل إيجابُ ذلك سبَبُه توهُّمُ دُخُولِ الصَّيدِ تحتَ عُمُومِ قَولِه تعالي: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ **الأنفال: 41**، وهو توهُّمٌ فاسِدٌ، وتخيُّلٌ مُخَتلٌّ). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 270)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/56).
خامسًا: أنَّ وُجودَه مِن غَيرِ مَشقَّةٍ؛ فهو كالمُباحاتِ الموجودةِ في البَرِّ، كالمَنِّ والزنجبيلِ، وغيرِهما ((المغني)) لابن قدامة (3/56)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/80).
سادسًا: أنَّ اللُّؤلؤَ والعنبَرَ يتولَّدانِ مِن حيوانِ البَحرِ، فأشبَها السَّمكَ والصَّدَف قال البخاريُّ في صحيحه: (فإنَّما جعَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في الرِّكازِ الخُمُسَ، ليس في الذي يُصابُ في الماء). وينظر:((فتح الباري)) لابن حجر (3/363).

انظر أيضا: