الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: استثمارُ أموال الزَّكاةِ


لا يجوزُ استثمارُ أموالِ الزَّكاة، وهذا اختيارُ المَجْمع الفقهيِّ التَّابِعِ لرابطةِ العالَم الإسلاميِّ في مجلسِ المجمَعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكَّة المكرمة، التي بدأت يوم السبت 11رجب 1419هـ الموافق 31/10/1998م قدْ نظَرَ في موضوعِ استثمارِ أموال الزَّكاة، وبعد التَّداول والمناقشة، والتأمُّلِ في أحكام إخراج الزَّكاة ومصارفها، قرَّر المجلسُ ما يلي: - يجب إخراجُ زكاةِ الأموال على الفور، وذلك بتمليكها لمستحقِّيها الموجودينَ وقتَ وجوب إخراجِها، الذين تولَّى اللهُ سبحانه تعيينَهم بنصِّ كتابِه، فقال عزَّ شأنُه: (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...) **التوبة: 60**؛ لهذا فلا يجوزُ استثمارُ أموال الزَّكاة لصالِحِ أحدٍ مِن مستحقِّيها، كالفقراء؛ لِمَا ينطوي عليه مِن محاذيرَ شرعيَّةٍ متعدِّدةٍ؛ منها: الإخلالُ بواجِبِ فَوريَّةِ إخراجها، وتفويتِ تَمليكِها لمستحقِّيها وقتَ وجوبِ إخراجِها، والمضارَّةِ بهم. ((قرارات مجمع الفقه الإسلامي)) التابع للرابطة (قرار رقم: 88 (6/15): بشأن استثمار أموال الزَّكاة). ، واللَّجنةِ الدَّائمة في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (لا يجوزُ لوكيلِ الجمعيَّةِ استثمارُ أموالِ الزَّكاة، وإنَّ الواجِبَ صرفُها في مصارِفِها الشرعيَّة المنصوصِ عليها بعد التثبُّتِ في صَرفِها في المستحقِّينَ لها؛ لأنَّ المقصودَ منها سدُّ حاجةِ الفُقَراءِ، وقضاءُ دَينِ الغُرماءِ؛ ولأنَّ الاستثمارَ قد يفوِّتُ هذه المصالِحَ أو يؤخِّرُها كثيرًا عن المستحقِّين). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الأولى)) (9/404، 454، 455). وفيها أيضًا: (الواجبُ عليك المبادرةُ بتوزيعِ الصَّدقة التي وُكِّلْتَ في توزيعِها على مستحقِّيها، ولا يجوزُ لك تأخيرُ التوزيعِ، ولا الاتِّجارُ بها، فما فعلْتَه خطأٌ، وعليك التَّوبة منه، والمبادرة بتوزيع المتبقِّي منها، وأرباحِها التي حصَلَتْ مِن الاتِّجارِ بها، ولا تعُدْ لِمِثلِ هذا). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (14/283)، وينظر: ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (16/447). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (وأمَّا استثمارُها في شِراءِ العقاراتِ وشِبهِها، فلا أرى ذلك جائزًا؛ لأنَّ الواجِبَ دفْعُ حاجةِ الفَقيرِ المستحِقِّ الآن, وأمَّا الفُقراءُ في المستقبَلِ، فأمْرُهم إلى اللهِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/478). وقال أيضًا: (أمَّا الزَّكاة فلا يجوزُ؛ لأنَّها لدفْعِ حاجةِ الفَقيرِ الحاضر، أمَّا الصَّدقاتُ فنَعَمْ، ربَّما نقول: إذا كانت الصَّدَقاتُ فائضةً عن حاجةِ أهلِ البَلَدِ، ورأى أن يستثمِرَها فهذا جيِّدٌ، بشرْط ألَّا يَحرِمَ الموجودينَ الآن؛ لأنَّ بَعضَ أهلِ الخَيرِ الذين يتولَّونَ مِثلَ هذه الجمعِيَّاتِ يتصرَّفونَ تصرفًا بحُسنِ نِيَّة، لكنَّه غيرُ صالحٍ؛ الزَّكاة لا يجوزُ أن ينشأَ فيها أشياءُ استثماريَّةٌ؛ لأنَّها وُجِدَت في حاجةِ الفَقيرِ الحاضِرِ، فإن كان البلدُ ليس فيه فُقَراءُ نُقِلَت إلى أقرَبِ البِلادِ إليهم، أمَّا الصَّدقةُ فهي أوسَعُ، فيُمكِنُ أن يقال: إذا كان أهلُ البَلَدِ ليسوا مُحتاجينَ إليها فلا مانِعَ أن ينشأَ فيها أشياءُ استثماريَّةٌ). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 150).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُ الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]
أوجهُ الدَّلالةِ:
الوجه الأوَّل: أنَّ مصارِفَ الزَّكاةِ أتت بطريقِ الحَصرِ بــ (إنما)، وهذا مِن أبلغ صِيغِ الحَصرِ، فالزَّكاةُ حقٌّ لهؤلاءِ الأصنافِ في مالِ الأغنياءِ، فما دام أحدٌ مِن هذه الأصنافِ موجودًا، فالواجب أن يُدفَعَ حقُّه إليه ((مجلة المجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي)) (3-1/418).
الوجه الثاني: أنَّ اللَّامَ في الآيةِ للتَّمليكِ، فيجب تمليكُ المالِ الزَّكويِّ لأهلِه المستحقِّين له ((مجلة المجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي)) (3-1/418).
ثانيًا: أنَّ المقصودَ مِنَ الزَّكاة سدُّ حاجةِ الفُقَراءِ، وقضاءُ دَينِ الغُرماءِ، وفي حَبسِها لاستثمارِها تفويتٌ لهذه المصالِحِ، أو تأخيرُها كثيرًا عن المُستحقِّينَ ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (9/455).
ثالثًا: أنَّه لا يجِبُ الإضرارُ بالفُقَراءِ الحاضرينَ على حِسابِ فُقَراءَ مُستقبَلينَ؛ لأنَّ توظيفَ الزَّكاةِ يؤدِّي إلى حِرمانِ الفُقَراءِ المُشاهِدِينَ للأموالِ ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (3/87).
رابعًا: أنَّ القَولَ بِجَوازِ استثمارِ أموالِ الزَّكاةِ يَفتحُ البابَ كذلك لأنْ يبادِرَ الأغنياءُ في استثمارِ زَكاتِهم بأنفُسِهم، وهذا سيؤدِّي في النِّهاية إلى حبْسِ أموالِ الزَّكاةِ عَن مَصارِفِها، وتعطيلِها سنواتٍ في أيدي مُخرِجيها، وتعرُّضِها للرِّبحِ أو الخَسارةِ، وإعطاءِ الأغنياءِ لأنفُسِهم الحقَّ في الأخذِ مِن رِيعِها، وتصبِحُ حُجَّةً لِمَن لا يُخرِجُ الزَّكاةَ أن يدَّعِيَ استثمارَها، أو أنَّها خَسِرَت أو هلَكَتْ ((حكم استثمار أموال الزَّكاة في التجارات والصناعات)) لعبد الرحمن بن عبد الخالق. !
خامسًا: أنَّ يَدَ الإمامِ أو مَن ينوبُ عنه على الزَّكاة، يدُ أمانةٍ، لا تصرُّفٍ واستثمارٍ ((مجلة المجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي)) (3-1/388، 406، 418)، ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الأولى)) (9/454، 455)، ((حكم استثمار أموال الزَّكاة في التجارات والصناعات)) لعبد الرحمن بن عبدالخالق.

انظر أيضا: