موسوعة الأديان

المطلب الثالث: الأناجيل الأربعة متناً:


إن الكتب المقدسة كتب معصومة عن الخطأ، محفوظة من الخلل والزلل؛ لأن المفترض فيها أن تكون من قبل رب العالمين الذي يعلم السرَّ وأخفى، وهو الحق لا يصدر منه إلا الحق جلَّ وعلا. والنصارى يسندون كتبهم إلى الله عزَّ وجلَّ عن طريق الإلهام إلى كتَّابها، والدارس لهذه الكتب يستطيع أن يتبين صدق هذه الدعوى من كذبها؛ إذ إن الحقَّ لا خفاء فيه. وقد سبق أن ذكرنا نبذة عن هذه الكتب من ناحية السند، حيث تبين أن النصارى لا يوجد عندهم دليل يثبت صحة نسبة كتبهم إلى أولئك الناس الذين نُسبت إليهم، فعليه لا يمكن اعتبارها كتباً صحيحة، ولا يجوز لعاقل أن ينسبها إلى أولئك الرجال، فضلاً عن أن ينسبها إلى الله عزَّ وجلَّ. ومما يؤكد عدم صحتها الاختلافات الكثيرة بينها، وكذلك الأغلاط العديدة فيها، وسنضرب لذلك أمثلة:
أولا: الاختلافات:
إذا قارنا بين الأناجيل الأربعة نجد بينها اختلافات جوهرية تدل على خطأ كُتَّابها، وأنهم غير معصومين ولا ملهمين، وأن الله عزَّ وجلَّ بريء منها، ورسوله عيسى عليه السلام، ومن الأمثلة على ذلك:
1- نسب المسيح عليه السلام: إن مما يدهش له الإنسان أشدَّ الدهش أن النصارى لم يستطيعوا أن يضبطوا نسب المسيح عليه السلام، ولم يتفقوا عليه، فأعطاه كلٌّ من صاحب إنجيل متى وصاحب إنجيل لوقا نسباً مختلفاً عن الآخر، وإليك جدولاً بذلك يوضح الفرق بينهما:

إنجيل لوقا

إنجيل متى

المسيح ابن

المسيح ابن

1ـ يوسف  15ـ شمعي  29ـ اليعازر

1ـ يوسف     15ـ آمون

2ـ هالي    16ـ يوسف  30 ـ يوريم

2ـ يعقوب     16ـ منسى

3ـ متثاب    17ـ يهوذا    31ـ متثات

3ـ متان        17ـ حزقيا

4ـ لاوي   18ـ يوحنا     32ـ لاوي

4ـ اليعازر      18ـ أحاز

5ـ ملكي    19ـ ريسا   33- شمعون

5ـ أليود          19ـ يوثام

6ـ ينا        20- زربايل     34- يهوذا

6ـ أخيم          20ـ عزيا

7- يوسف   21ـ شألتئيل     35 ـ يوسف

7ـ صادوق      21ـ يورام

8ـ متاثيا    22ـ نيري   36ـ يونان

8ـ عازور      22ـ يهوشافاط

9ـ عاموص     ـ 23 ـ ملكي     37ـ مليا

9ـ الياقيم          23ـ أسا

10ـ ناحوم      24ـ أدى          38ـ مليا

10ـ ابيهود        24ـ أبيا

11ـ حسلي        25ـ قصم      39 ـ مينان

11ـ زربابل       25ـ حبعام

12ـ نجاي         26ـ ألمودام     40 ـ متاثا

12ـ شألتئيل       26ـ سليمان

13ـ مآث         27ـ عير        41ـ تاثان

13 ـ يكنيا          27ـ داود

14ـ متاثيا          28ـ يوسى      42ـ داود

14ـ يوشيا


ففي هذا النسب فوارق وأغلاط عدة هي:
1- أن متى نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود عليهما السلام.
أما لوقا فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام.
2- أن متى جعل آباء المسيح إلى داود عليه السلام سبعة وعشرين أباً، أما لوقا فجعلهم اثنين وأربعين أباً، وهذا فرق كبير بينهما يدل على خطئهما أو خطأ أحدهما قطعاً.
والنصارى يدَّعون أن أحد الإنجيلين كتب فيه نسب مريم، والآخر كتب فيه نسب يوسف، وهذا كلام باطل؛ إذ إن صاحب إنجيل متى (1/16) يقول: (يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح).
أما أنجيل لوقا (3/23) فيقول: (ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي). فكلاهما صرح بنسب يوسف.
أما الأغلاط في هذا النسب فعديدة منها:
1- أن نسبة المسيح عليه السلام إلى يوسف خطيب مريم في زعمهم خطأ فاحش، وفيه تصديق لطعن اليهود في مريم أم المسيح عليه السلام، وكان الواجب على النصارى أن ينسبوه إلى أمه مريم لا إلى رجل أجنبي عنه. خاصة وأن ولادته منها كانت معجزة عظيمة وآية باهرة، فنسبته إليها فيه إظهار لهذه المعجزة، وتأكيد لها وإعلان، أما نسبته إلى رجل وليس هو أبوه فيه إخفاء لهذه المعجزة واستحياء. والله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم صرَّح في مواطن عدة بنسبته إلى مريم الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17 ، 72، 75] عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ[آل عمران: 45], [النساء: 157، 171]

2- أن صاحب إنجيل متَّى أسقط أربعة آباء من سلسلة النسب: ثلاثة منهم على التوالي بين (عزيا ويورام) حيث النسب كما هو في أخبار الأيام الأول (3/11-13) (عزريا بن أمصيا بن يواش بن أخزيا بن يورام)، كما أسقط واحداً بين (يكنيا ويوشيا) وهو (يهو ياقيم) وسبب إسقاط اسم يهوياقيم بين يوشيا ويكنيا هو أن (يهوياقيم) هذا مَلَكَ دولة يهوذا بعد أبيه، إلا أنه كان عابدا للأوثان فكتب له (إرميا) يحذره من قبيح صنعه، ويبين له مغبة أفعاله، فأحرق (يهوياقيم) الكتاب ولم يرجع عن غيه، فقال عنه إرميا حسب كلامهم: (لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم مَلِكِ يهوذا لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً) سفر إرميا(36/30).
ومعنى هذا الكلام أنه لا يكون من نسله ملك، فأسقطه (متى) لهذا السبب، وعلل صاحب تفسير العهد الجديد ذلك التصرف بأن (متى) أراد أن يجعل كل مجموعه من النسب تحوي أربعة عشر اسماً.
ونقول: إذا كانت هذه العلة التي لا معنى لها من أجلها حذف أربعة آباء من نسب المسيح، فذلك يعني أن الكاتب قد كتبه لخدمة أهداف في نفسه، وأنه لا يكتب ما علم وسمع مجرداً من الهوى والآراء الخاصة، ومن هنا يمكن أن ندرك كيفية تعامل النصارى الأوائل مع المعلومات الواردة إليهم، وأنهم يصوغونها وفق ما يرون ويعتقدون، لا وفق الحق مجرداً عن الهوى والآراء الخاصة. ولنا أن نبحث هنا عن السبب في هذا الخطأ الفاحش والاختلاف في نسب المسيح عليه السلام، فنقول: إن سبب خطأ النصارى في نسب المسيح عليه السلام أنهم نسبوه إلى رجل مغمور غير مشهور هو (يوسف النجار) خطيب مريم في زعمهم، فلهذا أخطؤوا في نسبه، فأعطاه (متَّى) نسباً ملوكيًّا، وأعطـاه (لوقا) نسباً آخـر غير معروف ولا معلوم.
ولكن لماذا أعرض كُتَّاب النصارى عن مريم، ولم يعطوه نسبها، فيجعلونه كما هو الحق عيسى بن مريم بنت عمران ؟.
السبب في هذا ظاهر وهو: أن مريم بنت عمران امرأة عابدة مشهورة، تربَّت في بيت النبي زكريَّا عليه السلام، الذي كان من نسل هارون عليه السلام حيث كان كاهن بيت المقدس والمسؤول عن البخور عندهم هو زوج (أليصابات) خالة مريم، وهي من نسل هارون عليه السلام أيضاً، فتكون مريم من السبط نفسه، وهو سبط لاوي بن يعقوب عليه السلام، وذلك أن تشريع اليهود يأمرهم أن تتزوج المرأة من سبطها، ولا تتزوج من سبط آخر حتى تستمر الأموال في نفس السبط، ولا تنتقل إلى أسباط أخرى بواسطة الميراث. فلهذا تكون مريم من سبط زكريا عليه السلام وزوجته، وكذلك خطيبها المزعوم إن صحَّ كلامهم في ذلك يكون من السبط نفسه، وهو سبط لاوي الذي منه هارون عليه السلام، ومما يدلُّ على أن مريم من سبط هارون قول الله عزَّ وجلَّ: يَا أُخْتَ هَارُونَ [مريم:28] قال السدي: قيل لها: يَا أُخْتَ هَارُونَ أي: أخي موسى؛ لأنها من نسله كما يقال للتميمي: يا أخا تميم. وللمضري: يا أخا مضر. وهذا الأمر فيما يبدو علمه كتَّاب الأناجيل فأزعجهم إزعاجاً شديداً؛ لأنهم يظنون أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام فأعطوه ذلك النسب المخترع إلى داود عليه السلام، وذلك حتى ينطبق عليه ما يزعمه اليهود، وهو أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام حتى يكون مسيحاً. والله أعلم.

3- ذكر إنجيل متَّى (11/13) من كلام المسيح عن يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام ) قوله: (لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع). وورد في إنجيل متَّى أيضاً (17/1) أنهم سألوا المسيح عليه السلام فقال: (وسأله تلاميذه قائلين: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، فأجاب يسوع وقال لهم: إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم، حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان). فالمسيح هنا يبين أن يحيى عليه السلام هو إيليا. ويخالف هذا قول يوحنا في إنجيله (1/19) حين جاء اليهود يسألون يحيى عن نفسه حيث قال: (أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت، فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح، فسألوه من أنت، إيليا أنت ؟ فقال: لست أنا. النبي أنت  ؟ فأجاب لا. فقالوا له: من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية قَوِّمُوا طريق الرب كما قال إشعيا النبي). فهنا أنكر يحيى عليه السلام أن يكون هو إيليا، وهذا تناقض واضح.

4- أن متى ذكر في إنجيله (20/29-34) أن عيسى عليه السلام لما خرج من أريحا قابله أعميان فطلبا منه أن يشفيهما من العمى فلمس عيونهما فشفيا. وقد ذكر هذه القصة مرقص في (10/46-52) وبين أن بارينماوس الأعمى ابن نيماوس هو الذي طلب ذلك فقط.

5- أن مرقص ذكر في (6/8) أن عيسى عليه السلام أوصى حوارييه حين أرسلهم للدعوة في القرى بأن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط لا مزوداً، ولا خبزاً، ولا نحاساً، وذكر ذلك لوقا في (9/3) إلا أنه قال: إن عيسى عليه السلام أوصاهم وقال لهم: (لا تحملوا شيئاً للطريق لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً ولا فضة) ففي الأول أجاز لهم حمل العصا، والثاني نهاهم عن حمل العصا أيضاً.

6- أن إنجيل متى ذكر فيه في (15/21) أن المرأة التي طلبت من المسيح شفاء ابنتها كانت كنعانية. وذكر القصة مرقص في إنجيله (7/24) ونص عبارته عن جنس المرأة: (وكانت المرأة أممية وفي جنسها فينيقية سورية).

7- أن إنجيل متى ذكر أسماء تلاميذ عيسى الاثني عشر فقال (10/2): (وأما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه: الأول سمعان الذي يقال له: بطرس، وإندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، فيلبس، وبرثولماوس، توما، ومتى العشار، يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس، سمعان القانوني، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه). وذكر مرقص في(3/16) الأسماء فوافق فيها متى، وخالفهما لوقا حيث حذف من قائمة متى (لباوس الملقب تداوس) ووضع بدلاً عنه (يهوذا أخا يعقوب).
8- اختلافهم في الذين حضروا لمشاهدة قبر المسيح بعد دفنه المزعوم ووقت ذلك، حيث يقول متى (28/1): (وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية، ومريم أخرى لتنظرا القبر). وفي إنجيل مرقص (16/1) يقول: (وبعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه، وباكراً جدًّا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس). وفي إنجيل لوقا (24/1) يقول: ( ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس)
وفي إنجيل يوحنا (20/1) يقول: ( وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر).
فهذه الاختلافات وغيرها كثير- ذكرها علماء الإسلام وغيرهم- تدلُّ دلالة واضحة على أن في الكتاب صنعة بشرية، وتحريف وتبديل.
دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 227


انظر أيضا: