موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


التَّواضُعُ وَسَطٌ بَيْنَ خُلُقينِ ذميمَينِ:
- قال ابنُ القَيِّمِ: (كُلُّ خُلُقٍ محمودٍ مُكتَنَفٌ بخُلُقَينِ ذميمَينِ، وهو وَسَطٌ بَينَهما. وطَرَفاه خُلُقانِ ذَميمانِ؛ كالجُودِ الذي يكتَنِفُه خُلُقَا البُخلِ والتَّبذيرِ، والتَّواضُعِ الذي يكتَنِفُه خُلُقَا الذُّلِّ والمهانةِ، والكِبرِ والعُلُوِّ؛ فإنَّ النَّفسَ متى انحرَفَت عن التَّوسُّطِ انحرَفَت إلى أحَدِ الخُلُقَينِ الذَّميمَينِ ولا بُدَّ؛ فإذا انحرَفَت عن خُلُقِ التَّواضُعِ انحرَفَت إمَّا إلى كِبرٍ وعُلُوٍّ، وإمَّا إلى ذُلٍّ ومَهانةٍ وحَقارةٍ.) [2366] ((مدارج السالكين)) (2/ 295 - 297). .
فالتَّواضُعُ (وَسَطٌ بَيْنَ الكِبرِ والضَّعةِ، فالضَّعةُ: وَضعُ الإنسانِ نفسَه مكانًا يُزري به بتضييعِ حَقِّه. والكِبرُ: رفعُ نفسِه فوقَ قَدْرِه) [2367] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص: 299). .
وقال الغزاليُّ: (سبيلُه في اكتسابِ التَّواضُعِ أن يتواضَعَ للأقرانِ ولمن دونَهم حتى يخفَّ عليه التَّواضُعُ المحمودُ في محاسِنِ العاداتِ؛ ليزولَ به الكِبرُ عنه، فإن خَفَّ عليه ذلك فقد حصل له خُلُقُ التَّواضُعِ، وإن كان يَثقُلُ عليه وهو يفعَلُ ذلك فهو متكَلِّفٌ لا متواضِعٌ، بل الخُلُقُ ما يصدُرُ عنه الفعلُ بسهولةٍ من غيرِ ثِقلٍ ومن غيرِ رَويَّةٍ، فإن خفَّ ذلك وصار بحيثُ يثقُلُ عليه رعايةُ قَدرِه حتَّى أحبَّ التَّملُّقَ والتَّخاسُسَ فقد خرج إلى طَرَفِ النُّقصانِ؛ فليرفَعْ نفسَه إذ ليس للمُؤمِنِ أن يُذِلَّ نفسَه، إلى أن يعودَ إلى الوَسَطِ الذي هو الصِّراطُ المستقيمُ، وذلك غامضٌ في هذا الخُلُقِ وفي سائرِ الأخلاقِ.
والميلُ عن الوَسَطِ إلى طَرَفِ النُّقصانِ -وهو التَّملُّقُ- أهوَنُ من الميلِ إلى طَرِفِ الزِّيادةِ بالتَّكبُّرِ، كما أنَّ الميَل إلى طَرَفِ التَّبذيرِ في المالِ أحمدُ عِندَ النَّاسِ من الميلِ إلى طَرَفِ البخلِ؛ فنهايةُ التَّبذيرِ ونهايةُ البُخلِ مذمومانِ، وأحدُهما أفحشُ، وكذلك نهايةُ التَّكبُّرِ ونهايةُ التَّنقُّصِ والتَّذلُّلِ مذمومان وأحدُهما أقبحُ من الآخَرِ.
والمحمودُ المُطلَقُ هو العَدلُ ووَضعُ الأمورِ مَواضِعَها كما يجِبُ وعلى ما يجِبُ، كما يُعرَفُ ذلك بالشَّرعِ والعادةِ) [2368] ((إحياء علوم الدين)) (3/ 369). .
التَّواضُعُ المتكَلَّفُ:
- قال أحمد شوقي: (التَّواضُعُ المتكَلَّفُ زَهرٌ مُصطَنَعٌ؛ لا في العُيونِ نَضِرٌ، ولا في الأنوفِ عَطِرٌ) [2369] ((أسواق الذهب)) (ص: 135). .
رأسُ التَّواضُعِ:
قال ابنُ المبارَكِ: (رأسُ التَّواضُعِ: أن تضَعَ نفسَك عِندَ من هو دونَك في نعمةِ الدُّنيا حتَّى تُعلِمَه أنْ ليس لك بدنياك عليه فَضلٌ، وأن ترفَعَ نفسَك عمَّن هو فوقَك في نعمةِ الدُّنيا حتَّى تُعلِمَه أنَّه ليس له بدُنياه عليك فضلٌ) [2370]رواه ابنُ أبي الدنيا في ((التواضع والخمول)) (89). .
وقال يحيى بنُ أبي كثيرٍ: (رأسُ التَّواضُعِ ثلاثٌ: أن ترضى بالدُّونِ من شَرَفِ المجلسِ، وأن تبدَأَ مَن لقيتَه بالسَّلامِ، وأن تَكرَهَ المِدحةَ والسُّمعةَ والرِّياءَ بالبِرِّ) [2371]رواه ابنُ أبي الدنيا في ((التواضع والخمول)) (118). .

انظر أيضا: