موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من التَّواصي بالخيرِ عِندَ الصَّحابةِ


برَزَت في حياةِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم معاني التَّواصي بالخيرِ بمختَلِفِ أشكالِها؛ فأنت ترى الواحِدَ منهم إمَّا موصِيًا أخاه، أو عامِلًا بوصيَّةٍ منتَفِعًا بها، أو طالِبًا للوصيَّةِ، ومن ذلك:
- أبو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه يسألُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُوصيَه:
عن أبي ذَرٍّ قال: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اتَّقِ اللهَ حيثُما كُنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنةَ تَمْحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ)) [2145] أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (21354). صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (178) وقال: على شرط الشيخين، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/349)، وحسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (131)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1987). ، وفي روايةٍ [2146] ((مسند أحمد)) ( 21403). : (قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أوصِني).
- أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه وحِرصُه على الانتفاعِ بوصيَّةِ خليلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:   
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: أوصاني خليلي بثَلاثٍ لا أدَعُهنَّ حتَّى أموتَ، ثمَّ ذَكَرها [2147] أخرجه البخاري (1178) واللفظ له، ومسلم (721). . قَولُه: (لا أدعُهنَّ حتَّى أموتَ) أي: لا أترُكُها مدى الحياةِ، ولا أزالُ أحافِظُ عليها [2148] ((منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري)) لحمزة محمد قاسم (2/ 342). .
- عُمَرُ بنُ الخطَّابِ يكتُبُ لابنِه عبدِ اللهِ يوصيه في غَيبةٍ غابَها:
قال ابنُ عبدِ رَبِّه: (وكَتَب عُمَرُ بنُ الخطَّابِ إلى ابنِه عبدِ اللهِ في غَيبةٍ غابَها: أمَّا بَعدُ؛ فإنَّ من اتقى اللهَ وقاه، ومن اتَّكل عليه كفاه، ومن شَكَر له زاده، ومن اقتَرَضه جزاه؛ فاجعَلِ التَّقوى عِمارةَ قَلبِك، وجِلاءَ بَصَرِك؛ فإنَّه لا عَمَلَ لِمَن لا نيَّةَ له، ولا خَيرَ لِمَن لا خشيةَ له، ولا جديدَ لِمن لا خَلَقَ له) [2149] ((العقد الفريد)) (3/100). .
- وعن جُوَيريةَ بنِ قُدامةَ التَّميميِّ: (قُلنا: أوصِنا يا أميرَ المؤمنينَ، قال: أوصيكم بذِمَّةِ اللهِ...) [2150] أخرجه البخاري (3162). . وفيه الحَضُّ على الوفاءِ بالعَهدِ [2151] ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 267). .
- عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه يوصي ابنَه الحَسَنَ:
قال الماوَرْديُّ: (وقال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه لابنِه الحسَنِ في وصيَّتِه له: يا بُنيَّ إنِ استطَعْتَ أن لا يكونَ بَينَك وبَينَ اللهِ ذو نِعمةٍ فافعَلْ، ولا تكُنْ عبدَ غَيرِك وقد جعَلَك اللهُ حُرًّا؛ فإنَّ اليسيرَ من اللهِ تعالى أكرَمُ وأعظَمُ من الكثيرِ من غيرِه، وإن كان كُلٌّ منه كثيرًا) [2152] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 330). .
- سعيدُ بنُ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه يوصي عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه بخشيةِ اللهِ في النَّاسِ:
عن مكحولٍ، أنَّ سعيدَ بنَ عامرِ بنِ حِذْيَمٍ الجُمَحيَّ من أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ: (إنِّي أريدُ أن أوصِيَك يا عُمَرُ، قال: أجَلْ، فأوصِني، قال: أوصيك أن تخشى اللهَ في النَّاسِ، ولا تخْشَ النَّاسَ في اللهِ، ولا يختَلِفْ قولُك وفِعلُك؛ فإنَّ خيرَ القولِ ما صدَّقه الفِعلُ، ولا تَقْضِ في أمرٍ واحدٍ بقضاءَينِ؛ فيختَلِفَ عليك أمرُك وتزيغَ عن الحَقِّ، وخُذْ بالأمرِ ذي الحُجَّةِ تأخُذُ بالفَلَجِ، ويُعينُك اللهُ ويُصلِحُ رعيَّتَك على يديك، وأقِمْ وَجهَك وقضاءَك لِمَن ولَّاك اللهُ أمْرَه مِن بَعيدِ المسلِمينَ وقريبِهم، وأحبِبْ لهم ما تحِبُّ لنفسِك وأهلِ بيتِك، واكْرَهْ لهم ما تكرَهُ لنفسِك وأهلِ بيتِك، وخُضِ الغَمَراتِ إلى الحَقِّ ولا تخَفْ في اللهِ لومةَ لائمٍ، فقال عُمَرُ: من يستطيعُ ذلك؟ فقال سعيدٌ: مِثلُك مَن ولَّاه اللهُ أمرَ أمَّةِ محمَّدٍ، ثمَّ لم يَحُلْ بَينَه وبَينَ أحَدٍ) [2153] أخرجه عبد الرزاق (20724)، وأبو داود في ((الزهد)) (356)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (21/159) واللفظ له. .
- أبو الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه وتمسُّكُه بوصيَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما عاش:
عن أبي الدَّرداءِ، قال: أوصاني حبيبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بثلاثٍ، لن أدعَهنَّ ما عِشْتُ: ((بصيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كُلِّ شَهرٍ، وصلاةِ الضُّحى، وبأن لا أنامَ حتَّى أوتِرَ)) [2154] أخرجه مسلم (722). .
- وصيَّةُ عبدِ اللهِ بنِ حرامٍ لابنِه جابرٍ:
عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لمَّا حضَر أُحُدٌ دعاني أبي من اللَّيلِ، فقال: ما أراني إلَّا مقتولًا في أوَّلِ مَن يُقتَلُ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنِّي لا أترُكُ بعدي أعزَّ علَيَّ منك، غيرَ نَفسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنَّ علَيَّ دَينًا فاقْضِ، واستوصِ بأخواتِك خيرًا) [2155] أخرجه البخاري (1351). .

انظر أيضا: