موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ الهَمْزِ واللَّمزِ


الهَمْزُ واللَّمزُ على ثلاثةِ أقسامٍ:
1- محرَّمٌ: إذا عاب المُسلِمَ بغَرَضِ النَّيلِ منه والانتقامِ وتمزيقِ عِرضِه، والغَضِّ منه، والتَّفكُّهِ بالسُّخريةِ منه.
2- جائزٌ، لسِتَّةِ أسبابٍ مجموعةٍ في قولِ النَّاظِمِ:
الذَّمُّ ليس بغِيبةٍ في سِتَّةٍ
متظَلِّمٍ ومُعَرِّفٍ ومحَذِّرِ
ولمُظهِرٍ فِسقًا ومُستَفتٍ ومَن
طَلَب الإعانةَ في إزالةِ مُنكَرِ [7255] ((البدر التمام)) للمغربي (10/ 303).
3- واجِبٌ أو مستحَبٌّ: فجَرَح الأئمَّةُ الحُفَّاظُ بعضَ نَقَلةِ الحديثِ؛ لتحذيرِ المُسلِمين من الاغترارِ بما روَوا من الأخبارِ، وغرَضُهم في ذلك حِفظُ الدِّينِ وصيانةُ السُّنَّةِ والذَّبُّ عن الشَّريعةِ؛ ولذلك عُدَّ هذا من الواجباتِ للحاجةِ إليه، قال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (القَدحُ في الرُّواةِ واجِبٌ؛ لِما فيه من دَفعِ إثباتِ الشَّرعِ بقولِ مَن لا يجوزُ إثباتُ الشَّرعِ به؛ لِما على النَّاسِ في ذلك من الضَّرَرِ في التَّحريمِ والتَّحليلِ وغيرِهما من الأحكامِ) [7256] ((قواعد الأحكام)) (1/ 114). .
وقال ابنُ رجَبٍ: (الكلامُ في الجَرحِ والتَّعديلِ جائزٌ قد أجمع عليه سَلَفُ الأمَّةِ وأئمَّتُها، لِما فيه من تمييزِ ما يجِبُ قَبولُه من السُّنَنِ ممَّا لا يجوزُ قَبولُه... وذِكرُ عَيبِ الرَّجُلِ إذا كان فيه مصلحةٌ ولو كانت خاصَّةً كالقَدحِ في شهادةِ شاهِدِ الزُّورِ جائِزٌ بغيرِ نزاعٍ، فما كان فيه مصلحةٌ عامَّةٌ للمُسلِمين أَولى) [7257] ((شرح علل الترمذي)) (1/ 348). .
وبيانُ حالِ أئمَّةِ البِدَعِ من أهلِ المقالاتِ أو العباداتِ المخالِفةِ للكِتابِ والسُّنَّةِ وتحذيرُ الأمَّةِ منهم واجِبٌ باتِّفاقِ المُسلِمين، حتى قيل لأحمَدَ بنِ حَنبَلٍ: الرَّجُلُ يصومُ ويُصَلِّي ويعتَكِفُ أحَبُّ إليك أو يتكَلَّمُ في أهلِ البِدَعِ؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنَّما هو لنفسِه، وإذا تكلَّم في أهلِ البِدَعِ فإنما هو للمُسلِمين، هذا أفضَلُ [7258] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/ 231). .
وكأن يعيبَ مُسلِمًا بقصدِ النَّصيحةِ، كما ذكرَت فاطِمةُ بنتُ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ معاويةَ بنَ أبي سفيانَ، وأبا جَهمٍ خَطَباها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَّا أبو جَهمٍ فلا يَضَعُ عصاه عن عاتِقِه، وأمَّا معاويةُ فصُعلوكٌ لا مالَ له)) [7259] أخرجه مسلم (1480). .
وكذلك جَرحُ الشُّهودِ عِندَ الحُكَّامِ فيه مَفسَدةُ هَتكِ أستارِهم، لكِنَّه واجِبٌ؛ لأنَّ المصلحةَ في حِفظِ الحقوقِ من الدِّماءِ والأموالِ والأعراضِ والأبضاعِ والأنسابِ وسائِرِ الحُقوقِ أعَمُّ وأعظَمُ [7260] ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/ 114). .
قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (ذِكرُ مَساوئِ الرَّاوي والشَّاهِدِ القادِحةِ في عدالتِهما وفي روايتِهما: أمرٌ ضروريٌّ، فيَجِبُ ذلك؛ فإنَّه إن لم يفعَلْ ذلك قُبِل خَبَرُ الكذَّابِ، وشهادةُ الفاسِقِ، وغُشَّ المُسلِمون وفَسَدت الدُّنيا والدِّينُ. ولا يُلتَفَتُ لقَولِ غَبيٍّ جاهِلٍ يقولُ: ذلك غِيبةٌ؛ لأنَّها وإن كانت من جِنسِ الغِيبةِ، فهي واجِبةٌ بالأدِلَّةِ القاطِعةِ، والبراهينِ الصَّادِعةِ؛ فهي مُستثناةٌ من تلك القواعدِ للضَّرورةِ الدَّاعيةِ) [7261] ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم))  (1/ 129). .

انظر أيضا: