موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: ماذا يفعَلُ مَن حُمِلَت إليه النَّميمةُ؟


قال الغَزاليُّ: (كُلُّ مَن حُمِلت إليه النَّميمةُ وقيل له: إنَّ فلانًا قال فيك كذا وكذا، أو فَعَل في حقِّك كذا، أو هو يُدَبِّرُ في إفسادِ أمرِك، أو في ممالأةِ عَدُوِّك أو تقبيحِ حالِك، أو ما يجري مجراه؛ فعليه سِتَّةُ أمورٍ:
الأوَّلُ: ألَّا يُصَدِّقَه؛ لأنَّ النَّمَّامَ فاسِقٌ، وهو مردودُ الشَّهادةِ؛ قال اللَّهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات: 6] .
الثَّاني: أن ينهاه عن ذلك وينصَحَ له، ويُقَبِّحَ عليه فِعلَه؛ قال اللَّهُ تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ [لقمان: 17] .
الثَّالِثُ: أن يُبغِضَه في اللَّهِ تعالى؛ فإنَّه بغيضٌ عِندَ اللَّهِ تعالى، ويجِبُ بُغضُ من يُبغِضُه اللَّهُ تعالى.
الرَّابعُ: ألَّا تظُنَّ بأخيك الغائِبِ السُّوءَ؛ لقَولِ اللَّهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ [الحجرات: 12] .
الخامِسُ: ألَّا يحمِلَك ما حُكِيَ لك على التَّجسُّسِ والبَحثِ لتُحَقِّقَ؛ اتباعًا لقَولِ اللَّهِ تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] .
السَّادِسُ: ألَّا ترضى لنفسِك ما نهَيتَ النَّمَّامَ عنه، ولا تحكيَ نميمَتَه؛ فتقولَ: فلانٌ قد حكى لي كذا وكذا، فتكونَ به نمَّامًا ومُغتابًا، وقد تكونُ قد أتيتَ ما عنه نَهَيتَ) [7044] ((إحياء علوم الدين)) (3/156). ويُنظَر: ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 174، 175). .
(جاء رجُلٌ إلى عَليِّ بنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما فنَمَّ له عن شَخصٍ، فقال: اذهَبْ بنا إليه، فذهَب معه، وهو يرى أنَّه ينتَصِرُ لنَفسِه، فلمَّا وصَل إليه قال: يا أخي، إن كان ما قُلتَ فيَّ حقًّا يغفِرُ اللَّهُ لي، وإن كان ما قُلتَ فيَّ باطِلًا يَغفِرُ اللَّهُ لك) [7045] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/571). .
ورُوِيَ عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ أنَّه دَخَل عليه رجُلٌ، فذَكَر عِندَه رجُلًا، فقال له عُمَرُ: (إن شِئتَ نظَرْنا في أمرِك، فإن كُنتَ كاذِبًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] ، وإن كُنتَ صادِقًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم: 11] ، وإن شِئتَ عَفَونا عنك. فقال: العَفوُ يا أميرَ المُؤمِنينَ، لا أعودُ إليه أبَدًا) [7046] ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 173). .
وذُكِر أنَّ حكيمًا من الحُكَماءِ زاره بعضُ أصدقائِه وذَكَر عندَه بعضَ إخوانِه، فقال له الحكيمُ: (قد أبطَأْتَ في الزِّيارةِ وأتيتَني بثلاثِ جِناياتٍ: بغَّضْتَ إليَّ أخي، وشَغَلْتَ قلبي الفارِغَ، واتَّهَمْتَ نَفسَك بالمَينِ!) [7047] ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 173). .
وعاتَبَ مُصعَبُ بنُ الزُّبَيرِ الأحنَفَ بنَ قَيسٍ على شيءٍ بَلَغه عنه، فاعتذَر إليه الأحنَفُ من ذلك ودَفَعه، فقال مُصعَبٌ: أخبَرَني بذلك الثِّقةُ، فقال الأحنَفُ: كَلَّا أيُّها الأميرُ؛ إنَّ الثِّقةَ لا يُبَلِّغُ [7048] يُنظَر: ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 25)، ((الفاخر)) للمفضل بن سلمة (ص: 299)، ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 182). .
(ورُوِيَ أنَّ سُلَيمانَ بنَ عَبدِ المَلِكِ كان جالِسًا وعنده الزُّهريُّ، فجاءه رجُلٌ فقال له سُليمانُ: بلغني أنَّك وقَعْتَ فيَّ، وقُلتَ كذا وكذا. فقال الرَّجُلُ: ما فعَلْتُ ولا قُلتُ. فقال سُلَيمانُ: إنَّ الذي أخبرني صادِقٌ، فقال له الزُّهريُّ: لا يكونُ النَّمَّامُ صادِقًا. فقال سُلَيمانُ: صدَقْتَ، ثمَّ قال للرَّجُلِ: اذهَبْ بسَلامٍ) [7049] ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 174). .
و(سعى رجُلٌ بزيادٍ الأعجَمِ إلى سُلَيمانَ بنِ عَبدِ المَلِكِ، فجَمَع بَيْنَهما للمُوافقةِ، فأقبل زيادٌ على الرَّجُلِ وقال:
فأنت امرُؤٌ إمَّا ائتمَنْتُك خاليًا
فخُنتَ وإمَّا قُلتَ قَولًا بلا عِلمِ
فأنتَ من الأمرِ الذي كان بينَنا
بمنزلةٍ بَيْنَ الخيانةِ والإثمِ
وقال رجُلٌ لعَمرِو بنِ عُبَيدٍ: إنَّ الأسواريَّ ما يزالُ يَذكُرُك في قَصَصِه بشَرٍّ. فقال له عَمرٌو: يا هذا، ما رعَيتَ حَقَّ مجالسةِ الرَّجُلِ حيثُ نقَلْتَ إلينا حديثَه، ولا أدَّيتَ حَقِّي حينَ أعلَمْتَني عن أخي ما أكرَهُ، ولكِنْ أعلِمْه أنَّ الموتَ يَعُمُّنا، والقَبرَ يَضُمُّنا، والقيامةَ تَجمَعُنا، واللَّهُ تعالى يحكُمُ بيننا، وهو خيرُ الحاكِمين) [7050] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/157). .
ورَفَع إنسانٌ رَفيعةً إلى الصَّاحِبِ بنِ عَبَّادٍ يحُثُّه فيها على أخذِ مالِ يَتيمٍ، وكان مالًا كثيرًا، فكَتَب على ظَهْرِها: النَّميمةُ قبيحةٌ وإن كانت صحيحةً، والمَيِّتُ رحمه اللَّهُ، واليتيمُ جَبَره اللَّهُ، والمالُ ثَمَرهُ اللَّهِ، والسَّاعي لَعَنه اللَّهُ [7051] ((الأذكار)) للنووي (ص: 553). !
وقال ذو الرِّياستَينِ: (قَبولُ النَّميمةِ شَرٌّ من النَّميمةِ؛ لأنَّ النَّميمةَ دَلالةٌ، والقَبولَ إجازةٌ، وليس مَن دَلَّ على شيءٍ كمَن قَبِله وأجازَه) [7052] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 182). .
وقيل لمحمَّدِ بنِ كَعبٍ القُرَظيِّ: أيُّ خِصالِ المُؤمِنِ أوضَعُ له؟ فقال: كثرةُ الكلامِ، وإفشاءُ السِّرِّ، وقَبولُ قَولِ كُلِّ أحَدٍ [7053] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/157). .

انظر أيضا: