موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسِعًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


- ماذا يَصنَعُ صاحبُ المعروفِ إن وجَد جُحودًا وإنكارًا؟
الأَولى بصانِعِ المعروفِ والجميلِ أن يَبقى على ما يَصنَعُ من الخيرِ راجيًا ثوابَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ولعَلَّ في دوامِه على الخيرِ وعَدَمِ قَطعِه مُضاعَفةَ ثوابِه عِندَ رَبِّه، ولعَلَّ مواصَلةَ تقديمِ المعروفِ يَزجُرُ مُنكِرَ الجميلِ عن إنكارِه.
قال تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]
قال الزَّمخشَريُّ: (والمعنى: لا يَحلِفوا على ألَّا يُحسِنوا إلى المُستَحِقِّين للإحسانِ، أو لا يُقَصِّروا في أن يُحسِنوا إليهم، وإن كانت بَيْنَهم وبَيْنَهم شَحناءُ لجنايةٍ اقتَرَفوها فليعودوا عليهم بالعَفوِ والصَّفحِ، ولْيَفعَلوا بهم مِثلَ ما يَرجون أن يَفعَلَ بهم رَبُّهم، مع كَثرةِ خَطاياهم وذُنوبِهم. نزَلَت في شأنِ مِسطَحٍ، وكان ابنَ خالةِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهما، وكان فقيرًا من فُقَراءِ المهاجِرين، وكان أبو بكرٍ يُنفِقُ عليه، فلمَّا فَرَط منه ما فَرَط آلى ألَّا يُنفِقَ عليه، وكفى به داعيًا إلى المجامَلةِ وتَركِ الاشتغالِ بالمكافأةِ للمُسيءِ. ويُروى أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرأها على أبي بكرٍ، فقال: بلى، أُحِبُّ أن يَغفِرَ اللهُ لي، ورَجَع إلى مِسطَحٍ نفَقتَه، وقال: واللهِ لا أنزِعُها أبدًا) [6971] ((الكشاف)) (3/222). .
- افعَلِ الخيرَ ولا تنتَظِرِ الشُّكرَ:
على الإنسانِ أن يُوطِّنَ نفسَه على أن يَعمَلَ للهِ بإخلاصٍ دونَ انتظارِ الشُّكرِ مِن النَّاسِ، فبهذا يستريحُ، شَكَرَه النَّاسُ أو كَفَروه، أقرُّوا له بالجميلِ أو أنكَروه؛ قال السَّعديُّ: (ومِن أنفَعِ الأمورِ لطَردِ الهَمِّ: أن توطِّنَ نفسَك على ألَّا تَطلُبَ الشُّكرَ إلَّا من اللهِ، فإذا أحسَنْتَ إلى مَن له حَقٌّ عليك أو مَن ليس له حَقٌّ، فاعلَمْ أنَّ هذا معامَلةٌ منك مع اللهِ، فلا تُبالِ بشُكرِ مَن أنعَمْتَ عليه، كما قال تعالى في حَقِّ خواصِّ خَلقِه: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9] .
ويتأكَّدُ هذا في مُعاملةِ الأهلِ والأولادِ ومَن قَوِيَ اتِّصالُك بهم؛ فمتى وطَّنْتَ نفسَك على إلقاءِ الشُّكرِ عنهم، فقد أرَحْتَ واستَرَحْتَ) [6972] ((الوسائل المفيدة للحياة السعيدة)) (ص: 45، 46). .
- هل إخفاءُ نِعمةِ اللهِ نوعٌ من إنكارِها داخِلٌ في نُكْرانِ الجَميلِ؟
عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ يحِبُّ أن يَرى أثَرَ نِعمتِه على عَبدِه)) [6973] أخرجه الترمذي (2819)، والحاكم (7188)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (6196). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2819)، وحسَّنه التِّرمذيُّ، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (32). .
قال القاريُّ: (فمِن شُكرِها إظهارُها، ومِن كُفرانِها كِتمانُها) [6974] ((مرقاة المفاتيح)) (7/2783). .
وقال المُظهِريُّ: (يعني: إذا آتى اللهُ عبدًا مِن عبادِه نِعمةً من نِعَمِ الدُّنيا فلْيُظهِرْها مِن نفسِه، بلُبسِ لِباسٍ يليقُ بحالِه إذا لم يكُنْ ذلك اللِّباسُ مُحَرَّمًا، ولتَكُنْ نيَّتُه في لُبسِ ذلك اللِّباسِ إظهارَ نِعَمِ اللهِ؛ ليَقصِدَه المحتاجون لطَلَبِ الزَّكاةِ والصَّدَقاتِ، ولا يجوزُ أن يكتُمَ نِعَمَ اللهِ بحيثُ لا يَعرِفُه المحتاجون، ولا يَصِلُ منه خيرٌ إلى النَّاسِ، وكذلك العُلَماءُ لِيُظهِروا عِلمَهم؛ ليَعرِفَهم النَّاسُ ليستفيدوا مِن عِلمِهم) [6975] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/ 19). .

انظر أيضا: