موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 262] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يمدَحُ تعالى الذين يُنفِقون أموالَهم في سبيلِ اللهِ، ثمَّ لا يُتبِعون ما أنفَقوا من الخَيراتِ والصَّدَقاتِ مَنًّا على من أعطَوه، فلا يَمُنُّون على أحَدٍ، ولا يَمُنُّون به لا بقولٍ ولا فعلٍ. وقولُه: وَلَا أَذًى أي: لا يفعَلون مع من أحسَنوا إليه مكروهًا يُحبِطون به ما سَلَف من الإحسانِ.
ثمَّ وعدهم تعالى الجزاءَ الجزيلَ على ذلك، فقال: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: ثوابُهم على اللهِ، لا على أحَدٍ سواه وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي: فيما يستقبِلونه من أهوالِ يومِ القيامةِ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أي: على ما خلَّفوه من الأولادِ وما فاتهم من الحياةِ الدُّنيا وزهرتِها، لا يأسَفون عليها لأنهم قد صاروا إلى ما هو خيرٌ لهم من ذلك) [6757] ((تفسير القرآن العظيم)) (1/ 693). .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 264] .
قال السَّعديُّ: (ينهى عبادَه تعالى لطفًا بهم ورحمةً عن إبطالِ صدَقاتِهم بالمَنِّ والأذى، ففيه أنَّ المَنَّ والأذى يُبطِلُ الصَّدقةَ، ويستدَلُّ بهذا على أنَّ الأعمالَ السَّيِّئةَ تُبطِلُ الأعمالَ الحَسَنةَ، كما قال تعالى: وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2] ، فكما أنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئاتِ فالسَّيِّئاتُ تُبطِلُ ما قابلها من الحَسَناتِ، وفي هذه الآيةِ مع قولِه تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33] حثٌّ على تكميلِ الأعمالِ وحِفظِها من كُلِّ ما يفسِدُها؛ لئلَّا يضيعَ العَمَلُ سُدًى. وقولُه: كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 264] ، أي: أنتم وإن قصَدْتُم بذلك وجهَ اللهِ في ابتداءِ الأمرِ، فإنَّ المِنَّةَ والأذى مُبطِلانِ لأعمالِكم، فتصيرُ أعمالُكم بمنزلةِ الذي يعمَلُ لمراءاةِ النَّاسِ ولا يريدُ به اللهَ والدَّارَ الآخرةَ، فهذا لا شَكَّ أنَّ عمَلَه من أصلِه مردودٌ؛ لأنَّ شَرطَ العَمَلِ أن يكونَ للهِ وَحدَه، وهذا في الحقيقةِ عَمَلٌ للنَّاسِ لا للهِ؛ فأعمالُه باطلةٌ، وسَعْيُه غيرُ مشكورٍ) [6758] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 113). .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر: 1 - 7] .
قيل: قولُه: تَمْنُنْ من المَنِّ بالشَّيءِ -وذلك على أحَدِ الأقوالِ في الآيةِ- وفيه وجهانِ؛ الأوَّلُ: لا تَمْنُنْ على النَّاسِ بنُبُوَّتِك تستكثِرُ بأجرٍ أو مكسَبٍ تَطلُبُه. الثَّاني: لا تمنُنْ على اللهِ بعَمَلِك تستكثِرُ أعمالَك ويقَعُ لك بها إعجابٌ [6759] ((التسهيل لعلوم التنزيل)) (2/ 427، 428). .
قال ابنُ العَرَبيِّ: (المَنُّ يُطلَقُ على معنيينِ؛ أحدُهما: العطاءُ. والثَّاني: التَّعدادُ على المُنعَمِ عليه بالنِّعَمِ... والآيةُ تتناوَلُ المعنيينِ كِليهما) [6760] يُنظَر: ((أحكام القرآن)) (4/343). .
وقال السَّعديُّ: (لا تمنُنْ على النَّاسِ بما أسدَيتَ إليهم من النِّعَمِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، فتتكَثَّرَ بتلك المِنَّةِ، وترى لك الفضلَ عليهم بإحسانِك والمِنَّةَ، بل أحسِنْ إلى النَّاسِ مهما أمكنَك، وانْسَ عِندَهم إحسانَك، ولا تطلُبْ أجرَه إلَّا من اللهِ تعالى، واجعَلْ من أحسَنْتَ إليه وغيرَه على حَدٍّ سواءٍ) [6761] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 895). .
- وقال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات: 14 - 17] .
أي: يمُنُّ هؤلاء الأعرابُ عليك -يا محمَّدُ- إسلامَهم، فيَذكُرونَه لك ذِكرَ مَن قَدَّم لك معروفًا، وأسدى إليك خَيرًا!
قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
أي: قُلْ لهم -يا محمَّدُ-: لا تمُنُّوا علَيَّ إسلامَكم؛ فليس لكم مِنَّةٌ عليَّ في ذلك، ونفعُ إسلامِكم يعودُ عليكم، وإنَّما للهِ المِنَّةُ عليكم بالتَّوفيقِ للإيمانِ إنْ كنتُم صادقين في ادِّعائِكم الإيمانَ [6762] يُنظَر: ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (34/340). .

انظر أيضا: