موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ من البِرِّ عندَ السَّلَفِ


- بِرُّ أُوَيسٍ القَرنيِّ بأمِّه:
عن أُسَيرِ بنِ جابرٍ، قال: ((كان عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليَمَنِ سألهم: أفيكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ؟ حتَّى أتى على أُوَيسٍ فقال: أنت أُوَيسُ بنُ عامرٍ؟ قال: نعَمْ، قال: من مُرادٍ ثمَّ مِن قَرَنٍ؟ قال: نعَمْ، قال: فكان بك بَرَصٌ فبَرَأتَ منه إلَّا موضِعَ دِرهَمٍ؟ قال: نعم، قال: لكَ والدةٌ؟ قال: نعم، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يأتي عليكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليَمَنِ، من مُرادٍ ثمَّ من قَرَنٍ، كان به بَرَصٌ فبَرَأ منه إلَّا موضِعَ دِرهَمٍ، له والِدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسَمَ على اللهِ لأبَرَّه! فإن استطَعْتَ أن يَستغفِرَ لك فافعَلْ؛ فاستغفِرْ لي! فاستغفَرَ له، فقال له عُمَرُ: أين تريدُ؟ قال: الكوفةَ، قال: ألا أكتُبُ لك إلى عامِلِها؟ قال: أكونُ في غبراءِ النَّاسِ أحَبُّ إليَّ. قال: فلمَّا كان من العامِ المُقبِلِ حَجَّ رجُلٌ من أشرافِهم، فوافق عُمَرَ، فسأله عن أُوَيسٍ، قال: تركتُه رَثَّ البيتِ، قليلَ المتاعِ، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يأتي عليكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليَمَنِ، من مُرادٍ ثمَّ من قَرَنٍ، كان به بَرَصٌ فبَرَأ منه إلَّا موضِعَ دِرهَمٍ، له والِدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسَمَ على اللهِ لأبَرَّه! فإن استطَعْتَ أن يَستغفِرَ لك فافعَلْ. فأتى أويسًا فقال: استغفِرْ لي، قال: أنت أحدَثُ عهدًا بسفَرٍ صالحٍ، فاستغفِرْ لي، قال: استغفِرْ لي، قال: أنت أحدَثُ عهدًا بسَفَرٍ صالحٍ، فاستغفِرْ لي، قال: لَقِيتَ عُمَرَ؟! قال: نعَمْ، فاستغفَرَ له، ففَطِنَ له النَّاسُ، فانطلق على وَجهِه، قال أُسَيرٌ: وكَسَوتُه بُردةً، فكان كلَّما رآه إنسانٌ قال: من أينَ لأُوَيسٍ هذه البُردةُ؟!)) [1234] أخرجه مسلم (2542). . قَولُه: ((هو بها بَرٌّ)) بفتحِ الباءِ الموحَّدةِ: أي: بالِغٌ في البِرِّ والإحسانِ إليها [1235] ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) لابن علان (3/ 236). .
والحديثُ فيه فضيلةُ بِرِّ الوالِدَينِ [1236] ((فتح المنعم شرح صحيح مسلم)) لموسى شاهين لاشين (9/ 595). .
- بِرُّ محمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ بأمِّه:
عن جَعفَرِ بنِ سُلَيمانَ، عن محمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ، قال: (كان يضَعُ خَدَّه على الأرضِ، ثمَّ يقولُ لأمِّه: يا أُمَّهْ، قومي ضَعي قَدَمَكِ على خَدِّي) [1237] ((طبقات ابن سعد)) (7/441). .
وقال محمَّدُ بنُ المُنكَدِرِ: (بات عُمَرُ -يعني أخاه- يُصَلِّي، وبِتُّ أغمِزُ رِجلَ أمِّي، وما أحِبُّ أنَّ ليلتي بليلتِه!) [1238] ((شعب الإيمان)) للبيهقي (10/ 309). .
- بِرُّ عليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ زينِ العابِدينَ بأمِّه:
(كان زَينُ العابدينَ كثيرَ البِرِّ بأمِّه، حتَّى قيل له: إنَّك أبَرُّ النَّاسِ بأمِّك، ولَسْنا نراك تأكُلُ معها في صَحفةٍ! فقال: أخاف أن تَسبِقَ يَدي إلى ما سبَقَت إليه عينُها، فأكونَ قد عقَقْتُها!) [1239] يُنظَر: ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 111)، ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (3/268). .
- بِرُّ ابنِ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ بأبيه:
لمَّا هلك ابنُ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ سُئِل أبوه عنه، فقيل: كيف كان معك؟ فقال: ما مَشَيتُ معه بليلٍ قَطُّ إلَّا كان أمامي، ولا بنهارٍ قَطُّ إلَّا كان خلفي، وما علا سَطحًا قَطُّ وأنا تحتَه [1240] يُنظَر ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 111)، ((التعازي والمراثي)) للمبرد (ص97). .
- بِرُّ الفَضلِ بنِ يحيى بأبيه:
قال المأمونُ: (لم أرَ أبَرَّ من الفَضلِ بنِ يحيى بأبيه، بلَغ من بِرِّه بأبيه أنَّ يحيى كان لا يتوضَّأُ إلَّا بالماءِ الحارِّ، وكان في السِّجنِ، فمنَعَهما السَّجَّانُ من إدخالِ الحَطَبِ في ليلةٍ باردةٍ، فقام الفَضلُ حينَ أخَذَ يحيى مَضجَعَه إلى قُمقُمٍ يُسَخِّنُ فيه الماءَ، فملأه، ثمَّ أدناه من نارِ المصباحِ، فلم يَزَلْ قائِمًا وهو في يَدِه حتَّى أصبح!) [1241] ((البر والصلة)) لابن الجوزي (ص89-90). .
- برُّ محمَّدِ بنِ بشَّارٍ بُنْدارٍ بأمِّه حَمَله على تَرْكِ الرِّحلةِ في طَلَبِ الحَديثِ:
قال الذَّهَبيُّ: (كان بُندارٌ عارِفًا مُتقِنًا بصيرًا بحديثِ البَصرةِ، لم يَرحَلْ بِرًّا بأمِّه، واقتنع بحديثِ بَلَدِه) [1242] ((تاريخ الإسلام)) (6/165). .

- ظَبْيانُ بنُ عَلِيٍّ الثَّوْرِيُّ:
كان ظَبْيانُ بنُ عليٍّ الثَّوْرِيُّ مِنْ أبَرِّ النَّاسِ، (لقدْ باتَتْ أُمُّه وفي صَدْرِها عليه شيءٌ، فقامَ على رِجلَيْه قائِمًا يَكْرَه أنْ يُوقِظَها ويَكْرَهُ أنْ يَقْعُدَ، حتَّى إذا ضَعُف جاءَ غُلامانِ مِنْ غِلْمانِه فما زالَ مُعْتَمِدًا عليهما حتَّى استيقَظَتْ مِنْ قِبَلِ نفسِها، وإنْ كانَ لَيَبْتاعُ الدَّسْتَجَةَ [1243] الدَّسْتَجَةُ أي: الحزمةُ معربٌ. ينظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 241). مِنْ البَقْلِ فيُنَقِّيها لها طاقَةً طاقَةً حتَّى يَضَعَها بينَ يَدَيْها، وكان يُسافِرُ بها إلى مَكَّةَ، فإذا كان يومٌ حارٌّ حَفَر بِئْرًا ثُمَّ جاء بنِطْعٍ فصَبَّ فيه الماءَ، ثُمَّ قال لها: ادْخُلي تبَرَّدِي في هذا) [1244] ((مكارم الأخلاق)) لابن أبي الدنيا ( 227). .

انظر أيضا: